مر عامان ولا زالت تحتفظ برسالته في ليلة الحادثة المشؤومة: (يعني يا جزمة، يا واطية، لو ما سأ لتش، إنتِ ما تسأ ليش – ماشي لما أشوفك ياكلبة). كان ابن خالتها – حاصل على ليسانس حقوق جامعة محافظة بني سويف (شمال الصعيد)، تربيا معًا، وأحبا بعضهما منذ الصغر وتألفت المقولة، مع الأفئدة في صدفة عجيبة، أن يحبا بعضهما في تلاقٍ مع رغبة الخالتين، داخل الانصهار والذوبان العائلي بالقرابة والنسب والحب تلقائياً. الذي اقترب أوانه بمجرد أن تنهي العروس المرحلة الجامعية ويجتمع الشمل العائلي، والحب الكبير، الذي تغلغل في قلوبهما برغبة جامحة، واختيار حر، دون أي تعنت أسري، فهما عاشقان داخل السرب أو خارجه. ظهرت إشاعة قوية النفاد، سحرت الآذان بالطرق والزن على عقول الشباب، أنه يوجد أثارفرعونية في قرية تتبع مركز أهناسيا المدينة (التي تتبع محافظة بني سويف)، تولى مع الشباب الحفر، يتقدمهم في الهمة، والحماس التي ربما تجلب له الكنوز التي سيلقيها عند قدمي حبيبته قربان المحبة وتتويجًا للعشق الذي سكنه منذ صباه وشبابه، وكاد الحلم الكبير أن يتحقق، وكلما أزاح التراب ورفع فأس الحفر بحثًا عن الكنز المفقود اقترب موعد الفراق، حتى واصل الحفر لعمق خمسة أمتار رغم تحذير الجميع: اصعد اصعد، لكن فارس الأحلام، لا يشاهد إلا لحظة الفوز القريبة في دائرة السراب التي نسجتها أحلام اليقظة الزائفة المضللة، حتى دُفن حياً وهو يتلقف التراب ينهمر عليه ويكتم أنفاسه أمام أي محاولة للصراخ من أجل المساعدة والنجدة من الموت. لم تزل الصدمة، ولم يتغير شيء من هذا الوشاح الأسود الذي يغمرها في جسدها وقلبها وروحها كاملًا. حتى أجبرتها العائلة على قبول العريس الأخير، المناسب اجتماعيًا، وأسريًا. تمتمت تخرف، ودموع غزيرة تنداح على وجنتيها بصمت شرنقة الذهول، التي سلبتها من أي بهجة حقيقية لأي بداية جديدة مهما كانت لامعة ومغرية قائلة بحسرة ووجع مرير وهي تهم بحذف كل رسائله، من التليفون الذي لم يعد موجودًا في الخدمة:
_ عندك حق حبيب عمري، أنا جزمة وواطية، ولن أسأل إلى الأبد – الوداع يا فارس أحلامي.