فى الإجازة، كانت أمى تتركنا أنا وأختى فى البيت كانت توقظنا مبكراً كى نتناول وجبة الفطور المقدسة.. الشاى بلبن وساندويتش الجبن أو الكيك إذا وجد. ثم تنزل إلى عملها فى نحو الثامنة.. ندخل البلكونة أنا وأختى ونبدأ فى الكلام مع أولاد الجيران الآخرين ولا نتوقف حتى تعود أمى .. وفى المساء يشتكى الجيران من أصواتنا.
حازم وداليا كانا أصغر منى أنا وأختى. فقررت أن أعلمهما القراءة مستخدمة فى ذلك كتاب المطالعة الذى كنا ندرسه فى المدرسة، وحائط البلكونة الأبيض الذى صار ممتلئا بالنقوش والكلمات والرسومات.
أمل وعمر .. سعاد وعادل
- قول ورايا
أمل تذهب إلى المدرسة
عادل يذهب إلى الحقل
- الحقل يعنى الغيط .. فاهم
استاء والدى جداً لأننى كنت أستخدم الألوان الشمعية والفلوماستر للكتابة على الحائط بدلاً من الرسم والتلوين. وحتى لا يغضب قررت أن أعلم حازم وداليا درس العدسة المقعرة والعدسة المحدبة. ورسمت العدستين ووضحت لهما الفرق.. ثم رسمت زهوراً ونباتات وعرائس المولد والأهرامات والشمس.. صار حائط البلكونة كراسة رسم كبيرة.. ضحك أبى كثيراً عندما دخل البلكونة ذات مرة ورأى كل هذه الرسومات والألوان .
- أهه علشان ماتزعلش آدينى رسمت .. حلو كده
لم تتمالك أمى نفسها وصاحت فينا ..
- وسختو البلكونة.. ده منظر ده .. شايفين حد تانى عامل كده، ثم نظرت إلى أبى شذراً ..
- ابقى جيب لهم ألوان تانى بقى .. والله لارميها من البلكونة ، عندما دخل حازم المدرسة، امتنع عن الاستماع إلى دروسى وقال نلعب بس فتوقفت الدروس وتوقف الرسم.
بعد سنوات، أصرت أمى على إعادة تبييض البيت، فجاء العمال، وكان أول شىء تأمرهم به هو إزالة هذه الوساخة وأشارت بأصبعها إلى الكتابات والرسومات… دخل الرجال بهمة ونشاط و أعملوا مكاشطهم فى الحائط، وفى أقل من ساعة أنجزوا أول عمل كلفوا به..
صار الحائط بلا ألوان وبلا كتابات، باهتاً مليئاً بالبثور .. رأيت حروفى ورسوماتى وألوانى تتناثر على الأرض وتختلط بالجير ..
ثم جاءت أمى بالمكنسة الكهربائية وشفطت كل شىء .. فى ثوان.