المحظور الخلاق في الرواية...!
التأليف اشتعال الذهن...تحرّر الكلمات من القيود...فضح المسكوت عنهُ... الرواية خلق، إبداع، سردٌ مجنون لا يعرف حدود في حرية كشف المشاعر...لا يتوقف عند تخوم ولا ينتظر إذن الرقابات والحظر والمصادرة...الإبداع اختراق للتابو الذي تضعه الرقابة ويضعه الدين وتضعه التقاليد ويحدده النظام...وهي كلمة مرتبطة بالمحظور في حكم المجتمع، وتعتبره المجتمعات المقيدة أعراف جنسيّة ودينية وسياسية... سلة من المحرمات تقترن بمفهوم "الحلال" و"الحرام" التابو معناه خط أحمر لا يقبل المجتمع تجاوزه ولا يكون متسقًا مع القوانين والشرائع.
لو كانت الرواية خاضعة لهذا التابو... للحدود ومتمسكة بالقيم التقاليد لما وُلد كتاب مثل تشخوف ودستوفسكي وغوغول جون تشاينبيك وأرنست هيمنجواي وأرهان باموق وغيرهم من أولئك الذين كسروا التابو ونزعوا الحواجز وشرّعوا الأبواب والنوافذ للحرية أن تسبح بالعبارات المتحرِّرة من المسكوت عنه...
عدو الرواية...الحدود، حدود الدين...حدود الجنس...حدود المجتمع وقيمه وتقاليده، حدود السياسة...الرواية والفن والإبداع لا تعرف هذه الكائنات العقلية حدود. بسبّب ذلك لا جهة في العالم سينمائيًا تنافس هوليوود ولا رواية توازي مائة عام من العزلة...ولا فن يوازي الباليه...ذلك لأن الحدود والرقابات والتابو العقيم لا تنتظر هناك عند عتبة المؤلف والكاتب ولأن دار النشر ليس لديها شروط تتعلق بالمجتمع وقيمه وتقاليده... ولأن رجل الدين لا يفتي في الرواية أو الفيلم...بل يخرس عندما يتعلق الأمر بالإبداع الأدبي والفني...لذلك تأخرنا وتخلفنا وانحططنا في مجال الأدب والفن لأن الحدود والشروط والرقابات والحلال والحرام والممنوع والمسكوت عليه هي كلها من صنع العالم العربي ومن صنع الرقابات والملالي والمطاوعة والمفتين وكلّ من لا علاقة له بالفن والأدب وحشر أنفه في هذه الخريطة التي لن ترى النور الحقيقي والازدهار الذي تبلغ بها العالمية ما دامت الأسوار والحدود والتخوم الرقابيّة بمختلف أشكالها سائدة.
الرواية بالذات عدو التابو والمحظورات...الرواية بالذات لا تُخْلَق... لا تنتعش وتحيا وتتنفس في أجواء الكبت والمحظور الرقابي الرسمي والشعبي...فرقابة الناس أسوء من الرقابة الرسمية...الرواية بالذات لا تتنفس في الأجواء التي ينتشر فيها الكتاب المهرجين والمؤلف السطحي... الرواية تنتحر عندما لا تجد متنفس...
كتابة رواية...خلق كائن روائي غير مألوف، أصعب من كتابة الرواية ذاتها، اعقد من أحداثها وبناءها الدرامي، تلوث عقلك بغير المألوف...الرواية لا تشبه غيرها من الكتابات ...إنها جنون وانتحار المؤلف...هيمنجواي مثالاً... تأخذك تضاريسها نحو عمقا مدوياً حتى تصبح حية متحركة مقنعه للقارئ. خلال رسم شخصية ما في رواية تكتبها أو تكتبك، الرواية في جزء منها خلال الكتابة هي التي تمتلكك، وبالتالي تقفز الشخصية أمامك تتحدى أن تروضها وهي تنمو وتتشكل، أحيانا تجد نفسك كروائي غير مسيطر على شخصياتك حينما تفلت منك وتتحرك من تلقاء ذاتها وهنا ذروة تشكل الشخصية فكلمّا تدخلت في الشخصية أفسدتها. تجد نفسك منقاداً لحرف الشخصية عن مسارها إذا كانت الشخصية ثانوية أو رئيسية، سير الأحداث يتحكم في الشخصية التي رسمتها ومن ثم بعد فترة وجيزة حينما يكتمل بناء هذه الشخصية يصبح من الصعوبة التدخل أو التحكم، فحركة الأبطال داخل الرواية مرتبطة بمسار الرواية ذاتها ولا يمكن للكاتب الحقيقي السيطرة عليهم ، صحيح ترسمهم وتقوم بخلقهم ولكنك بعد ذلك تفقد السيطرة عليهم فأنت لست إله يتحكم في خلقه أنت مبدع تبني رواية قائمة على حدث وشخصيات سواء كانت واقعية أو خيالية فهي في النهاية حياة لها مسارها الذي لا يمكن التنبؤ به وإلا أصبحت الرواية مجرد حكاية عادية غير مقنعة. ومن ثم تنتحر الرواية عندما لا تسعف مضمونها، الرواية هي من تكتبك ولست أنت من تكتبها.
في كثير من أحداث الرواية وعند تفاقم مشاعر الشخصيات، لا أملك ككاتب خيار قتل أو إحياء هؤلاء، الشخصية ذاتها غالباً ما تقرر أن تعيش أو تنتحر أو تختفي... الخ، ولكن بمساعدة الكاتب حيناً وفي النهاية يكون مصير الشخصية معلقاً...
أغرب ما في الرواية الجنون الخلاق الذي يصنع من الكارثة الخرافية التي يظن الرقابي والديني والقيود انها تخنق الرواية...تخلق العكس حيث تنفجر الرواية عن شغفٍ أسطوري لا يقف عند سد.
الروائي خالق بحد ذاته...