التاريخ الاجتماعي للوسائط من غتنبرغ إلى الأنترنت
الكتاب : التاريخ الاجتماعي للوسائط ، المؤلفان : آسا بريغز- بيتر بروك ترجمة : مصطفى محمد قاسم ، الناشر : عالم المعرفة- الكويت 2005 عرض : م. حواس سلمان محمود
أيعد هذا الكتاب من تلك النوعية من الكتب التي تسمى وفق المصطلح الغربي " قصصا كبيرة " إذ يعرض الكتاب – بين سطوره – لقصة الحضارة الغربية برمتها تلك الحضارة التي قامت في الأساس على التقدم التكنولوجي ، في صميمه تكنولوجيا الاتصالات والوسائط ويعرض الكتاب – بصفته هذه – لقصة الوسائط ووسائل الاتصال على طولها منذ اخترع غتنبرغ الطباعة ، وما قبلها إلى آخر ابتكارات عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، وعالم الوسائط مرورا حتى بوسائل النقل المادي ، إذ آثر على نفسه ألا يترك شيئا ، وجاء مع ذلك كتابا جديرا بالقراءة ، عميقا في الفكر والمعالجة ، وهي قصة تتخللها السياسة والدين والاقتصاد والاجتماع والفلسفة والتعليم وعلم النفس والفن ... الخ
إلى جانب التكنولوجيا والتاريخ بالطبع ، يفند الكتاب بين سطوره كل المفاهيم والنظريات التي راجت عالميا وعربيا ومن أهمها " مجتمع المعلومات " و " عصر التكنولوجيا " و"الانفجار المعلوماتي " و" ثورة الاتصالات " بردها إلى السياقات التي نشأت فيها ويؤكد الكتاب على استبعاد مفهوم " الثورة " من عالم الوسائط وتكنولوجيا الاتصال ، ويعتبر التحول الراهن ما هوإلا نتيجة طبيعية لعملية تراكمية وتدريجية ، وتداخل العوامل والتأثيرات في صناعة ما آل إليه العالم المعاصر ، وتلك هي الرسالة العامة للكتاب ، وضع الوسائط في التاريخ ووضع التاريخ في الوسائط إن التناول التاريخي والاجتماعي للوسائط وتكنولوجيا الاتصالات
فضلا عن ذلك يمثل أهمية كبيرة ، ليس للمشتغلين بهذه الفروع وطالبي المعرفة فحسب لرؤى المجتمعات ككل وفلسفتها ونظرتها إلى التقدم والتكنولوجيا يركز الكتاب الذي بين يدينا على الغرب الحديث من أواخر القرن الخامس عشر فصاعدا وتبدأ القصة بالطباعة ( حوالي 1450 بعد الميلاد تقريبا ) وليس بحروف الهجاء ( حوالي 2000 قبل الميلاد ) أو الكلام ، وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة التي غالبا ماتنسب إلى " جوهان غتنبرغ " ( حوالي 1400-1498 ) الذي صوت له قراء صحيفة بريطانية أخيرا باعتباره " رجل الألفية " ( صنداي تايمز ، 28 فبراير 1999 ) فإنه ليس ثمة حد فاصل أونقطة صفر واضحة تبدأ القصة عندها وعلى خلاف ذلك سيكون من الضروري ، في بعض الأحيان أن نشير إلى فترات تاريخية أعمق ، إلى العوالم القديمة وعوالم القرون الوسطى ، صحيح أن الاتصالات في تلك الأيام لم تكن فورية لكنها وصلت بالفعل إلى كل أقطار العالم المعروف تاريخ القراءة :يرى الكتاب أن هنالك خمسة أنواع للقراءة تستحق اهتماما خاصا :
القراءة الناقدة والقراءة الخطرة والقراءة الإبداعية والقراءة المكثفة والقراءة الخاصة 1- القراءة الناقدة : إن التفسيرات التقليدية لتأثيرات الطباعة تؤكد ظهور القراءة الناقدة بفضل زيادة فرص مقارنة الآراء المتنوعة حول الموضوع نفسه في الكتب المختلفة
2- القراءة الخطرة : كانت أخطار القراءة الخاصة تناقش على نحو متكرر في ذلك الوقت وبصرف النظر عما إذا كانت القراءة تعمل بوصفها مهدئا ، كان المعاصرون ينظرون إليها أحيانا على أنها نشاط خطير خاصة عندما تمارسه جماعات خاضعة كالنساء والعامة
3- القراءة الإبداعية : إن الوقوف على مدى انتشار القراءة الإبداعية يتطلب فحصا من نوع مختلف ، كانت معاني النصوص من الموضوعات الجدلية الرئيسية في الدراسات الأدبية في العقد الأخير من القرن العشرين
4- القراءة الكثيفة : يعد " مينوكو " مثالا للقارئ الكثيف الذي يعيد قراءة عدد قليل من النصوص ويعيد التفكير فيها ، وهو أسلوب في القراءة كان يميز القرون الأولى للطباعة وكذلك عصر المخطوطات الذي سبقها ، ومع ذلك هناك من يحاولون تأكيد أن أواخر القرن الثامن عشر شهدت " ثورة قراءة " أي تحولا تجاه ممارسات التصفح والاستعراض والقراءة السريعة في أثناء مراجعة الكتب بحثا عن المعلومات المتعلقة بموضوع معين
5- القراءة الخاصة: يحتمل مع ذلك أن تحولا في الأهمية النسبية لأسلوبي القراءة هذين قد حدث نتيجة للاتجاه نحو خصخصة القراءة ، فعلى أي حال تغير قطع الكتب بطرق سهلت عمليات التصفح والاستعراض ، كما أصبحت النصوص تقسم إلى فصول والفصول إلى فقرات ، وجاءت الملاحظات المطبوعة في الهوامش لتلخص الرسالة التي يريد كل جزء أن ينقلها ، وعملت جداول المحتويات والفهارس المفصلة المنظمة وفق الترتيب الأبجدي على مساعدة القراء الذين يبحثون في عجالة عن معلومات معينة ، إن خصخصة القراءة ينظر إليها غالبا كجزء من نشأة النزعة الفردية وكذلك التوحد أو " التعبئة النفسية " كما يسميها عالم اجتماع الوسائط " دانييل ليرنر " في كتابه " موت المجتمع التقليدي " 1958
الكتاب سياحة ثقافية – تقنية / اجتماعية في عصور متتالية متعاقبة لرصد التطور التدريجي والموضوعي للوسائط ، اعتبارا من غتنبرغ مرورا بالبخار والكهرباء والحاسوب والتلفاز وانتهاء بعصر الفضاء والأنترنت " الواقع الافتراضي " أو " الفضاء الرمزي " وتجدر الاشارة إلى محاولة مؤلفي هذا الكتاب الحفاظ على رؤية منظورية وهو ما يصعب تحقيقه عندما تركزالوسائط على اليوم ( اليوم وغدا ) وعلى الأسبوع وفي الغالب تستبق إلى ما سوف يحدث وليس وصف ما حدث.