حِوَار مع أَبِي “كُفر صريح ولا دِين مُخشَخش”

دارَ حِوار طويل بينِي وبين والِدي وانتهى بِعِبَارة قالها أبي: “كفرٌ صَرِيح ولا دين مُخَشخَش “.

اِسْتوقفتني تلكَ الجُملة التِي تُلْقِي بِظِلالِها على عالم الأفكار والقناعات، تُنِير دَرب الحِوَار بين الإِيمَانِ والشَّك، بين الوُضُوحِ واللَّبْس.

قد يَبدُو الكُفر الصَّرِيح أشَدَّ وُضُوحًا من الدِّين الذي تشُوبُهُ الشَّوَائِب، ذاكَ الذي تكسُوهُ القُشُور دونَ أن يُلَامِسَ القَلب.

في الكُفرِ الصَّرِيح وُضُوح، وإِن كانَ قَاسِيًا، أمَّا الدِّينُ المُخَشخَش فهُو كجِدَارٍ مُتصدِّعٍ، يَحمِلَ عِبْء التقَالِيد دُونَ يَقِين.

الحقِيقَة لا تحتاج إِلى تموِيه، بل تَقِف عَارِيَة أمام العقل، سَوَاءً كان قبُولُها طَرِيق الإِيمَان أم الرفض.

في النهاية، ما قيمَةُ الدِّينِ إِذَا لم يكُن نابِعًا من عُمْقِ الإِيمَان، وما جدوى الكُفرِ إذا كان مُجرَّد رد فعلٍ على قشُورٍ مهزُوزَة؟

وفي هذا الصّراع بين الكُفرِ الصَّرِيح والدِّينِ المُخشخَش، يتبدَّى السُّؤال الأَكبر: هل نعيشُ حَيَاة مبنيَّةٌ على قناعَاتٍ حقيقِية، أَم مُجَرَّد اِنعكَاسَاتٍ سطحِية لِأفكَارٍ لم نَختَبرهَا بِعُمق؟

الكُفرُ الصَّرِيح، رغم جُرأتهِ، قد يحمِلُ نوعًا من النزاهة الفِكرِية، لأنهُ لا يتستر خلف قِنَاع.

أما الدين المُخشخش، فهو ظاهرِيٌّ، هش، تردَّد بين إِيمانٍ شكلِيٍّ وأفكارٍ غيرِ مُكتملة.

لكن، ليس كُلُّ وُضُوحٍ في الكُفرِ شجَاعَة، وليس كُلُّ لُبسٍ في الإِيمانِ ضَعفًا.

ففِي الإِيمانِ العَمِيق الّذِي ينمُو مع التَّساؤُل، يُمكِن لِلإنسَانِ أن يجِد المَعنَى وسط الفَوضى.

وحِين تنمُو القناعَة بِروية وتأمُل، تتحوَّل الشُّكُوك إِلى يقين، والدِّينُ إِلى دربٍ يستنيرُ بِهِ القَلبُ والعقلُ.

إِذَا، ليسَ التَّحدِّي في الاختيَار بين الكُفرِ الصَّرِيح والدِّينِ المُخشخش، بل في بناء إِيمانٍ راسخ ينبُع من تجرِبة شخصية وفهم عميق، بعيدًا عن الأَقنعة والضَّباب.