بقلم / سيد محمود الحياة 2005/03/18
ثمة مَنْ يرى ان جولات السجال الصحافي المتكرر بين مجمع البحوث الاسلامية في الازهر الشريف والكاتبة المصرية نوال السعداوي لم تعد مثيرة للدهشة كما كانت قبل نحو عشر سنوات، والسؤال: هل نبادر بتسجيل هذا الاعتراف بعدما باتت تلك الجولات - وآخرها سعي المجمع لمصادرة عمل السعداوي الجديد «الرواية» الصادر عن دار الآداب (بيروت) نهاية العام الفائت - تشبه الحركة الجامدة, كأن يرفض طرفاها خيانة الطابع الذي وصم جُل قضايانا الفكرية منذ بدايات عصر النهضة العربية وحتى الآن، سواء من حيث القدرة على اعادة انتاج الاسئلة ذاتها والدوران في الفلك نفسه؟ هل علينا التشبه بأصحاب نظرية المؤامرة والبحث عن وثائق تدعم فرضية فانتازية تشك في وجود اتفاق شراكة يسمح للطرفين بالبقاء في صدارة المشهد الاعلامي بعدما باتا معاً مهددين بخطر النسيان؟ المؤسسة الاولى لم تعد قادرة على المساهمة الجدية في اثراء الفكر الاسلامي حيت اننا لم نقرأ لعلمائها أيّة مساهمات نقدية جادة في القضايا المطروحة، والكثير منها يضع هذا الفكر موضع الاتهام والعجز عن ملاحقة عن خطابات التجديد.
أما السعداوي فتفرغت كُلياً لدورها النضالي، لكنها ككاتبة مبدعة ترفض التسليم بأنها أصبحت خارج سياق اللحظة الراهنة، ويصعب على أي ناقد جاد ان يقرأ ابداعها خارج دورها كناشطة سياسية واجتماعية لعبت دوراً اساسياً في تفعيل قضايا المرأة العربية وتصعيدها، وبسبب هذا الدور لم يُقرأ ابداعها الا كحامل فني لهذا الدور النضالي وقد جرى تأميمه والاستيلاء عليه عبر المؤسسات الرسمية أخيراً تحت زعم سعيها الى تمكين المرأة العربية من حقوقها وفق شروط الرعاية التي ضمنتها السيدات الاوائل في عالمنا العربي لتلك المؤسسات، وهي ابقت السعداوي وأمثالها خارجها. يصعب في الوقت الراهن مقارنة نصوص السعداوي الروائية الجديدة بما تنتجه الكاتبات المعاصرات اللواتي أصبحن من جراء «عولمة الظاهرة الادبية» أكثر استجابة لشروط الحساسية الادبية الراهنة، وأصبحن اكثر حضوراً في المشهد الادبي العالمي من حيث الترجمات والتمثيل في المحافل الادبية الغربية. ولهذا بات مركز السعداوي - وهي التي ظلت الممثلة الأولى للرواية النسوية العربية - مهدداً من كاتبات لهن نصوص اكثر تحرراً من قيود التمثيل الاجتماعي التي حاصرت نص السعداوي سنوات طويلة، وجعلته يعبر - كما يقول جورج طرابيشي - عن «انثى ضد الانوثة». هل نقول ان نزاع السعداوي مع مجمع البحوث الاسلامية بات احد مؤشرات وجودها الادبي وضروراته في ظل تراجع الاهتمام النقدي بأعمالها؟ ومن ثم فعليها ان تشكر علماء المجمع لانهم يتيحون، من دون قصد، فرص الترويج لأعمالها! وبالمثل على علماء المجمع ان يشكروها لانها تتيح الفرصة لبروزهم اعلامياً وتسويقهم في الفضائيات التي يغريها هذا النوع من الاخبار!
وفي طبيعة الحال لا يمكن كاتباً عاقلاً الوصول الى تلك النتيجة بدم بارد وبضمير مستريح، خصوصاً اذا ادرك ان الرواج وفق تلك الطريقة يأتي دائماً مشفوعاً برخصة قتل مجانية تُمنح لكل متطرف يفكر، استناداً الى بعض التقارير، في القيام بأعمال اجرامية. وعلينا ان نتذكر المصير الذي انتهى اليه فرج فودة وما حدث لنجيب محفوظ في العام 1994 فيما نقرأ عن محاولات علماء المجمع لتحريك دعوى حسبة عبر النائب العام المصري ضد السعداوي بسبب ما اعتبروه استهانة بمشاعر الناس الدينية في توصياتهم التي تطالب بمصادرة رواية «الرواية» لانها تتضمن عبارات منسوبة الى شخوص الرواية وفيها «خروج على الدين» و»استهانة واضحة بالله وبالرسول وبالصحابة وبأمهات المؤمنين وبأركان العبادات».
وفي الحقيقة يصعب على أي متأمل في الفقرات التي نقلتها الصحف عن تقرير المجمع الوصول الى آليات التأويل التي تحكم نظرة علماء المجمع الى النص الادبي، محل السجال الجديد, ويصعب عليه ايضاً الوصول الى تبرير معقول لموقف الجماعة الثقافية المصرية التي تنأى بنفسها عن التورط في فعل تضامن مع نوال السعداوي وقد أعلنت نفسها كمرشح الى منصب الرئاسة في مصر في الوقت الذي لا يكفون عن اصدار بيانات لمنع مشاركة بعضهم في المؤتمرات التي يرون انها «مشبوهة» او ضد ظهور بعضهم الآخر في فضائيات تدعمها الادارة الاميركية, وكأن المثقفين المصريين قد ارتاحوا في صمتهم للتفسير الفانتازي الذي يشير الى ان شبه تواطؤ ما يفسر لعبة «القط والفأر» التي يؤديها علماء مجمع البحوث الاسلامية مع صاحبة «مذكرات طبيبة» سنوياً، وبسبب هذا الارتياح يفضلون البقاء بعيداً من ساحة اللعب يأساً من تغيير شروط اللعبة او لابقاء نيرانها داخل حدود الملعب، او لان لياقتهم الفكرية لم تعد تؤهلهم لخوض الشوط كاملاً. ولعلهم يفضلون ان تستمر نوال السعداوي «امرأة في نقطة الصفر» تخوض معاركهم بالوكالة