إيلاف - 26 يناير 2007
سلوى اللوباني من القاهرة: صدر مؤخراُ العديد من الكتب التي تعيد وصف مصر بطريقة ساخرة بكل متغيراتها الاجتماعية والسياسية، وإحدى هذه الكتب كتاب لخالد الخميسي "تاكسي حواديت المشاوير" صادر عن دار الشروق، وخالد الخميسي إعلامي ومنتج ومخرج وكاتب سيناريو، وله العديد من الدراسات الاجتماعية والسياسية ويكتب حالياً في عدة صحف، يضم الكتاب بعض القصص التي عاشها مؤلف الكتاب وبعض الحكايات التي جرت مع سائقين من ابريل 2005 الى مارس 2006، الكتاب يرصد أحوال المجتمع والرأي العام من خلال عدة قضايا بطريقة أدبية ساخرة جذابة، فمؤلف الكتاب يقول بأنه منذ سنوات طويلة وهو زبون "سقع" لسيارات التاكسي دار معها في شوارع وأزقة القاهرة بحيث أصبح يعرف حواريها ومطباتها أكثر من أي سائق، وهو من هواة الحديث الى سائقي التاكسي فهم بحق أحد ترمومترات الشارع المصري على حد تعبيره، نقل المؤلف هذه القصص كما هي بلغة الشارع وهي لغة خاصة وفجة وحية وصادقة وتختلف تماماً عن لغة الصالونات والندوات التي اعتاد عليها. ويعتبر المؤلف أن اهمية الكتاب تكمن في تسجيل ما يقوله فرد في المجتمع في لحظة تاريخية بعينها حول موضوع محدد. تناول في قصصه وحكاياته الطريفة الانتخابات الرئاسية، الاقتصاد، الفياجرا، الغاز، الديمقراطية، الرياضة، الجن والملائكة والعفاريت، إضافة الى أحداث النصب على سائقي التاكسي، وغيرها الكثير من الموضوعات التي توضح كيف تغيرت الحياة الاجتماعية والسياسة والاقتصادية خلال 30 عاماً الاخيرة. قصص في غاية الطرافة...
سائقي التاكسي ويوضح بأن سائقي التاكسي لديهم خبرات واسعة بالمجتمع. فهم عملياً يعيشون في الشارع وينتمون الى شريحة مطحونة إقتصادياً ويعملون في مهنة مرهقة بدنياً فوضع الجلوس الدائم في سيارات متهالكة يدمر أعمدتهم الفقرية، وحالة الصراخ الدائم الموجودة في شوارع القاهرة تدمر أجهزتهم العصبية، وحالة الزحام المستمرة تنهكهم نفسياً والجري وراء الرزق يشد ضفائر الكهرباء في أجسادهم للمنتهى، يضاف الى كل ذلك حالة الشد والجذب الدائمة بينهم وبين الزبائن لعدم وجود أي معايير للحساب وبينهم وبين الشرطة التي تمارس ضدهم في العموم. وتجد سائقي تاكسي من كل التخصصات ومن كافة الشرائح العلمية بدءاً من الامي الى الحاصل على الماجستير بعد أن صدر عدد من القرارات التي أدت الى زيادة الاقبال على مشروع التاكسي بشكل غير مسبوق، حتى وصل عدد سيارات الاجرة في القاهرة الكبرى الى 80 ألفاً، ومن هذه القرارات السماح لاي سيارة قديمة بأن تتحول الى تاكسي، ومن أهم الموضوعات المحببة لدى سائقي التاكسي في القاهرة شتم وزارة الداخلية واحترامها وتبجيلها في نفس الوقت فأمين الشرطة الذي كان حلماً جميلاً في السبعينيات.. أمينا على الشوارع في بدلته الجميلة.. يسير بها متأنقاً...تحول هذا الحلم الى كابوس على قلب الشارع المصري خلال 30 عاماً الاخيرة..فكيف حدث ذلك؟ يرى المؤلف في التحليل السياسي لبعض السائقين عمقاً أكثر مما يجده لدى العديد من محللين سياسيين يملئون الدنيا صخباً...
نصف الشعب المصري ومن الحكايات والقصص الطريفة التي وردت في الكتاب حكاية المؤلف مع سائق تاكسي طلب منه أن يقوده الى مبنى التلفزيون في ماسبيرو، فتهلل وجه السائق وهو يسأله ما إن كان موظفاً بالتلفزيون، السائق: "بالطبع تعرف حد هناك، أصل أنا عايز ضروري أشوف الاستاذ مفيد فوزي لامر ليس لي.. دى علشان البلد، عايز أقوله إنه كل يوم الصبح نص اللي بيركبوا معايا بوصلهم معهد السرطان حاجة غريبة جداً! أول ما أوصل توصيلة للمعهد وألف لفة ولا لفتين ألاقي زبون تاني رايح المعهد، واضح إن البلد كلها عندها سرطان، مش عارف من الهباب اللي بنشمه في الشارع ولا من الاكل اللي بنتسممه، ولا أكيد من المبيدات اللي عمالين نرشها، إنما اللي عايز اقوله للاستاذ مفيد فوزي إن كل يوم ييجي نص الشعب المصري بيروح معهد السرطان!! وهو بقى أكيد يعرف يتصرف، أكيد يعرف الريس!! وأكيد ح يكلمه في الموضوع الخطير ده!! والريس بقي أكيد يشوف حل للمصيبة دي!!"
بداية النهاية وأثناء ركوب المؤلف مع تاكسي كانت مظاهرة لحركة كفاية في أحد شوارع القاهرة، وطلب منه سائق التاكسي 10 جنيهات ثمن مشواره بسبب المظاهرات فكان السير مستحيلاً، فقد تلاصقت وتكدست السيارات في الشارع ولا تتحرك قيد أنملة. فدار الحوار بين المؤلف وسائق التاكسي حول المظاهرة، ومن كلام سائق التاكسي الذي لخص ببساطة ويقين وضعاً سياسياً.. "مظاهرات مش عارف ليه، فيه 200 واحد ماسكين لافتات وحواليهم ييجي 2000 عسكري و200 ضابط وعربيات أمن مركزي قافلة الدنيا، الزحمة مش من المظاهرة وهي دي أصلاً مظاهرة!! إحنا كنا زمان بننزل الشارع ب 50 ألف، 100 ألف، إنما الان مفيش حاجة لها معنى، كام واحد نازلين من بيتهم عشان حاجة ما حدش عارفها!! والحكومة مرعوبة ركبها بتخبط في بعضها!! والمشكلة فينا احنا عارف إيه يا استاذ بداية النهاية؟ 18 و 19 يناير، كانت في السبعينات حوالي سنة 1979 دي كانت آخر مظاهرات بجد في الشارع، قبل الحرب كان فيه مظاهرات ياما، وبعدين السادات طلع قرارات غلا الدنيا، الدنيا انقلبت الناس كانت فاهمة سياسة ونزلت الشارع وخلت السادات يرجع في كلامه، سمعنا ساعتها انه خاف وهرب على أسوان!! وقالك لو قلبت بجد حهرب على السودان!! أيام عبد الناصر عملنا مظاهرات كسرت الدنيا وفجأة لقيناه وسطينا في ميدان التحرير ولا طلع أسوان ولا حتى بيتهم!! الحكومة عرفت بعدها إنها لازم تتصرف وأن المظاهرات دي أصبحت خطر عليها. 18 و 19 يناير كانت بداية ثورة، ومن ساعتها الحكومة زرعت فينا الرعب من الجوع، رعب خلا كل واحد فينا يقول يالا نفسي. أو يقول أنا مالي وهي جت علي. 18 و 19 يناير كانت بداية النهاية.