القاهرة - أسمهان أبو الإسعاد
الكاتبة المصرية ابتهال سالم في روايتها الجديدة «السماء لا تمطر أحبة» تحلّق في أجواء الرومنسية وتمزج الواقع بالخيال. تكتب بريشة فنان عالماً يعيش تحت وطأة الحصار والأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، لكنه في النهاية يحلم ويحاول، والحلم هو أول طريق الحرية! التقيناها في الحوار التالي.
روايتك الأخيرة «السماء لا تمطر أحبة»... عالم من الخيال يصطدم بالواقع, هل تأثرت بـ{ألف ليلة وليلة» أم بالواقعية السحرية؟
أردت الدخول في مجال كتابة ما يسمى بالواقعية السحرية، وكنت خائفة جداً من هذه التجربة الجديدة, لكني استعنت بخبراتي في كتابة الرواية وقراءاتي {ألف ليلة وليلة» والإلياذة اليونانية وأساطير أفريقية وهندية وفارسية مثل «الشاهنامة» و{كليلة ودمنة»، بالإضافة إلى كتابات أدباء أميركا اللاتينية، وأبرزهم غابرييل غارسيا ماركيز وخوسيه ساراماغو... تلك القراءات أثرت في فكري كثيراً، لكن يبدو أن «ألف ليلة وليلة» كانت الأكثر رسوخاً في وجداني.
كيف تصنّفين روايتك؟
لست كاتبة مصنفة أو كاتبة مناسبات ولا أميل الى أيّ تسميات، الكتابة بالنسبة إليّ مغامرة نحو المجهول وتجربة وموهبة. روايتي السابقة «نوافذ زرقاء» ترصد حرب الاستنزاف (1967-1973), وهي مرحلة خطيرة في تحوّلات مصر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً, وفازت الرواية بالمركز الثالث على مستوى الجمهورية المصرية في أدب الحرب على رغم أنها لا تتناول الحرب بشكل مباشر, وفكرتها الأساسية أن الحرب لم تنته بعد وأنها موجودة في الصراعات الصغيرة اليومية.
ألا يتّسم بعض أعمالك بخصائص الأدب النسائي التي تعبّر عن قضايا المرأة؟
التجربة الإبداعية في رأيي لا تفرق بين رجل وامرأة، والخبرة والثقافة والتجارب هي التي تحدد قيمة الأديب سواء كان رجلاً أو امرأة. بعض الكتاب الرجال كتب عن المرأة بشكل جيد, مثل ألبرتو مورافيا في رواية «امرأتان» وتولستوي في «أنا كارنينا», ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وطه حسين وغيرهم. وثمة كاتبات عبّرن عن المرأة وقضاياها مثل أمينة السعيد وصوفي عبد الله ووفية خيري وغيرهن.
ربما تتفوّق المراة على الرجل في رصد بعض التفاصيل مثل عملية الولادة والأمومة, الإحساس العميق بمشاعر خاصة, لكن ذلك كله مرهون بتجربة الكاتبة الإبداعية وخبراتها، لأنه من الجائز أيضاً أن يدخل كاتب في تجربته الإبداعية إلى مناطق تتعلق بالمرأة إذا اتسعت تجاربه. المحصّلة أن الأدب لا يخضع لجنس معين، بل لثقافة وخبرة وموهبة.
لماذا يؤرق هاجس الفقدان مشاعر أبطال روايتك؟
لأننا نعيش هذا الفقدان, فقدان الحرية وتحقيق الذات والحب والحلم. هذا هو الواقع الذي نعانيه, والشباب يعيشون في ظروف غاية في السوء، اللهث وراء لقمة العيش وارتفاع سن الزواج وتكاليف السكن والبطالة. مسألة الفقدان لا تنفصل عن النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ما دلالة تحرر مملكة الجن من الفساد والظلم بعد حرقها, فيما مملكة الإنس لم تتحرر؟
في الإنسان الخير والشر, عندما نصف شخصاً ما بالشر نقول عنه ابن أبالسة, ومملكة الجن ترمز إلى عنصري الخير والشر والصراع بينهما داخل النفس البشرية. مملكة الجن واقع افتراضي، يمكن من خلاله تحقيق الافتراض وهو الحلم والحرية, لكن على مستوى الواقع لا تتحقق الأحلام غالباً, وهذا ما حدث في الرواية.
يترواح أسلوب الرواية بين تكثيف جميل تارة واستطراد طويل تارة أخرى.
كلما اقتربت المشاهد من المشاعر الخاصة تأتي اللغة أكثر شاعرية, وحينما تقترب المشاهد من القلب وتتعرض الشخصيات للظلم تأخذ اللغة منحنى ورؤية أقرب إلى الفلسفة, أما تفاصيل الواقع فهي أقوى بكثير من لغة الشعر، ولا بد من سردها كما هي.
الموضوع هو الذي يفرض لغته, لتبدو الأخيرة تقريرية تصف الواقع والأخبار والحياة أحياناً، وشاعرية تصف الروح أحياناً أخرى، وبالتأكيد ثمة استطراد في بعض المناطق. والسؤال، هل الرواية تتحمل هذا الاستطراد ولا تؤثر على مسار الرواية أو بنائها الفني؟
النقد، هل يفيد الكاتب أم يضرّه؟
أقدر النقد سواء جاء سلبياً أو إيجابياً، وشخصياً أرى أنه يطورني كثيراً. وشخصياً أهتم بالنقد السلبي أكثر، لأنه يضيف إلى فكري ويعرفني بأخطائي, فليس من كاتب مثالي. والعمل الأخير بالنسبة إلي كما أول عمل, أشعر دائماً أنه ميلاد ومغامرة جديدة.
ماذا أضاف إليك عملك كمترجمة للغة الفرنسية؟
عملت كمترجمة للإذاعة المصرية, ومنذ سنوات تخصصت في ترجمة أدب الأطفال فترجمت مختارات من الشعر الفرنسي الخاص بالطفل مثل «بندقية حواديت شعبية» وغيرها. بداية، لم تأخذ الترجمات حظّها من الانتشار, ثم أصبحت لأدب الأطفال مكانة واسعة, حتى أن بعض الناشرين يهتم بكتاباتي للطفل.
لماذا الاهتمام بأدب الأطفال؟
لأنني قرأت كثيراً في الأدب الغربي ورأيت أنه يهتم بالطفل ولغته وآدابه. وأعتقد أن الغربيين يتقدمون لأنهم يهتمون بالأساس والمستقبل, أي الأطفال, وبذلك تقوم الدولة على أسس سليمة.
تُرجم بعض أعمالك إلى لغات مختلفة.
نعم، تُرجم بعض أعمالي إلى الألمانية والإنكليزية والفرنسية والإيطالية, وآخر ترجمة قامت بها الباحثة الأميركية مارلين نوث، التي اختارت 35 قصة قصيرة من مجموعاتي القصصية «النورس» و{دنيا صغيرة» و{نخب اكتمال القمر»، ونشرتها في كتاب واحد بعنوان «أبناء الماء»، ودرّسته لطلبتها في الجامعة.
المصدر: www.aljarida.com