كيف تكتب دون أن تقرأ؟ لا تستغرب فقد حاولتُ مؤخرًا، قراءة روايات عربية، خليجية، محلية، رغبة لكشف الستار عما تخبئهُ هذه الروايات من مفاجآت، وجدتُ من بينهم رواية لم يقرأ كاتبها في حياته رواية قبل أن يكتب، واكتشفتُ آخر لعبت الحكايات الشعبية برأسه فسطَّر رواية هجينة واعتبرها منافسة لرواية المعطف لجوجول عندما راح يلمعها على صفحات الصحف، والأدهى هناك من كتب عنها أنّها رواية العصر!!!
رواية أخرى لم أُكْمل سبع صفحات منها وقرّرتُ العودة إلى القاعدة التي اتبعتها طوال زمن القراءات السعيدة، وهو ألا أقرأ سوى الأعمال العالمية، حتى إشعار أخر، في زمن السقوط المُدوّي بالثقافة العربية، عندما تستسلم الحياة الأدبية لروتين الكتابة، يمتلأ الجوّ بغبار خانق ورؤية ضبابيّة، ولا تلم بعد ذلك العالم الثقافي إن تجاهلك، فمنذ رواية أولاد حارتنا نجيب محفوظ وبعض روايات فلتت من الروتين، لم نشهد روايات عربية بلغت مرفأ نوبل! هناك تحدي بين روائيين بارزين وبين روائيين مدسوسين قسرًا من قبل مؤسسات ثقافية عربية عاشقة للسطحيّة، رأت في تلك الأعمال تيار ملتزم بالتقاليد والقيم والفضيلة يجب دعمه، بمواجهة تيار سحق القيود وأفشى المسكوت عنهُ يستوْجب محاصرتها ومعاقبة كل دار نشر تتجرأ على فتح باب أو نافذة له...
هكذا رفعت الرواية راية الاستسلام وأضحت الساحة مرتع لرواياتٍ لم يقرأ ساردوها رواية حقيقيّة بحياتهم، فجاءت أعمالهم تماثل الحكايات الشعبية التي كانت تسردها الجدات زمان...أما المحافل والتواقيع وتوزيع الكعكات وافتراش معارض الكتب بموائد التواقيع، فهي زينة مفروضة للعرض فقط، حتى يكتمِل العرس الثقافي كما تصفه الجرائد العربية في تغطياتِها للأعراس تلك!!
لست حزينًا بالمطلق على هذا الوضع، بل أطربني أن اكتشف عبر منخل الثقافة، إزاحة ركام الأعمال وهي الغالب على الساحة، مقابل تصفية فلتر حصاد مفجوع بالحشو الذي من شأنه أن تُهدَر في خضمهِ ابداعات خارقة، لذا ترك الساحة كما هي عليه من ضوضاء ومحافل ترقص على تلك الأعمال، أمر جيد لغربلة الكتابات، عبر إغراق الساحة بأكوام حكايات الجدات حتى يتسنى أن نستمتع بروايات حقيقيّة، تفلت من قفص قراء الوجبات السريعة الذين ساهموا بدورهم مع دور النشر والمعارض والصحف في تشويه الرواية العربية!!
سيطول الوقت وسينتعش فيه روائيون لا يقرؤون الروايات...وعلينا التحمُّل!