نبيل فودة
كأى تاجر فإنه يستهدف المكسب، واللى تكسب به العب به. نعم هم يلعبون بالعقل ويتلاعبون بالدين.. مَن هم؟ إنهم هؤلاء الذين يخرجون على الناس ليل نهار فى الفضائيات والجوامع والأحزاب والجماعات التى تقول عن نفسها إنها إسلامية. يوهمونك أولًا أنهم يعرفون الإسلام. ثانيًا، أنهم يتحدثون باسمه. ثالثًا، أنهم يمثلون وحدهم الإسلام. رابعًا، أنهم يمثلون الإسلام ومَن يختلف معهم هو فى الحقيقة ضد الإسلام ويحارب هذا الدين. خامسًا، أنك لو لم تقف معهم وتنتصر لهم فإنك تشارك فى حرب على الإسلام، دين الله ورسوله. سادسًا، أنك لو أيَّدتهم ودعمتهم .. فالله سيرضى عنك ويبارك لك فى صحتك ومالك وحياتك ويدخلك جنته. هذا .. نَصْب وتجارة بالدين. أن جميع النصابين يجدون زبائن يقتنعون بهم، وهناك كبار .. يضحك عليهم نصاب فى دور أبنائهم ، ومن ثم ليس هناك كبير على أن يتم النصب عليه. النصاب لا يعدم الموهبة، فهو يملك ميزة فى إقناع الناس وقدرة على جذب اهتمامهم وتليين عقلهم .. من هنا خطورة التجارة التى تتحول إلى نصب باسم الإسلام.
لماذا؟ لأنه من يقع في هذا الفخ .. ليس متعلم كفاية فى دينه، وما يعرفه .. قشور فى الغالب أو محفوظات محدودة واستغلاله لذلك .. يدخل النصاب بالحديث والآية والحكاية ويعمل فيها عالمًا شيخًا، وهو فقط يملك أدوات النصبة التى يعرف من خلالها حفر نفق في العقل والفكر .. من المؤكد أننا كلنا سمعنا عن الحروب الصليبية وكيف وصفها لنا مدرس أو خطيب الجامع أو فى الفضائيات ذات مرة أو فى موقع على النت ، أن الدعوة للحروب الصليبية جاءت من تجار الدين فى أوروبا الذين زعموا تعرُّض قبر المسيح فى الأرض المقدسة للتخريب ورفعوا الصليب وأعلنوا الحرب على المسلمين باسم الدين. وما الذى يفعله الوعاظ فى القنوات الفضائية والأحزاب الإسلامية إلا هذا تماما؟ حديث عن الأعداء الذين يحاربون الإسلام وأنك لا بد أن ترفع راية الإسلام خصوصا عَلَم القاعدة الأسود وتذهب للجهاد ضد أعداء الداخل والخارج، ويدعونك للدفاع عن نبيك الذى يهينونه فى الغرب، أو عن السُّنة التى يحاربها العلمانيون فى الداخل.
ما الفرق بين هذه التجارة وتلك؟ أليس كلاهما تاجرا يبيع بضاعة ويوهم زبائنه أنه المدافع عن الدين الحق فى مواجهة أعدائه؟ هناك من صدّق تجار الدين الصليبيين وهناك من يصدق الآن تجار الدين المتمسحين فى الإسلام. إن تجار الدين فى التيار السلفى والإخوانى لا يطيقون صبرا على الاختلاف ويتهمون المختلفين بالكفر والخروج عن الملة ومحاربة المشروع الإسلامى. فإذا سألتهم: وما المشروع الإسلامى ..؟ يحدثونك عن تطبيق الشريعة، كأن الشريعة ليست مطبَّقة، وكأن هؤلاء إذا جلسوا على مقاعد السلطة حققوا المجد للدين (وقد جلسوا فماذا فعلوا ..؟)، وإذا حكموا حولوا البلد إلى المدينة المنورة (استباح يزيد بن معاوية المدينة ثلاثة أيام اغتصبوا فيها ألف امرأة وقتلوا آلافا من أبناء المهاجرين والأنصار وأغرقوا المسجد النبوى ببحر من الدماء منعت الصلاة فيه)، كل هذا وهم يخفون عن الناس ما يكمل لهم الصورة ويبرز كل الحقيقة مستغلين جهل المشترين وسذاجة الزبائن الذين لا يعلمون أن الإسلام عانى منذ العصر الأول من تجار الدين حين هاجموا الخليفة عثمان رضى الله عنه، وحين طالبوا بالقصاص له، وحين نقل معاوية (رضى الله عنه) الخلافة إلى ملك وراثى استبدادى، وحين نشبت الحروب الأهلية بين المسلمين وانقلابات الحكم من دولة وإمارة لأخرى، وحين أعدموا العلماء وزجّوا بهم فى السجون، وحين ملؤوا القصور بالجوارى والغلمان، وحين استعان أمراء المسلمين بالصليبيين لمحاربة منافسيهم من الأمراء المسلمين، وحين سيطر عليهم الاستعمار قرونًا… كل هذا والشريعة الإسلامية مطبَّقة، وقطع يد السارق، ورجم الزانية فى كل مدينة مسلمة.
لكن هل منعت الشريعة انحطاط الدول الإسلامية وانهيارها ..؟ وهل وقفت الشريعة طغيان الحكام ..؟ وهل أنقذت العلماء من المتاجرين بالدين فضربوا الأئمة باسم الشرع وقتلوا المعارضين باسم الشريعة ..؟ وهل جعل تطبيق الجلد والرجم من باكستان وأفغانستان والسودان والسعودية وإيران وبوكو حرام جنات العدل والمساواة والحرية والتقدم فى العالم ..؟ وهل أخافوا الأمريكان وزلزلوا الغرب وأرعبوا الأعداء ..؟
وهل تعطلت الشريعة أبدًا حتى يومنا هذا إلا الحدود التى تستلزم من الشروط ما يستحيل تحققه مع الفقر والقهر والاستبداد… والتجارة بالدين ..؟!
لكن .. نتسائل لماذا ..؟! التجارة بالدين هى أخطر تجارة فاسدة على وجه الأرض، ولهذا فإن لها أكثر الزبائن على وجه الأرض. فهؤلاء وإن لم يشعروا هم أعداء للدين وخصوم لرب العالمين.