ذاكرة الحرف

أذكر ...
سافرْتُ وحيدًا
حقيبتي حُبلى بالوجوهِ
ووجهي كان بعيدًا

أذكرُ...
المطرُ يبلّـلُ الغيْمة
وأنا ألتحِفُ غِطاء رأس ِ أمّي

أذكرُ...
كان يحدّثُ فتياتِ الحيِّ
أمّهُ خلفَ البابِ تحدّقُ بالجار
أبوهُ إطارٌ خارج الصورة

أذكرُ...
كان صغيرًا يحلمُ بالشمس ِ
يعدّ وريْقاتِ الزهر ِ المترددِ بين " أحبُّكِ " أم لا
يكتبُ فوق العشبِ قصائدَ حبّ
لا يقرأ حرفـًا منها
يمحوها توقُ الندى إلى وجع ِ الزهراتْ
الوقتُ يعلّمُ الأطفالَ نُعاسًا من نوع ٍ آخر
لا يجلبُ أحلامًا
والوقتُ كان
يرعى بقراتِ التعبِ إلى حظيرةِ نومِها

أذكرُ...
يرسمُ بالأزرق ِ لونَ البحر ِ
بالأخضر ِ لونَ الأرض ِ
يبولُ على الغيم ِفتمطرُ
يحفرُ ذاكرة َ الأشياء ِ
بخنجر ِ ماءْ

أذكرُ...
بيتي لا يقفلُ أبوابَ قلبهِ
لا يتحصّنُ بالأسوار ِ وبالأسيجة ِ
معلّقة ً فوق جبين ِ القمر ِ
بيتي لا يخشى إغفاءة َ زهر ٍ برِّيٍّ
فوق عيون ِ نوافذِهِ

أذكرُ طفلا ً
يخرجُ كلَّ صباح ٍ فيَّ
ليسألني عن وطن ٍ
ثمّ ينامُ ملءَ غربتِهِ
عن خارطةٍ
يسري القلبُ إليْها
عن أزهار ٍ ملّت خجلَ الفجر ِ
عن أمٍّ تحلبُ أثداءَ الطرقاتْ
لترضعَ ابنتها فرحًا
عن أمٍّ تنشرُ بسمتها فوق حبال ِ العينين
ترفو قمصان َ النوم ِ لأطفال ٍ مذهولينْ

أذكرُ...
الصبيّ والفرشاة
كي يرسمَ
يلوّنُ بالأخضر ِ أحذية َ المطرْ