مقدمة الطبعة الثانية أنت تفكر اذا انت كافر
قالوا بأن الكتاب صرخة من أجل المثقفين، ولكن حتى صدور الطبعة الثانية منه لم أسمع سوى صرخات التكفيرين تزداد. كل ذو فكر يهاجم، كل صاحب قلم يسجن أو يٌكفر. وما بين الطبعة الأولى والثانية من الكتاب، لا زال المثقفون العرب يحملون أقدارهم برؤوس أقلامهم. قصص كثيرة لا تكفيها مجلدات إذا أردنا حصرها، لنسجل قهر المثقف العربي. في كثير من الأحيان وقفت عاجزة أمام هذا الكم الهائل من أعداد المثقفين الذين سحقوا بسبل متنوعة. فكل قصة لأحدهم تنقلني لقصة كاتب أو مفكر آخر، وكأن هدفنا تفريغ المجتمعات العربية من مثقفيها!
وحتى صدور هذه الطبعة لم يصدر قانونا يجرم التكفير في أي دولة عربية، إلا المطالبة التي دعا اليها الرئيس التونسي منصف المرزوقي في فبراير 2012، أعضاء المجلس الوطني التأسيسي إلى سن قانون جديد يتم بموجبه تجريم التكفير في تونس. فقد اعتبر المرزوقي تكفير الآخرين أسلوبا خطيرا في التعبير عن الإختلافات الفكرية. وأتت دعوته هذه بسبب تكفيره هو شخصيا من قبل عدد من السلفيين المتشددين!
بالرغم من الصعوبات التي واجهتني عند صدور الطبعة الأولى من الكتاب عام 2009 إلا أنني ما زلت مصرة على المضي في تسليط الضوء على مشاكل المثقف العربي، حتى نساعد في تقديم الحلول..لنفتح له نافذة يطل بها على مجتمعاتنا..على أولادنا..على المستقبل..مستقبل نحلم بأن يكون أفضل مما سبق.. مستقبل متسامح يحترم ويناقش الرأي الآخر.. مستقبل بمثقف لا تفرقه عنا دروب الحياة..ولا يرحل عنا ولا تزال أحلامه حبيسة الظلاميين!
ألقيت حجرا.. عند صدور الطبعة الأولى كان التفاؤل يتملكني، اعتقدت بأنني سأستطيع بالتعاون مع الجهات المعنية بشؤون المثقف ومع المثقفين أنفسهم أن نضع حدا لمشاكلهم، فيتم منع الرقيب وتجريم التكفير، والإهتمام به إجتماعيا وصحيا، والترويج لكتاباته وغيرها من الأمور.
ولكن للأسف، هذا الحجر الذي ألقيته لم يجد أي صدى لدى المثقفين أنفسهم، حتى الذين تعرضوا لمشاكل التكفير والرقيب. فكل مثقف مشغول بنفسه وبإنتاجه، لا يوجد لديه إهتمام بالعمل الجماعي من أجل حل مشاكلهم.
طرقت جميع الأبواب، حرصت على أن تصل نسخة من الكتاب الى معظم الذين تم ذكرهم في الكتاب، لم أسمع ردا أو مقترحا، أو حتى نقدا، إلا من الراحل د. نصر حامد أبو زيد، كان لا يزال في منفاه في هولندا، رد مشكورا بأن الجهد المبذول مقدرا، ولكن يجب التوسع أكثر في البحث.
توجهت الى الجهات المعنية بالمثقف وشؤون الثقافة، ولا أدري حتى اللحظة إن كانت هذه النسخ ضلت طريقها، أو وصلت وترقد على أحد أرفف مكاتبهم. بداية من رؤساء تحرير الصحف في مصر، الأردن، لبنان، السعودية. وإتحاد الكتاب العرب في مصر، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الإسكوا" في تونس، والى مؤسسة الفكر العربي في بيروت، والى جامعة الدول العربية في مصر، والى مجلس التعاون الخليجي –الإستراتيجية الثقافية-.
حاولت التواصل آنذاك مع المؤتمر العالمي لظاهرة التكفير- جامعة الإمام محمد بن سعود- في سبتمبر 2010 لبحث الأسباب والآثار والعلاج، ولم أتلقى ردا.
كما حاولت المشاركة بملتقى المبدعات العربيات في سوسة عام 2010، من خلال الكتاب، ولكن للأسف تم رفض مشاركتي، لأنه لا يوجد لدي إلا مؤلف واحد! قد يكون الإبداع في عالمنا العربي يعني الكم وليس النوع.. والله أعلم! وتواصلت مع مركز الإعلاميات العربيات في الأردن، وللأسف لم يأخذ بعين الإعتبار، وحتى اللحظة لا أعلم السبب!
استطعت بحمد الله مقابلة وزير الثقافة الأردني آنذاك "نبيه شقم" لمساعدتي بايصال نسخ من الكتاب الى أيدي وزراء الثقافة العرب، فقد كان مقررا إجتماعهم في مؤتمر وزراء الثقافة العرب أكتوبر 2010، والذي كان الهدف منه إيجاد حلول لعدد من المشكلات المتعلقة بالثقافة العربية، منها حرية إنتقال الكتاب العربي. أجزم بأن معاليه وفى بوعده، ولكن ماذا فعلوا بالنسخ.. الله وحده العالم!
توقيع يتيم! تم رفض جميع مطالباتي لإقامة حفل توقيع في أي من مكتبات القاهرة، خوفا من عنوان الكتاب فقط، ولم يتم الإطلاع على محتواه. نجحت في إقامة حفل توقيع في مكتبة "الكتب خان" في حي المعادي. وتعرض الكتاب كما تعرضت شخصيا للهجوم. اتهموني بأنني أقدم صورة سوداء عن المجتمعات العربية! وأني أغرقت في جلد الذات العربية! وأحاول أن ألعب على عقول الناس البسطاء (بالرغم من أن الحضور من المثقفين!!)، وأني أهاجم الدين الإسلامي إبتغاء للشهرة (علما أنه لم يورد في الكتاب أي مهاجمة للدين الإسلامي). وذهب البعض الى أقصى الخيال العلمي، حين اتهموني بأنني مدفوعة من جهة غربية لتشويه صورة المجتمعات العربية! وآخر إتهام شرفت به بأن هناك من يقف خلفي ويدعمني لإصدار مثل هذا الكتاب، فلا يمكن أن أتحلى بهذه الجرأة لطرح موضوع (التكفير) لوحدي!
لم أشوه صورة المجتمعات العربية بل قدمت الصورة كما هي، وتركت الخيار للقارئ يراها كيفما يشاء. ولم أدافع عن فكر أي ممن تم ذكرهم في الكتاب، فقط دعوت الى مناقشة أفكارهم بالفكر لا بالتكفير، أو التهميش أو النفي أو السجن.
قطرات من الأمل!
يقال حيثما توجد الحياة يوجد الأمل، قطرة أولى أطلت بأقلام بعض الكتاب الذين كتبوا عنه. وقطرة أخرى عندما وجد الكتاب ترحيبا من الباحثين وأساتذة الجامعات والمدارس في بعض الدول العربية، بالتحديد بما يخص مساقات تدريس اللغة العربية والأدب، ومساقات نظرية المعرفة، فاهتم المدرسون بتوفير الكتاب في مكتبات بعض المدارس في الأردن، وفي مكتبات الجامعات مثل، مكتبة الجامعة الأمريكية في بيروت، ومكتبة الجامعة الأردنية. وقطرة ثالثة من رسالة وصلتني من د. إسماعيل شعبان من جامعة حلب، كلية الإقتصاد في سبتمبر 2010:
"بلهفة ورغبة واحترام وتقدير كبير، قرأت كتابك المتميز "أنت تفكر...إذا أنت كافر"، الذي يباع في سورية ب(210ل.س)، هذا مع العلم إني طلبت من طلابي في الدراسات العليا قراءة الكتاب ومناقشته في المحاضرة، لأهميته في إطلاق حرية التفكير لديهم وإخراجهم من "تسونامي" الرجعية العربية المتفاقمة. والحقيقة إن الجهود الكبيرة المبذولة فيه تساوي أضعاف أضعاف المبلغ المذكور، ولكني أعرف أن المفكرين والفلاسفة المنطقيين، والمصلحين الإجتماعيين، كالمصابيح في الظلام لايسألون أجرا ممن استضاء بنورهم. وقد أصبتِ كبد الحقيقة بتعرضك لما تعرضت له من نقد الفكر العربي القائم، الذي يقود للوراء بدلا من إلى الأمام. فقط تمنيت لو أدرجت أيضا في كتابك بعض كتابات المفكر العربي السوري الدكتور صادق جلال العظم وكتابه "نقد الفكر الديني"، أو الكاتب السوري أبوعلي ياسين "الثالوث المحرم :الدين والجنس والصراع الطبقي". على كل جهودك المبذولة في الكتاب مشكورة، ونرجو الإستمرار والمزيد من هذا الفكر المستنير والمنير، في عصر إنحطاط عربي فكري وسياسي وثقافي وتكفيري وإنتحاري غير طبيعي. أشد على يديك، وأرجو منك الإستمرار في حمل المصباح الفكري المضيئ، للفكر العربي المغلوق على ثقافة فوبيا الستاتيك المتحجر، المذعور من عذابات القبر ومن الثعبان الأقرع وناكر ونكير ...الخ".
أما القطرة التي ملئت السماء أملا كبيرا، هي بادرة الشاعر "البرت جبارة" المقيم في كندا، الذي لم يكن بيني وبينه سابق معرفة، كان متابعا لموضوعات الكتاب ومشاكل المثقف العربي فقرر تأسيس "إتحادا" يضم كل الكتاب العرب في مختلف أنحاء العالم. بدأ بمراسلتي لمناقشة فكرة الإتحاد. وأعترف بأنني في كثير من الأحيان كنت أشك بوجود مثل هذا الإنسان النبيل، الذي تأثر بكم المشاكل والصعوبات المطروحة في الكتاب..كنت اعتقد بانه يوما ما ستتوقف هذه الرسائل ولن يتم المشروع. الا انه استمر وأسس إتحاد كتاب العرب http://arabandmuslimwritersunion.com/ وهو مؤسسة لا تستهدف الربح، تقوم بتمثيل الكتّاب العرب والمسلمين، ودعهمم والترويج لكتاباتهم. ونأمل أن يضم الإتحاد ما يقارب 1,4 مليون عضو في نهاية العام 2015، على الرغم من أن الإتحاد ما يزال في مرحلة البناء. يجب على العضو أن يكون قد نشر كتابـًا واحدًا على الأقل، من خلال دار نشر تجارية، أو مطبعة جامعية، أو ما يعادلها في وسائل نشر أخرى. كما يحق لطلاب الإعلام في السنة الأخيرة من دراستهم والذين نشروا أطروحة أو مقال عن أي موضوع الإنضمام للإتحاد أيضـًا.
تشمل الفوائد التي سيحصل عليها الأعضاء فرصة الإتصال مع زملائهم، الحصول على المساعدة المتوفرة على صفحات الإنترنت الخاصة بالأعضاء، المشاركة في جلسات القراءات الأدبية، المشاركة في أعمال تم التعاقد عليها، الحصول على المنح المدفوعة للكتّاب المقيمين، النصح والمشورة في مجال العقود، المساعدات لتقديم شكوى أو تظلم، ومخصصات تقاعد يتم دفعها للكتّاب الذين يحتاجون لمساعدة مالية لتأمين متطلبات المعيشة الأساسية. وسوف يقوم الإتحاد، في الوقت المناسب، بتأسيس فروع فى 52 دولة عربية وإسلامية؛ كما سيتم فتح مكاتب في أوروبا وأمريكا الشمالية.
مدرستي طوال سنوات رصدي لواقع المثقف العربي، منذ بدايات عام 2005 حتى يومنا هذا، كانت مدرستي "الكلية العلمية الإسلامية" في مخيلتي.
بداية من إسمها الذي تقدم به العلم على الدين. مدرسة علمتني أصول الدين الإسلامي المتسامح، مدرسة إهتمت بمواهبي في القراءة والكتابة والفن. تعلمت رقص "الباليه" في هذه المدرسة العلمية الإسلامية، دعمتني للمشاركة في المسابقات الثقافية لإعلاء قلمي وفكري، عينتني رئيسة فريق كرة السلة. كرمتني في آخر سنة دراسية لمشاركتي في الأنشطة الثقافية والفنية على مدار 12 عاما، بقلم لا أزال أحتفظ به حتى الآن. أهدتني قلما لأكمل مشواري..ولم تقدم لي سيفا لأحارب غيري! لم نسمع يوما في مدرستي عن تكفير أخوتنا المسيحين. لم نكن نعلم الفرق بين السني والشيعي. كانت قضيتنا الأساسية هي القضية الفلسطينية. هذا ما زرعوه في أرواحنا وعقولنا. كنا ننشد في طابور الصباح "بلاد العرب أوطاني"، لم نكن نفرق بين الأردن و فلسطين، سوريا ولبنان، العراق والسعودية وغيرها من الدول أو الجنسيات!
لم يقف لنا أحد والعصا بيده، للذهاب الى مصلى المدرسة وقت الآذان. لم يرجمنا أحد لأننا لا نغطي رأسنا بالحجاب!
صوري لا تزال معلقة على جدران المدرسة، وأنا ارقص الباليه أو الفلكلور الأردني، أو الدبكة اللبنانية، أو الرقص الشركسي على مسارح المدرسة، لم يحرقوها ولم يقم أحد بتدميرها!
لم يتهمنا آنذاك أحد بالكفر أو الإلحاد لأننا شاركنا في تمثيليات عن حياة الرسول عليه الصلاة والسلام أو الصحابة.. لم يقل لنا أحد بانه حرام!
لم نسمع كلمة حرام في أروقة مدرستي..
كنا نرى التسامح يشع من بوابتها.. التي خرجنا منها الى العالم.. وأثبتنا أنفسنا كرموز نسائية فعالة منتجة قوية مؤمنة.. والأهم متسامحة مع الآخر!