قراءة الرواية باتت اليوم أساسية للسردية المعاصرة ومهمة لها ، حيث تتبدى وتتعدد الرؤية ووجهات النظر في كل هذه العوالم المدهشة التي لا تحدها حدود. فالقارئ لم يعد مكتفيا بحالة التلقي الأحادية التي يمكن ادراجها في خانة السلبية " كمفهوم" كما أنها ليست حالة انعكاسية بقدر ماهي تفاعلية بما يمتلكه من مخيلة وتراكم خبراتي ومعرفي وعبر فضاءات الرواية ذاتها بما تمتلكه من خصائص وتقنيات .
وبالتالي تندرج قراءتي لرواية " باب الحيرة" للأديب الأردني يحي القيسي الصادرة عن المؤسسة العربية للنشر،والتي جاءت في مئة صفحة، وصمم غلافها وخطوطها الشاعر زهير أبو شايب ، تأتي في إطار التلقي وخارج المنظومة النقدية الصارمة التي تتناول النصوص الابداعية بمفاهيم ونظريات أحترمها ،ولكنها ليست أدواتي ولامنظومتي. ذلك لأنني لست بناقدة ، انما قارئة عادية تفترض في ذاتيها عدم سلبية التلقي. وبذلك أروح كي اجوس تفاعلي بالنص ورؤيتي الخاصة لرواية أشعرتني بقدرتها على احتملية تعددية قراءاتها ،بوصفها حالة سردية شديدة التكثيف إلى حد يمكن وصفها بالرواية القصيرة ،ذات التقنية المتعددة بلغة خاصة ، تحمل ما تحمله من موروث وتراث ورؤية حداثية .
تاتي السردية بشكل رئيسي على شاكلة بوح تفصيلي باذخ على لسان قيس حوران، وبوح آخر يحمل أهمية قصوى وبمساحة متفاوتة بصوت هاديا الزاهري "آخر الاندلسيات" وسعيدة القابسي ، وجميعهم منشغلون بهواجسهم اليومية وثقل الزمان وهموم المكان ..
يوالي القيسي سرد يوميات قيس دون تحديد زماني رغم سطوته على الرواية ، تحت وطأة ثقله النفسي عبراستعادة أحداث تاريخية موجعة في مونولوج رشيق سريع الايقاع والتنقل من حادثة لأخرى، وفي أمكنة السردية / الحاضر ، نستشعر ذات الدلالات الزمانية كدار الكتب والبيت والشوارع والأزقة الشعبية .. لكأن عين قيس - طالب الدراسات العليا في تونس- تتوسل الشمولية والإغرابية ، تحاول تفكيك الحاضر مكانيا ما بين الاردن وتونس ،باستحضار الماضي إلى أشياء منعزلة وأليفة في آن واحد عبر أحداث متجاورة ومتتالية ومتقاطعة.
تلهث الرواية بتوتر عال منذ أن بدأ قيس/أو القيسي مستغفرا لما سيظهر للعوام في مونولوج داخلي يمتد توتره بإيقاع مؤثر داخل الرواية وأحداثها ، بدء من السير في شارع الحبيب بورقيبة باتجاه المدينة العتيقة متجاوزا الكتل البشرية وضوضاء الحياة بدهاليزها عبر التراث والتاريخ بدلالة النص : كم من المرات كنت ادخل زنقة تفضي الى سوق جديد ..اكتشفه لأول مرة ..
وهذا ما يتوالى في السردية حيث الأبواب المفضية بعضها الى بعض في عذابات النفس المحبوسة في مساحات الجسد وأسئلته الراهنة المتناسلة ألما ووحشة ، متوسلا الأسرار والخبرات من أقبية التراث ومن الأوراق الصفراء في تداخل الحقيقي واللاحقيقي بهدفية : تحقق المعرفة عبر الميتافزيقي وخارج الزمكان بغية ايجاد جواب للحالة الراهنية لتحقق الآمان ..
..
تبدأ الرواية بعبارة الحلاج الذي يُعدّ قطبا من أقطاب الصوفيّة وثائرا اجتماعيا من طراز غيرعادي ، بقوله : منْ لمْ يقف على إشاراتنا لمْ تُرشدْهُ عباراتُنا ..!!
إلاّ أن الحلاج في حقيقة الأمر تعدى عبارته تلك إلى أن يكون بوّاحا أكثر مما ينبغي، بعكس ما تروح اليه السرديّة التي تبوح ولا تبوح ..! وإن كنا نكشف درجة القلق الوجودي لدى " قيس الحوراني" الشخصية المحورية الرئيسية للرواية الموجوع بإرث لم يمنحه اجابات شافية ، يُعبّر بالاستفهام حينا والاستنكار حينا آخر بالإشارة أو مباشرة في لحظة أخرى ، لهذا الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتردي والثقافي الملتبس ، نلحظ ذلك على سبيل المثال في سخريته اللاذعة من الدراما التلفزيونية الهزيلة في معالجة الواقع البدوي الذي ، بذات الاستنكار للواقع السياسي والوهم العسكري في أحلك الأوقات والهزائم العربية من خلال تداخل ذاكرة قيس الطفل والشاب بطريقة مدهشة لمواقف اقرب للفجيعة كتوزيع علب البسكويت والسردين على الأطفال اثر هزيمة حرب 67 ، وتتجلى الهزيمة في أغنيات الجيش الحماسية وهاجس تلميع البساطير والهزيمة تنخر النخاع على الجبهات الثلاث ، وغيرها من المفارقات في المناطق المعتمة العميقة بالذات والمجتمع ، بتداخلات مكثفة وبتقنية فنية اعتمد المؤلف فيها على الإيقاع السريع والقطعات المفاجئة دون بتر، موظفا خبراته من تقنيات الكتابة الصحفية والقصصية القصيرة بالإضافة لبراعته في الكتابة التلفزيونية ذات الخصوصية تقنيا في مسائل الانتقال من مشاهد لأخرى بذات الايقاع ولكن دون بتر .
.
وسط هذه الاغترابات الشديدة تجيء المخطوطة الغريبة أمام قيس لتبدو مصادفة رغم اصابع هاديا الخفية ،فيعود قيس أدراجه للماضي السحيق ممسكا بتراث التراث على امل ايجاد اجابة شافية لنفسه الحائرة ، لكن الماضي البعيد / المخطوطة ، كطفولته المتورطة بذاكرة حزيران ستُحدث فيه المزيد من التصدعات : حقا ... لست ادري ان كان حدث معي ذلك وكنت هناك في يوم من الايام وجرى لي ما جرى ..! ام انني نائم الان اغط في حلم لم استيقظ منه .. لست ادري ...!؟
ولكن أي غفران يرتجى بعد كل ما رايت وعرفت وضللت ونسيت ..!!
رحلة قيس التي توسلت مقاصد التاريخ والتراث بواسطة التخييل والحكي ، وبواسطة السفر من المرئي إلى اللامرئي. والذي تم انطلاقا من الغياب العميق ووصولا إليه ، من تساؤلات البداية لما هو مفقود في الواقع إلى مناطق متوهّمة ومن قبيل التخيّلي ، يأخذنا الى البقاء في دائرة الحيرة ، وصولا إلى الصفحة الأخيرة حيث يقوم المؤلف بالتماهي بينه وبين قيس حينا وفاصلا في حين آخر، الى حد ترك البوابة مشرعة في مصائر شخصيات الرواية ، راجيا وباشارة ذكية : على من يعرف عنها شيئا ان يكتب اليه .. !
..
استوقفني الحضور الأنثوي في الرواية ، مع ارتباك قيس وانشغاله باسئلة جوهرية في كل معارف صديقته هاديا وبقدرتها الفائقة على فك الطلاسم وهي في حياة الوهم/أي الدنيا المؤقتة ،التي تشاركه التجوال في الأسواق وقراءة الكتب والنقاشات والطعام والشراب ، معلنا حيرته بقوله : كانك نساء عديدات مجموعات في واحدة وقادمات من بلاد شتى ...
الحكيمة التي تقوده عبور التجربة طالبة إياه عدم الاستعجال : فمن عرف نفسه عرف ربه..
هي نصيحتها له وقد بات في الاحتراق كبخوره مدفوعا بفضول ما خلف الأسماء التي تعلمها منذ بدء الخليقة ، وهي آخر الاندلسيات - كما يسميها- التي لم تعد بين النساء وقد بتن متشابهات وتخلقن بالمنطق الذكوري..
هي ذاتها الموؤدة العارفة المختبئة بالتاريخ، الأنثى المفتاح لمعرفة الذات ، وان دخلت - أي الانثى - ثنايا حكايانا العربية عبر وجودها الشهرزادي الشكلاني بالمنظور الذكوري ، الذي حتى اليوم لم تأخذ حقها من الدراسات النقدية والتحليلية لاماطة اللثام عن مكنوناتها وقدراتها الهائلة بما يليق الأنثى الهيرودوتية العربية الحكائة ، التي أخرجت شهريار من وعن منطقة انغلاقه /دمويته ، وحملته عبر مغازي حكاياها ليلج بوابات عتمته صوب انسانيته كحاكم عادل وعاشق ومملوء بالمحبة..
وعودة لقيس الذي يدخل الأنثى الحكّاءة العارفة من بوابة شجرة الحياة متكشفة بصور متعددةفي الرواية والرؤيا ، بقوله :
فاطمأن قلبي لصوتها ، وقلت لها : كأنني اعرفك من قبل انت هاديا او سعيدة او... أـنك فاطمة امي؟؟
هذه العبارة تكثف الكل في حيرة السؤال : اينه منها واينها منه .. أهي الانثى ما يراه هو في عالم التوهم / الدنيا ، ولكنها وعبر عبوره البوابات كلها تصير جزء اساسيا من المعرفة وذاته ، وفي كل غصن وثمرة في شجرة الحكمة وبالتالي هي بكليتها : أهي خلاصه ..!؟
...
نلحظ نصا محفوفا بالمفاجآت والمخاطر، حيث السؤال الأولي في الانسان ووجوده وكينونته في إطار المعنى التراثي الصوفي وخبرات الروحانية -رغم تحفظي عن بعض ما ورد من مقتطفات من المخطوطة لأنها أقرب للحكاية التراثية وليس البوح الصوفي- محاولا المؤلف تشذيبها بلغة حداثية حينا ، وفي حينٍ أخر تختبئ في ذات اللغة التراثية يستقي أبعادها ومعانيها المفتوحة ليلج باب الحيرة المفضي لبوابة حيرة أخرى في شهوة الحياة التي تكمن كليتها في أصغر خليتها كالشجرة في سر البذرة.
..
يقول القيسي عن روايته : اجتهدت أن أقدم من خلالها رؤيتي (المشوشة) للكون، فالطمأنينية مسألة نسبية..
لذلك بقي التشويش حتى النهاية دون ان يترك بوابة الطمانينة واكتمال المستوى الروحاني لدى قيس ، ربما نجد التماهي بين قيس والقيسي في قول المؤلف : أنا أعيش الحياة كما ينبغي لها ، ولست زاهدا مثل بعض المتصوفين ،لكني أنتمي إليهم من ناحية نظرتهم إلى الكون والحياة ، وأعمل جادا على تطوير تجربتي الروحانية يوما بعد يوم ، وأنا ما زلت في الطريق ، ولكن " باب الحيرة " هي نتاج لروحي وتقلباتها ، احتفيت فيها بالمعرفة وباللغة ودلالاتها الشفيفة .أكثر من الاحتفاء بالحدث ، والشخصيات وحركتها الخارجية .
هذا يدفعني صوب البعد الروحاني في الرواية حيث المخطوطة وتداعيات أسرارها على قيس الحوراني .. حيث نلاحظ انه مثلا في ص: 94 تصير الرحلة عبر الابواب التسعة والتسعين التي فتحت كلها تعبيرا عن إصغاء الكائن فيه لنداءات الأقاصي ، ولكن وامام الباب الأخير المائة -وفي ذلك بعض من الاسرار وعلاقة بأسماء الحق في اشارات الصوفية واسرار العقل - و لعدم جاهزيته واستعداده اليقيني وافتقاده الخبرة الروحية العميقة ، تختلط عليه الرؤيا و النداءات الخفيّة وسط تشوش ذاكرته المختزنة والمختزلة كل الأحداث التي رواها في بداية السردية ، متموضعة في الحيرة فيعلنها :
انا ظاميء رغم كل ما شربت
جائع رغم ما اكلت
عريان رغم ما لبست
تائه رغم كل ما وجدت
اريدك انتِ انت وليس ظلالك
فاينك .. وايني .. واين الاين .. وماذا بعد كل ما رأيت ..
م..ا..ذ..ا...
ب..ع..د..؟؟
فيهتف به الصوت:
امر كان محبتي لك
وامر يكون تراني
وامر لايكون لا تعرفني معرفة ابدا ..
اذن تداخلت السردية بالتراث ، تداخلت الاوراق الخضراء بالصفراء ، الحقيقة بالوهم وانفتح الباب المائة وهنالك خسر كل ما اعتقده انه معرفة ..
هذه البوابات والعددية تدخل في سياقات الأسرارالصوفية ، لكنه وسط زحام موروثات متكلسة لم يفهم سر الخلاء والعماء وتاه في الطريق وقد كان في لحظة شديدة الوضوح وهي ذاتها سرالولوج والمرتبطة بهاديا / رمزالخلاص ..
ص: 96 يسرد قيس رؤيته :
الحقيقية دقيقة : قالت : ما صحت المعرفة لمحدود قطّ ، ولا لمعدود ولا لمجهود ولا لمكدود.
قلت واين اجدها ان طلبتها ؟
حينئذ ابتسمت واشارت الى الفضاء ، فرايت كأن حروفا نورانية قد اتت مثل الحمائم ، فتشكلت امام ناظري فقرأت منها قبل ان تنوس وتزول :
ما اشدّ الضر بالاشارات ..!
ولكنّ المعرفة وراء الوراء ..
وراء الاسرار ..
وراء الاخبار ...
وراء الادراك ..
..
يتتبع السؤال بكل الحيرة والقلق وقد اختفى المخطوط بوهج ألمه ، متحولا الى انسان لا يطاق مهملا الدراسة معتزلا مكتئبا ، فيعود أدراجه لبلده وقد ارتبكت حياته ولم يعد متيقنا من شيء متخليا عن خلاصه الخارجي /هاديا رغم الوعود أن يبقيا سويا في أي مكان ، ولكنهما لم يعودا كذلك ..
لأنه بات وسط تساؤل: كيف يعول المرء على ذاكرة مهترئة لروح هائمة ...
ولكن أي غفران يُرتجى بعد كل ما رايت وعرفت وضللت ونسيت ..!!
عاد ولم يعد ، غادر ولم يغادر، ترك هاديا في مكان واخذها بداخله القلق إلى مكان آخر، بعد في حيرة السؤال أهو نائم الان يغط في حلم لم يستيقظ منه ... !!؟؟
من الارث الثقيل المبهم ومن قراءة الواقع المر الممتلئ بالأحداث والمفارقات المؤلمة من النكسات والهزائم يكمن صراع الشخصية في واقعها بالدرجة الأولى . فالعرفانيون ليسوا فقط زهادا ودراويش هم أيضا المعلمون والحكماء والمرشدون والذين يخضون الماء المقدس ويقدمون أنفسهم للخلاص..
...
الرواية تبدو هلوسة، لكنها سؤال اليوم الملتبس بالأمس والتائه الغد ، الحيرة الذائبة بروحانية وخلاص غير متحقق، ولا واقع وجودي مقبول ، ومنحى متكسر على أبواب المستقبل يبدو كم هو مخيف ...
ولكن ماذا بعد..؟؟ص:94 ذاك السؤال الذي يبقى في فضاءنا .. لكن أي غفران يرتجى لي بعد كل ما رايت وعرفت وضللت ونسيت ..
لقد ظلت المصائر في نهاية الرواية معلقة باشارة واضحة في تداخل المتخيلي بالحقيقي.. الرحلة لم تكن مجرد اشراقة مربكة و الوصول الى حد التخوم ، بل كانت فعلا هاجس البحث لتوسيع دائرة المعنى التي ظلت للأسف ملتبسة / كواقعنا ، وفي ذلك تعبير عن الرغبة غير المتحققة للإفلات من الشروط الاجتماعية التي لم يختارها قيس لكنه اعتقد بقدرته على الإقامة في السفر والترحال بحثا عن المغاير والفريد والعجيب واجابات لسؤال وجوده ..
وان تمنيت لو لم يضع لنا في الصفحة الأخيرة تعريفا بالشخصيات موحيا بحقيقتها .. فالسردية ليست بحاجة للاثبات فيكفي القارئ ان تتحقق ذاته في سياقها أو أن يكشف فضاءاته الخاصة به عبر طيّاتها ..
..
لا نحتاج الى استراتيجيات تحليلية شائكة لكي ندرك ثقل المحرمات الموروثة ، فقد كان قيس - نحن- ، يقاوم ويهاجم تراثه الشفاهي وتراثه المكتوب وتراثه الحداثي ، من خلال انفتاح الحيرة وكل هذا الترنح الذي يزداد وطاته في الصفحات الاخيرة من الرواية والتي تربكه اكثر مما تقدم خلاصة .
بل يؤكد ذلك في معرض تعريفه بحال الشخصية في نهاية الكتاب : وقد عاد إلى الأردن وادخل مستشفى الأمراض النفسية وشفي وتزوج بشكل تقليدي ، ويعمل معلما للتاريخ في احدى المدارس قرى معان جنوب الأردن متقلب الأطوار ويحب العزلة والتأمل ولا يرغب بالحديث عن ماضيه لأحد ..
..
ان محاولات انفتاح النص الروائي العربي – رغم تأخر هذا الانفتاح زمنيا- على عالم المتصوفة الغامض والمغرق في الرمزية عبر لغته الإشارية العالية من شأنه أن ينير السبيل أمام الممارسات الأدبية للوصول إلى تخوم جديدة ، قد يُمَّكن من اكتشاف أجناس أخرى ذات مواصفات فنية وسردية جديدة. فالراوي هنا انفتح على الصوفية الذاتية أو الخاصة المشغول بالمحنة الوجودية لصاحبها، وهي غالبا ما تتجلى ضمن الحركة السردية في مظاهر العزلة والتفرد والشعور بالغربة والنأي باطنيا واليقين الذاتي بحقيقة الحياة المرة، وهي بذلك تكون أقرب للنظرة التي تصب في الأدب التشاؤمي الذي شاع في منتصف القرن الماضي عالميا وعربيا اثر هزيمة حزيران ، وما استحضارالشاعرالأردني الراحل تيسير السبول في إطار التجربة التراثية الصوفية ، يؤكد السؤال الوجودي فيما هو وهم الانسان الحالي في الاعتقاد بعبثية ما يحدث من خلال عبثية فعل ما يقوم به وهنا يحدث تداخل المستويين الوجودي والصوفي الى حد الارباك فينتقي الراوي على لسان الراحل الشاعر الاردني الكبير الذي اختار باب الرحيل بنفسه اثر هزيمة حزيران :
انا يا صديقي
اسير مع الوهم
ادري
ايمم نحو تخوم النهاية
نبيا غريب الملامح
امضي ..
..
والسؤال الذي يطرح نفسه بعد قراءة الرواية اي جدل معرفي ياخذنا اليه ، واي مناطق يشتبك بها ويسعى الارتقاء اليها ..ماالذي يسعى اليه هذا السرد المفعم بالتراث والطقوس والدلالات والاشارات ومستويات التجهم والى أين يسعى للذهاب بنا ..!؟
لماذا انعزل قيس بهذا الشكل القلق وبقي مصيره متذبذبا بين مستويين وجودي وصوفي ..!؟؟
باعتقادي ان اتجاه الفيض النازل الذي يقوم بفعل الإيجاد أو الخلق، يقابله الاتجاه الصاعد، وهو اتجاه المشاهدة أو المعرفة ، وهنا في تجربة قيس حوراني لم يحدث توازن لأنه بعد لم يتخلص من شوائبه الصاعدة بحكم تأثير تراكمات المجتمع التي تتبعناها عبر السردية وبتثكيف عال. الامر يحتاج الى مزيد من : الصفاء .
ربما لذلك كانت النهاية من ضمن سياق المستويين – وجودي/ تيسير لسبول ، و صوفي/الحلاج – والانتقال الى مستوى العزلة/ أي التوحد والمقترنة بواجب مهام التعليم .. وتلك ليست بعزلة بقدر ما تحمل فيها من معاني التأمل لتحقيق فهم وجودي لما هو مؤلم ، وتكمن فيها بذرة سردية جديدة ستذهب الى مناطق بكر ربما لم تنتبه إليها الرواية بعد ، وهي امتداد للروحانيات التي بدأنا نلحظ تطورها في الكتابة والرواية العربية..
قراءة في رواية : باب الحيرة للأديب يحي القيسي
By: Parehan Komok - on: Tuesday 21 November 2017 - Genre: Book Reviews
Upcoming Events
Online discussion of The Vegetarian by Han Kang Nobel Prize winner 2024
November 08, 2024
This discussion of Han Kang’s The Vegetarian...
Art Auction: Support Palestinian Families in Gaza
October 18 - 20, 2024
Join us on October 18th for Art for Aid, an online...
Book discussion:Chimamanda Ngozi Adichie 's Half of a Yellow Sun
September 28, 2024
Chimamanda Ngozi Adichie 's Half of a Yellow S...
Edward Said – Culture and Imperialism
July 27, 2024
Discussion of Edward Said's Culture and Imperi...