الإعداد لعقد المعاهدة: بريطانيا تضمد جراحها خرجت بريطانيا من الحرب العالمية الثانية منهكة بل مدمّرة، فأصبحت تابعة إلى الولايات المتحدة تقريبا. أرادت أن تضمد جراحها النازفة واقتصادها المنهار، فالتفتت إلى الشرق الأوسط، مشفى تضميد الجراح بواسطة إكسير الذهب الأسود، الشافي من كل الأورام والأمراض الخبيثة لاسيما الركود الاقتصادي. ومن جهة أخرى فإن بريطانيا كانت قلقة من أطماع الاتحاد السوفيتي المحاذي للمنطقة من الشمال، وزيادة نفوذ الأحزاب الشيوعية في بعض البلدان العربية، تلك الاحزاب التي تدور في فلك الاتحاد السوفيتي، لاسيما بعد الحرب الثانية، حين خرج نظامه منها أكثر ثباتا وقوة، بل ظافرا بحصة الأسد عن طريق سيطرته على معظم بلدان أوربا الشرقية وألمانيا الشرقية. وفي نفس الوقت، ظهرت بعض علامات تقارب بين العراق وأمريكا، التي خرجت من الحرب أكثر قوة وتأثيرا في المعادلات الدولية الجديدة، خصوصا وقد حسمت (أمريكا) نتيجة الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء. كما لاحظت بريطانيا بقلق زيارة الوصي عبد الإله لأمريكا في عام 1945 فضلا عن تعيين وزير مفوض في واشنطن بدلا من قائم بالأعمال. وتجلى ذلك القلق في رسالة وجهها تشرشل إلى الرئيس روزفلت يقول فيها ، بين أمور أخرى" أشكركم شكرا جزيلا على تأكيداتكم الخاصة بعدم التطلع إلى حقولنا في إيران والعراق. ودعني أعاملكم بالمثل فأعطيكم أوفى تأكيد بأن ليس لدينا أي نية في محاولة إقحام أنفسنا في مصالحكم أو ممتلكاتكم في المملكة العربية السعودية"..(حسن عبد راضي، نصف قرن من النفوذ البريطاني،صحيفة الصباح، 26/8/2007) وعلى هذا المنوال تقاسما نهب المنطقة منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا. وما أشبه البارحة باليوم حين يصادف وجود بوش وساركوزي في بلدان الخليج في نفس الفترة، لخطب ودِّ شيوخ النفط والتنافس على جني الأرباح أو تقاسمها، كما كانت تفعل بريطانيا مع فرنسا مثلا .
تعديل المعاهدة على قياس بريطانيا وهكذا رأت بريطانيا أن تعدل معاهدة 1930، التي يطالب الشعب بتعديلها لمصلحتها هي. فمهدت لذلك بمختلف الوسائل. واستبعدت أن يكون أرشد العمري الذي كان رئيسا للوزراء، في ذلك الوقت (منتصف عالم 1946) جديرا بتنفيذ المهمة. إذ رأت أن هناك رجلين فقط يمكن أن يعهد إليهما أداء المهمة، هما نوري السعيد وعبد الإله. وهكذا قام السفير البريطاني في بغداد في19 تشرين الثاني/ نوفمبر، من نفس العام، بدعوتهما إلى حفل عشاء في مقر السفارة، للتأكد من أن لهما رؤية مطابقة لرؤية حكومتة. وبعد العشاء تداول الطرفان في وجهة نظريهما في بعض النقاط الرئيسة لتعديل المعاهدة، نظرا لمطالبة الشعب العراقي بهذا التعديل. وبحثا بعض الخطوط الرئيسية للمعاهدة الجديدة التي يجب أن تبدو أفضل من سابقتها، بينما يجب أن لا تمس مصالح بريطانيا العظمى. ولا بد أن السفير البريطاني قد أقنع الرجلين أن مصلحة العراق تلتقي مع مصالح المملكة المتحدة فوق تلة الوقوف في وجه تمدد الاتحاد السوفيتي الذي يقف بالمرصاد على حدود المنطقة. وهكذا أبرق السفير إلى وزير خارجيته بنتيجة المحادثات المرضية، التي أجريت على مائدة العشاء. وطلب من الوزير" بيفن" حث الوصي على إقصاء أرشد العمري وتكليف نوري السعيد بتشكيل الوزارة. وبعد ثلاثة أيام فقط نفذ الوصي هذه الأوامر، فشكل نوري وزارته التاسعة في 21/ 11/ 1946. وأول إجراء مفاجئ قام به هذا الداهية، هو دعوة الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الأحرار للاشتراك في الوزارة. وكان هدفه من ذلك بث الفرقة بين الأحزاب الوطنية المعارضة، وإجراء انتخابات تضمن نجاح مرشحيه. وكاد أن ينجح في تحقيق هذين الهدفين، لولا أنه واجه مقاومة شديدة من جانب الأحزاب الوطنية التي فضحت تزوير الانتخابات، مما أسفر عن انسحاب الوزيرين اللذين يمثلان الحزب الوطني الديمقراطي( محمد حديد) وحزب الأحرار ( وعلي ممتاز الدفتري)، حين حاول الشروع بإجراء المفاوضات حول تعديل المعاهدة. وهكذا قرر أن يتنحى عن دفة القيادة ظاهريا ليسلمها إلى من يقوم مقامه، وينفذ الخطة المتفق عليها مسبقا لتعديل المعاهدة. وكان صالح جبر هو الشخصية التي رشحت لإتمام الصفقة، وذلك بالاتفاق بين الوصي ونوري السعيد و السفير البريطاني كورنواليس الذي وصف المرشح بأنه" قائد السفينة ونوري السعيد أدميرال البحرية".( جميل مشاري، موقع جريد المدى، 16/1/2008 ) وهكذا شكل صالح جبر وزارته الأولى، في 29/ 3/ 1947. قوبلت الوزارة الجديدة بالمعارضة الشديدة من جانب جميع الأحزاب السياسية المعارضة، التي أعلنت أن الهدف من مجيء الوزارة هو تنفيذ السياسة الرامية، منذ نهاية الحرب الثانية، إلى إنشاء التكتلات والمشاريع التي تربط العراق بعجلة الاستعمار، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع الأماني والتطلعات الوطنية .( العراق في التاريخ، ص718). قام صالح جبر بإغلاق بعض الصحف الحزبية المعارضة وتعطيل حزبي الشعب والاتحاد الوطني ، وباعتقال بعض القادة السياسيين المعارضين، وأبرم اتفاقيات مع بعض الدول المجاورة، شجبتها الأحزاب الوطنية باعتبارها ضارة بمصالح الشعب العراقي. وفي هذا المناخ القامع بدأت المفاوضات بين العراق وبريطانيا، بتكتم شديد في قصر الرحاب ابتداء من 7أيار/ مايو 1947، ثم في لندن وبعدها في السفارة البريطانية في بغداد وانتهت بالتوقيع على المعاهدة في ميناء بورت سموث البريطاني في 15كانون الثاني/ يناير 1948 . وخلال ذلك تسربت إلى الجماهير والأحزاب السياسية بعض بنود المعاهدة الرئيسية التي اعتبرت أشد وطأة من معاهدة 1930. ومنها إلزام العراق بالوقوف إلى جانب حليفته بريطانيا في أي نزاع تدخل فيه، وان يسمح للقوات البريطانية باستخدام الأراضي العراقية، وبان ينفق العراق من حسابه الخاص على القواعد والمنشآت العسكرية المشتركة، وأن تكون طرق المواصلات في خدمة القوات البريطانية في حالات الحرب.( العراق في التاريخ، ص719)
ثورة الشعب العراقي على المعاهدة قامت الأحزاب الوطنية بحشد الرأي العام العراقي لشجب المعاهدة الجديدة وتشكلت لجان الطلبة في المدارس والمعاهد العالية لتنسيق النشاط الطلابي. وإذ أعلن وزير الخارجية أن المفاوضات جارية بين العراق وبريطانيا، قام طلبة كلية الحقوق، في 5/1/1948، بالإضراب والتظاهر. فأصدرت الحكومة قرارا بتعطيل الدراسة وجرى اعتقال بعض الطلاب بغية محاكمتهم. وفي نفس اليوم سافر صالح جبر إلى لندن لاستكمال إجراءات التوقيع على المعاهدة. وفي 6 كانون ثاني/ يناير 1948، قرأنا ما نشرته الصحف البريطانية ونقلته الصحف العراقية، من تصريحات العضو المفاوض فاضل الجمالي، من لندن، أعلن فيها أن الحكومة العراقية على وشك التوقيع على المعاهدة التي ستحظى برضى الشعب العراقي. فأصدرت الأحزاب الوطنية المعارضة، وهي: الاستقلال والأحرار والوطني الديمقراطي والشعب (المعطل رسميا) والحزب الديمقراطي الكردستاني، والحزب الشيوعي العراقي (السري)، بيانا بشجب المعاهدة الجديدة التي أحيطت بالكتمان، لأنها تعقد من جانب حكومة لا تحظى بالتأييد الشعبي. لذلك فهي غير جديرة بالاضطلاع بهذه المهمة الخطيرة، التي يتوقف عليها استقلال العراق وسيادته ومصيره. بل ينبغي أن تقوم بهذه المهمة حكومة تحظى بتأييد مجلس نيابي منتخب انتخابا حرا، وذلك بغية وضع معاهدة تحقق الاستقلال الكامل للعراق، وطموحاته المستقبلية. وهكذا جرى تشكيل لجنة "التعاون الوطني "استعدادا للمواجهة مع الحكومة، والاحتكام إلى الشارع . وفعلا كان الشارع البغدادي مستعدا للنهوض والتظاهر السلمي للتعبير عن رفضه المعاهدة، بقيادة طلبة الكليات والمدارس الثانوية. وجوبهت التظاهرات بالعنف وأغلقت بعض الكليات. وساد جو من الغضب والترقب. وفي الخامس عشر من كانون الثاني/ يناير جرى التوقيع على المعاهدة من جانب الوفدين العراقي والبريطاني في ميناء بورت سموث. لذلك سميت المعاهدة باسم الميناء. بعد إعلان بعض بنود المعاهدة ازدادت الأوضاع توترا، فأضربت الكليات والمعاهد العالية. وامتدت الإضرابات إلى جميع المرافق الأهلية العامة: الأسواق والمقاهي والمطاعم . . . ومع أن الحكومة منعت التظاهرات والتجمعات، بل فرضت منع التجوال، بيد أن الجماهير تحدت الأوامر. وخرجنا نهتف بسقوط المعاهدة وسقوط الحكومة. فسقط الكثير بين قتيل وجريح، ومنهم قيس الألوسي وشمران العلوان وجعفر مهدي الجواهري، شقيق الشاعر العراق الكبيرمحمد مهدي الجواهري.(انظر: "في ذكراه العاشرة؛ الجواهري ؛ بين الغربة والانتماء"، صحيفة القدس العربي، في 5/1/2008) وفي معركة الكلية الطبية قتل أحد الطلاب الذي كان يقاوم قوات الشرطة المسلحة وهو يتأخر عني خطوات قليلة، فأخطأتني الرصاصة التي شعرت بها تمر بجانب أذني مباشرة. وسأفصل في حلقة مقبلة تفاصيل تلك المعركة. ونتيجة لهذه الحوادث والضحايا دعا الوصي عبد الإله إلى اجتماع موسع حضره معظم الشخصيات السياسية ومنهم: السيد محمد الصدر وجميل المدفعي وحكمة سليمان وحمدي الباجه جي وارشد العمري ونصرة الفارسي وجعفر حمندي ومحمد رضا الشبيبي وعبد العزيز القصاب وصادق البصام وعبد المهدي المنتفجي ومحمد مهدي كبة وكامل الجادرجي وعلي ممتاز الدفتري ونقيب المحامين نجيب الراوي. كما حضره جمال بابان وكيل رئيس الوزراء وأعضاء الوزارة. واصدروا بيانا أشاروا فيه إلى أنهم بعد اطلاعهم على المعاهدة العراقية البريطانية، أكدوا ضرورة رفضها، وقالوا أنها لا تحقق أماني البلاد ، وليست أداة صالحة لتوطيد دعائم الصداقة بين البلدين. واعتقد أن هذا البيان صدر بالأكثرية وليس بالإجماع، بسبب حضور أعضاء الوزارة. وقد استقبل الشعب العراقي هذا البيان بالارتياح والاطمئنان. ولكن المفاجأة حدثت حينما أدلى صالح جبر رئيس الوزراء، بتصريح من لندن أعرب فيه عن أمله بان البرلمان العراقي والشعب ، سيجدان في المعاهدة ما يحقق الأماني القومية تحقيقا كاملا، وأشار إلى أن بعض العناصر الهدامة من الشيوعيين والنازيين ،استغلت فرصة غيابه، وأحدثت القلاقل في البلاد، وانه سيعود فورا الي العراق ، وسيسحق رؤوس هذه العناصر الفوضوية حتما.( سيف الدين عبد الجبار، جريدة الزمان، 30/4/2005 ) وهكذا عادت المظاهرات من جديد، وتصاعدت يوم 26 كانون الثاني 1948 وهو اليوم الذي عاد به صالح جبر من لندن. وعقد بعض الساسة المعارضين اجتماعا في دار جعفر حمندي، حضره محمد رضا الشبيبي ومحمد مهدي كبة وكامل الجادرجي وحسين جميل وداخل الشعلان وعلي ممتاز الدفتري ونصرة الفارسي واخرون. واتفقوا علي وجوب الاستمرار في التظاهرات التي تصاعدت وبلغت اوجها يوم 27 كانون الثاني حين تحولت العاصمة إلي ساحة حرب. وسقط الكثير من الشهداء خصوصا في معركة جسر المأمون، الذي أطلق عليه جسر الشهداء فيما بعد. واستقال عدد من النواب والوزراء مما أضطر الوصي إلى إقالة الوزارة وتكليف السيد محمد الصدر بتشكيلها. وقد قررت الوزارة الجيدة إلغاء معاهدة بورت سموث. ومع أن رئيس الوزراء الجديد حاول عقد معاهدة جديدة أخرى مع بريطانيا، تأخذ بعين الاعتبار مصالح الشعب العراقي في المقام الأول، غير أن بريطانيا رفضت إجراء مفاوضات بهذا الشأن عقابا للشعب العراقي على إجهاض معاهدة بورت سموث، التي ظلت نافذة حتى انتهى موعد سريانها، في عام 1955، حيث تم التوقيع على ذلك في 4 نيسان/ أبريل. وحل فيما بعد حلف بغداد محلها. ولكن ثورة 14تموز 1958 أجهضت هذا الحلف.
دروس الوثبة: الطائفية غير مطروحة المسألة الطائفية التي تعصف اليوم بالعراق وتمزقه بكل أسف، لم تكن مطروحة أصلا. بل كانت جميع الوقائع والحقائق تدل على أن تقييم القائد السياسي يتم على أساس أدائه الوطني والقومي، ومدى رضا عامة الشعب عنه، بصرف النظر عن انتمائه الديني أو المذهبي. ومن هذه الدلائل: 1- صالح جبر ، ربما هو أول رئيس وزراء شيعي منذ قيام الحكم الوطني، ثارت عليه جميع شرائح الشعب مع أن نسبة الشيعة فيه تتجاوز نسبة السنة. والطلبة خليط من هذه النسبة. وأتذكر تماما أنه في يوم 27/1/1948، وهو اليوم الحاسم في الوثبة، ظهرت بيننا؛ نحن المتظاهرين المتحمسين، فجأة، بعض المنشورات التي تتضمن ما فحواه: أن هذه التظاهرات موجهة ضد أول رئيس شيعي للوزراء لأسباب طائفية وعلى المتظاهرين أن لا ينخدعوا بهذه الشعارات . ولاشك أن لصالح جبر ضلعا في نشر تلك الوريقات ، فاستنكرنا هذه الدعاية المغرضة، ودعونا المتظاهرين إلى تمزيق هذه النشرات المسمومة، وعلى رأسهم كاتب هذه السطور، الذي ينتسب إلى أسرة شيعيه، ولكنه نشأ على الاعتزاز بقوميته ودينه، مع أنه يتفهم ويتقبل جميع المعتقدات الأخرى. 2- أظن أن تسليم الوزارة إلى صالح جبر بعد استقالة نوري السعيد كان مقصودا ومدبرا بين نوري نفسه والوصي والسفير البريطاني، وذلك لأنهم قدروا أن معظم أعضاء الأحزاب المعارضة كانوا من الشيعة، باعتبار أن الشيعة يمثلون أغلبية الشعب العراقي، لذلك فتمرير المعاهدة من خلال صالح جبر قد يكون أسهل، لأن معظم الشيعة سيقفون إلى جانب صالح جبر. ولكن تقديرهم كان خاطئا. فقد أثبت شيعة العراق سواء في ثورة العشرين أو خلال حركة رشيد عالي الكيلاني(السني)(1941)، الذي هلل لها الشعب العراقي بجميع شرائحه، (مثلا والدي السيد صادق الأعرجي، ألقى قصيدة عامرة، تمجيدا للحركة، واعتقل بسببها بعد ذلك)، أو وثبة 1948 هذه، فضلا عن مواقفهم الوطنية التي تلت ذلك، أثبتوا أنهم ينتمون إلى عروبتهم ووطنهم قبل الانتماء إلى شيعيتهم، ولاسيما الطبقة المثقفة والواعية. 3- وهكذا كانت المعارضة التي وقفت ضد حكومة صالح جبر والمعاهده تتكون من الشيعة والسنة على السواء، بل لم يكن هذا الأمر مفكرا به أصلا. ومن أمثلة الشخصيات الشيعية المعارضة نذكر: محمد مهدي كبة، عبد المهدي المنتفجي ، محمد رضا الشبيبي، جعفر حمندي وصادق البصام وغيرهم. ومن المعارضين السنة نذكر: كامل الجادرجي ، علي ممتاز الدفتري، وحسين جميل، ونجيب الراوي، ونصرة الفارسي، وغيرهم . 4- إن حزب الأستقلال، الذي يعتبر أشد المعارضين لحكومة صالح جبر، والذي يرأسه محمد مهدي كبة، المنتمي إلى أسرة شيعية عريقة، كان حزبا عروبيا، لا يدخل في اعتباره تقييم الزعيم تبعا لصبغته المذهبية أو الدينية، إطلاقا. وجدير بالذكر أن الأستاذ فائق السامرائي (السني)، كان من مؤسسي الحزب ومن زعمائه المشهورين. وتتألف اللجنة المركزية للحزب، من عشرين سنيا وخمسة عشر شيعيا واثنين من المسيحيين. علما أن هذه النسب لم تكن متعمدة أو مرسومة سلفا، بل صادف أن تكون كذلك لاعتبارات تتعلق بالكفاءة والتفرغ والالتزام بأهداف الحزب وتطلعاته القومية والوطنية. ونحن نأسف لتحليل هذه الوقائع وتفكيكها على أساس طائفي. وعذرنا في ذلك؛ مجرد التدليل على أن العراق لم يكن طائفيا، بل وصلتنا هذه النغمة المدمِّرة بعد الاحتلال. 5- الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري (الشيعي) هجا صالح جبر( الشيعي) وبطانته من أذناب العهد الملكي في مرثيته العصماء "أخي جعفر"، الذي كان يتظاهر ويقاتل معنا أثناء الوثبة. علما أن الجواهري ألقى هذه الملحمة الشعرية في أهم جامع سني؛ "الحيدر خانة". انظر مقالة كاتب هذه السطور"هل سيصبح العراق في ذمة التاريخ" في صحيفة "القدس العربي"،10/11/ 2006. ولئن نشير إلى كل ذلك، فإننا ننظر إلى المسألة الطائفية بمنظار اليوم. إذ أن التمييز بين السنة والشيعة فيما يتعلق بتقييم القائد السياسي، لم يكن مطروحا أصلا . ملاحظة لا بد منها: يحتاج تاريخ وثبة كانون الثاني 1948، الكثير من التحقيق والتوضيح والاستجلاء. علما أن "تاريخ العراق السياسي الحديث"( 3مجلدات) لعبد الرزاق الحسني، لم يذكر شيئا جديرا بالاعتبار عن الوثبة. لذلك استندنا إلى كتاب " العراق في التاريخ"( مجموعة مؤرخين ). كما أن المقالات المهمة لفائز الحيدر وسيف الدين عبد الجبار وحسن عبد راضي ، لم تشر إلى مصادرها الأصلية، مع ذلك استفدنا من بعض ما ورد فيها، فضلا عن مراجع أخرى.