تعود سيرين مبكرا في أول يوم عمل بعد عطلتها السنوية. بحلتها الأنيقة تتقدم مسرعة في رواق المنزل. تبحث في المكان إلى أن تجد ضالتها في الحديقة الخلفية. تصرخ:
"كيف تجرأت على فعل هذا بي؟"
تستمر السيدة المسنة في سقي النباتات. هيئتها مستقرة بين ورودها المتفتحة وخضرة حديقتها المكتملة. تجيب دون أن تلتفت لها:
"تذكَّري أنك تكلمين أمك."
تتقدم سيرين لمواجهتها: "متى ستدركين أني لست امتدادا لك؟"
تصمت الأم لوهلة، ثم تضيف بثقة:
"أتفتعلين مشكلة لإفساد حفلة المساء؟"
تشعر سيرين بالدم يحتقن بوجهها. تنحشر الكلمات في حلقها، فتتراجع للخلف حيث الطاولة الخشبية فتجلس على أحد كراسيها:
"أنت لا تتقيدين بالاتفاق. أتدفعك تجربتك لفعل كل هذا بي؟"
تدنو الأم من نبتة الألوفيرا وتتفحصها. تظهر ابتسامة على وجهها المتعرق. تستكين للحظات، ثم تقتطع ورقة منها وتضعها على الطاولة أمام سيرين:
"استخدميها كماسك ليزيل التعب والشوائب عن وجهك، سيصبح مثل القمر."
ترمقها سيرين بذهول، ثم تستدير قائلة:
"كانت فرصتي أكيدة هذه المرة، لكنك تدخلتِ."
تخلع الأم القفاز الذي بيدها. تضعه على الطاولة ثم تستقر في مقعد بجوار ابنتها قائلة:
"لا تقلقي. حياتك ستعيشينها بشكل جيد... كما خططت تماما."
تصرخ سيرين: "أسلوبك المتوارث لا أحد يتبناه الآن. الكل أصبح يتدبر أموره على هواه."
"الحياة معقدة. واجبنا ألا نترك الأبناء لمواجهتها وحدهم."
تضغط سيرين رأسها بيديها مخفضة إياه. بعد صمت ممتد تقول:
"كنت طفلة حين غرستِ بداخلي حلما كبيرا، لكن ما إن بلغت المراهقة حتى حاصرتِني بإنتقادك وانتهاك خصوصيتي... تخاصمنا كثيرا، و الجميع دائما في صفك..."
"لأني على حق." تقاطعها الأم.
تلتقط سيرين ورقة الألوفيرا. تنتزع منها الشوك رويدا رويدا بينما الأم تحدق بصمت.
تدرك سيرين أن تعلق أمها الشديد بالألوفيرا يرجع لكونها ذكرى من المدرسة التي عملت بها في شبابها. تقول:
"أنا راشدة يحق لي تقرير مصيري، فلا تتخطي حدودي كونك والدتي."
تظهر إبتسامة مترددة على وجه الأم الجاد. ثم تقول محدقة بسيرين:
"أجل... لكن واجبي حمايتِك. أصبحتِ شابة جميلة مثقفة والعين عليكِ من كل صوب."
تنتفض سيرين لتغادر لكنها تتعثر برجل الطاولة. تقع على الأرض كأن الزمن عاد بها لأيام مضت. رحم الله والدها... كان دائم التنبيه عليها بأن تتريث. فهي دائما تغادر بحماس عقب أحاديثهما الجادة... كان يحدثها عن العمل والإصرار وتطوير الذات والطموح للقيادة... لكنها تتحمس فتتعثر.
تنهض سيرين. تقول وهي تنفض التراب عن ملابسها:
"لم أفهم تصرفاتك... أهي غيرة أم كره؟ هذا لا يمكن أن يكون حبا."
تسكت للحظات ثم تضيف: "زواجك أيضا كان مدبرا... تزوجت مكرهة لهذا تجبرينني الآن."
ترد الأم بحدة: "كيف علمت بهذا؟"
تتقدم سيرين في اتجاه المغادرة: "مجالسة نساء العائلة كقراءة الجريدة."
توقفها الوالدة بحدة نبرتها: "بدل شكري لتدبر أمورك... تقلبين في القصص القديمة."
تستدير سيرين لتحدق بأمها. ترد بنبرة لا تقل عنها حدة ملوحة بيديها:
"هل علي أن أقولها لك؟ لن أخضع مثلك وأتخلى عن طموحي."
"ومتى كان للمرأة الخيار؟"
تتجمد ملامح وجه سيرين الغاضب. تقول:
"ورد لي إتصال من العمل خلال عطلتي. لماذا أخفيت عني أمر الترشح؟"
"ليس ذلك بالأمر المهم." تجيبها الأم بإستخفاف.
تقترب سيرين نحوها قائلة:
"استدعاء المسابقة لشغل منصب مدير مدرسة... منذ خمسة وعشرين سنة ألم يكن بمثابة ورقة اليناصيب الرابحة لك... الورقة الرابحة لولا توصية العائلة بحجب المنصب عنك. ألم تكن عبرة لك؟"
ترتبك الأم وترد متحاشية نظرات سيرين:
"نشأت في مجتمع تقليدي غير مثقف."
بعد تردد ترفع سيرين يديها لتمسك بوالدتها من كتفيها، تضيف:
"كان هذا طموحي لسنين... لكنك دمرتِه عن قصد."
تعود الأم لعملها منزعجة. تقول:
"في غرفتك فستان الخطبة. أرسلته الخياطة بعد ضبط القياس. جربيه."
سيل الدموع انهمر. سيرين تستدير نحو شجرة الرمان المهذبة فروعها، محاولة إخفاء وجهها. تقع عينها على رسومات طفولية منحوتة في جذع الشجرة: طفلة ترتقي الدرج، وأخرى لها وقد وصلت للقمة. في الرسمة الأخيرة الفتاة في مكان مرتفع تلوح لمجموعة أفراد. تتحسس الرسمة بأناملها. تستدير لوالدتها بعد أن استجمعت شجاعتها.
"الآن... فقدت سلطتك علي. ستنهين كل مشاريعك حولي."
تمسكها والدتها وتهزها بقوة: "ما دمتِ بمنزلي أنا أتدبر أمورك كلها."
"سأترشح بأقصى الجنوب لشغل المنصب الذي أطمح إليه."
"سيتكفل أخوك الأكبر باتمام الزواج هذا الشهر... فلا تتعبي رأسك الصغير."
تتسمر سيرين مكانها. ثم تغادر في صمت. تعود الأم للاعتناء بحديقتها.