تأهبت لمغادرة مكتبي , طويت أوراقي , رن التليفون , قال المتحدث :
- مدير الأمن يريدك
مكتبه يبعد عن مكتبي مسافة قليلة أقطعها فى أغلب الأحيان ماشيا, فى هذه المرة
فضلت الذهاب بالسيارة.
. . .
لم يعرني المدير اهتماما عندما دخلت عليه , كان يكتب شيئا فى ورقة أمامه , وظل
يكتب لم أكن قد رأيته يكتب بنفسه , كان يكتب باهتمام, وعندما فرغ أعطى الورقة
التي كتبها لضابط زميلي , كان يجلس على الكرسي المقابل لي , وعندما واجهتني
عيناه قال :
- مفتش أمن الدولة يريدك .
وسألني زميلي دون أن ينظر فى وجهي عما إذا قد حدث شئ فى عملي يستوجب ذلك ,
أجبته بالنفي .
أمسك الضابط بالورقة التي كتبها المدير وطاف بعينيه عليها واتجه نحوى وقال :
- أنا ذاهب إلى هناك تعال معي ..!
. . .
لم يكن المفتش موجودا فى مكتبه , كان يجلس مكانه وكيله . لم ينهض لمقابلتي
كالمعتاد . !
سبقني إليه الضابط الذي جاء معي , وهمس فى أذنه بكلمات , وأعطاه الورقة , ثم
استدار دون أن ينظر فى وجهي وتركني وخرج ..
لم يطلب منى الوكيل الجلوس كما هو متبع , ولكنني مع ذلك اقتربت منه لأجلس . قال
الوكيل :
- لحظه واحدة ..!
لم أجلس ولكنني انتبهت إليه , وأستطرد قائلا :
فيه عنصر من الجماعات أعترف فى التحقيقات التي أجريت معه أنه أشترى منك ذخيرة
وبندقية آلية . !
لم أفهم فى أول الأمر , غير أن كلماته كانت واضحة ومسموعة ولا غموض فيها , وكان
يتكلم بحياد , ثم سألني فجأة :
- سمعت ؟
قلت مستنكرا :
- اعترف إنه أشترى منى أنا ؟
قال وهو ينظر إلى بعينين متحجرتين :
- نعم .
قلت بعنف :
- مستحيل .
قال بحياد أيضا :
- أنت ضابط كبير , وتعرف حساسية مركزك , وبالطبع أنت لم تقصد , من المحتمل أن
يكون الأمر قد تم بطريقة عفوية , ولكن فى النهاية يجب أن تتعاون معنا .
لم يكن ذلك صحيحا على الإطلاق , ولم يحدث أن عرفت السلاح الآلي خارج تبة ضرب
النار والتدريب أو العمليات التي نكلف بها , ولم أتمكن من النطق .!
استعجلني الوكيل بغلظه لا تتناسب مع حياده السابق وقال :
- أنطق .
وهيمن على سكوت غير مقصود , وكنت فعلا عاجزا عن الكلام , قال :
- أنت تعرف أن لدينا وسائل حديثه للاستنطاق , وهى وسائل مجربة . !
وكنت أعرف ذلك , غير أنني لم أجد عندي ما أقوله .
رن التليفون على مكتبه . رفع السماعة وعيناه تنظران نحوى , وكان ينصت إلى محدثه
فى الناحية الأخرى . وكان يزوم بصوت يخرج من أنفه , ثم نظر نحوى وقال لمحدثه :
- لا .لا اتركوها ترتدى ملابسها , فهي على كل حال زوجة ضابط وزميلنا فى نفس
الوقت , اتركوها ولا تحضروها . !
أنفتح الباب عن ضابط يعرفني وأخذ ينظر نحوى وقال للوكيل :
- أتركه وسينطق فى هناك .
ثم دخل بعده اثنان , سارا نحوى , تقدم أحدهم منى ولف حول عيني عصابة من القماش
الثقيل , وأحكم رباطها , وقادني للخارج .
قادوني إلى الصندوق الخلفي لسيارة وأغلقوا على الباب من الخلف , وكنت أعرف أنها
السيارة المخصصة لترحيل المتهمين اللذين يخشون هروبهم . !
. . .
بعد زمن لم أعرفه توقفت السيارة , وعرفت أننا وصلنا للقاهرة , امسكني أحدهم من
يدي وقال :
- تعال خلفي .
وسحبني عبر ممرات كنت أستنشق خلالها هواء منعشا لا يصدر إلا عن أجهزة تكييف ,
وكنت أحيانا أشم هواء فاسدا , وشعرت بضيق فى صدري , ولم تكن بخاخة الربو معي ,
لم أتمكن من إحضارها , وبدأت أشعر ببوادر الأزمة الصدرية .
. . .
أوقفني فى غرفة ساخنة الهواء وقال :
- اجلس .
تركت مؤخرتي تنزل ببطيء . وظلت تنزل , كان الكرسي بعيدا , اكتشفت أنه لا يوجد
كرسى , وظلت مؤخرتي تنزل حتى لامست الأرض , شعرت بالارتياح , وقال محدثي :
- انهض . انهض .
نهضت بسرعة . وسمعته يقول :
- اخلع ملابسك أولا , ثم اجلس .
كان الهواء باردا فى صدري , وبدأ تنفسي يتحول إلى مواء قط , وكان جسدي ينز عرقا
, لم تكن للمعارضة جدوى , وخلعت القميص , ثم الفانلة , ولم أعرف أين أضعهما ,
ولم أشأ أن القيها على الأرض وعليها علاماتي العسكرية , وفاجأتني ركلة فى بطني
, كانت قاسية . انحنيت متألما , قال نفس الصوت بحياد وكأنه لم يركلني :
- كلامي واضح .
, لم أنطق , ألقيت ملابسي على الأرض , تحول مواء القط إلى زومان كلب
أحسست برقبتي تغوص بين كتفي مع كل شهيق , وخلعت كل ملابسي . كنت فقط أريد أن
أعرف رتبة محدثي . قال :
- شريكك أحضرناه .
شعرت بيديه تعبثان بالعصابة على عيني وفكها .. !
أحسست أنني أهوى إلى قاع سحيق , ولا خلاص من انزلاقي الرهيب إلى قاعة المظلم
إلا بالصبر , وكنت أعرف أن هناك أمورا يتم تلفيقها للآخرين للزج بهم إلى تلك
الهوة . ولم أكن أدرى أنني أنا المقصود
. . .
مرت لحظات كان الصمت خلالها قاسيا وله سطوة وجبروت, وكنت أشعر باقتراب خطر داهم
لا مجال لرده .وقال الصوت :
- أنهض .
لم أعرف ما إذا كنت نائما أو جالسا أو منكفئا على الأرض . كرر الشخص كلامه
وأضاف:
- أنهض يا باشا . !
ونهضت .
وكان صوته صادقا وفيه إحساس بالأسف والندم , وقال :
ثمة خطأ فى الاسم ونعتذر .