المصدر: مرافئ
أصبح أمراً عادياً الحكم على أحد بتهمة الكفر والإلحاد، وقد كثر مؤخراً عدد المتهمين بالكفر من المثقفين والمبدعين المصريين والعرب، مما اضطر البعض الى ترك وطنهم والإقامة في المنفى هرباً من التطرف والإرهاب الفكري الذي يمارس ضد إبداعهم وضدهم شخصياً بالدرجة الاولى، وهناك أيضاً من تم اغتياله على يد الجماعات المتطرفة..فالتكفير هو قول صريح بهدر دمهم ودعوة واضحة لاغتيالهم!! من حق أي أحد إبداء رأيه في أي عمل إبداعي وتحليله ومناقشته بينما ليس من حق أي أحد الحجر أو الوصاية على فكر الآخر وإتهامه بالكفر والالحاد..
ويكفيك أن تسمع جملة "فلان مرتد عن الدين الاسلامي بسبب أفكاره" لتبدأ بالتساؤل هل أعطى الاسلام أي أحد السلطة للوصاية على فكر الناس؟؟ ومن الذي قرر بأن الجهة الفلانية الدينية -أيًا كانت- هي جهة موثوق بها وبفتاويها؟؟ ومن أعطاها هذه القدسية؟؟ والشخص الذي يصدر هذه الفتاوي هل هو معصوم عن الخطأ!! أليس هو من بني البشر!! . ومن قال إن ما يجتمع عليه من قرار أو فتوى هو أمر مقدس ويجب تطبيقه؟؟ وإذا ذهبنا الى الشكليات والمظاهر الدينية التي يتمسك بها البعض مؤخراً أكثر من أي أمر آخر.. نتساءل هل كل من ارتدت حجاباً وكل من أطلق لحيته أصبح متديناً ومسلماً؟؟ الاتهام بالكفر والالحاد يقتل الابداع ويحد بل ويلغي التفكير.. يقضي على سمة حضارية ألا وهي الحوار والنقاش الذي نفتقده في معظم مجالات حياتنا!! عند قراءة بعض الكتب والمقالات التي تناولت شخصيات مبدعة اتهمت بالكفر تجد أن معظمهم تميز بغزارة إنتاجه الابداعي.. بغض النظر إختلفنا أو اتفقنا مع أفكارهم.. فهم نتاج تجربتهم.. نتاج ظروفهم الاجتماعية والسياسية.. ولكن يكفيهم بأنهم حاولوا... وفكروا.. بذلوا جهداً للتفسير والتحليل لتقديم إبداعهم.. جميعهم انشغل بالبحث العلمي.. أما ما يثير الاستغراب هو إنشغال البعض في تصميم مواقع على الانترنت أو تأليف كتب وتقديم رسائل أكاديمية لتكفير الاخرين!! . فعلى سبيل المثال كتاب "الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها" للدكتور سعيد بن ناصر الغامدي صدر عن دار الاندلس عام 2003، أصل الكتاب هو رسالة مقدمة الى كلية أصول الدين قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية للحصول على درجة الدكتوراة!! كفر المؤلف من خلاله أكثر من 200 مبدع ومفكر وكاتب من مختلف الدول العربية ويقع الكتاب في 3 مجلدات!!! . والسؤال الذي يطرح نفسه.. ما مدى الاستفادة من كتاب من هذا النوع؟؟ ماذا أضاف للانتاج الانساني وللتقدم العلمي أو حتى للبحث العلمي!! برأيي لم يُضِف الا تطرفاً وإرهاباً فكرياً ووصاية على العقل!! وعلى سبيل المثال لا الحصر هناك العديد من المثقفين والمفكرين الذين تم اتهامهم بالكفر والالحاد إبتداء من الاديب طه حسين، وسيد قطب، نجيب محفوظ، د. نصر حامد أبو زيد، فرج فودة، والطبيب المفكر مصطفى محمود الذي تفرغ للكتابة والبحث بعد دراسته للطب، وله نحو 90 مؤلفاً في مجالات مختلفة، كما كان له برنامجه التلفزيوني الشهير العلم والايمان، ومن مؤلفاته حوار مع صديقي الملحد، لغز الموت، لغز الحياة، اينشتين والنسبية، علم نفس قرآني جديد، الله والانسان، رحلتي من الشك الى الايمان، قراءة للمستقبل، الاسلام ما هو؟ ماذا وراء بوابة الموت، والسيناريست أسامة أنور عكاشة الذي قدم أحد المحامين بلاغاً ضده يتهمه فيه باحتقار الطوائف على أثر انتقادات عكاشة للصحابي عمرو بن العاص، كما طالب بتفريقه عن زوجته باعتباره مرتداً عن الاسلام، على الرغم من ان الانتقادات التي وجهها عكاشة تناولت الجانب السياسي في حياة عمرو بن العاص الا إنهم اعتبروه يهاجم رمزاً من رموز المسلمين وبذلك يصبح مرتداً عن الاسلام!!. أما د. نوال السعداوي لجأت مؤخراً الى بلجيكا فراراً من حملات التكفير والتهديد... وكتب عنها الزميل "نبيل شرف الدين" مقالاً مطولاً بعنوان "السعداوي تختار منفى آمناً"، وسناء المصري التي تم تكفيرها بعد نشر كتابها "خلف الحجاب" الذي صدر عام 1989 وصودر عام 1992. إضافة الى لويس عوض، د. محمود اسماعيل، أحمد الشهاوي، تركي الحمد، نزار قباني، جهاد علاونة، فرح انطوان، غازي القصيبي، عبد العزيز المقالح.... وغيرهم الكثير. نستعرض هنا نبذة من حياة بعض المفكرين والمثقفين الذي اتهموا بالكفر بسبب أفكارهم ومؤلفاتهم التي أثارت جدلاً واسعاً... منهم من رحل عنا ومنهم من تم إغتياله ومنهم من اختار المنفى.. إلا إن مؤلفاتهم... باقية!!. **طه حسين:- أديب وناقد ولد عام 1889 في الصعيد ودرس في جامع الازهر وحصل على الدكتوراة من جامعة الاداب، كما درس في جامعة السوربون في فرنسا. تولى إدارة جامعة الاسكندرية ومن ثم وزير المعارف، كان يدعو الى العقلانية والاستقلال في الرأي، والتحرر في البحث الادبي، وهوجمت أفكاره بشدة خصوصاً بعد عودته من فرنسا. كانت أولى وكبرى معاركه الفكرية من خلال كتابه "في الشعر الجاهلي" الصادر سنة 1926، الذي استخدم به المنهج العقلي في البحث والدراسة، فبدا وكأنه يمس بالدين والقرآن الكريم، ما أدى الى وقوفه أمام النائب العام بتهمة التعدي على القرآن الكريم والدين الاسلامي، ولكنه نجا منها بحكمة النائب العام الذي اعتبر بعد التحقيق معه أن العبارات التي استخدمها طه حسين في كتابه، "انما اوردها في سبيل البحث العلمي لاعتقاده أن البحث يقتضيها"، من مؤلفاته دعاء الكروان، البؤس، المعذبون في الارض، حديث الاربعاء، مستقبل الثقافة في مصر. **سيد قطب:- كاتب ومعارض من حركة الاخوان المسلمين، تمحورت كتاباته حول بناء الحضارة الاسلامية فاثارت جدلاً واسعاً في الاوساط الفقهية، على أثر هذه الكتابات أصدرت الجماعات السلفية فتوى تقول إن كتبه من البدع!! كما كانت الدولة ترى فيه محرضاً على الفتنة والتخريب!! . درس في دار العلوم وعمل مفتشاً للمرحلة الابتدائية. كان متأثراً بافكار عباس محمود العقاد اضافة الى حبه الشديد للادب العربي. انضم الى جماعة الاخوان المسلمين وعمل معهم في قسم الدعوة، قبض عليه وحكم بالسجن لمدة 15 عاماً في عهد الرئيس عبد الناصر على أثر محاولة اغتيال عبد الناصر في المنشية، أثناء فترة سجنه أكمل كتبه في ظلال القران، معالم في الطريق، المستقبل لهذا الدين، وقد تم إعدامه عام 1966. من مؤلفاته كتب وشخصيات، النقد العربي اصوله ومناهجه، التصوير الفني في القران، العدالة الاجتماعية في الاسلام، هل نحن متحضرون؟ وظيفة الفن والصحافة، التصوير الفني في القرآن، مشاهد القيامة في القرآن، كيف وقعت مراكش تحت الحماية الفرنسية؟. **نصر حامد أبو زيد:- د. نصر حامد أبو زيد مفكر وباحث فى علوم القرآن والتفسير، تفرغ للبحث العلمي حول نقد القراءة التقليدية للنص الديني والدعوة الى تفسير علمي واضعاً إياه في سياقه التاريخي، كتاباته تدعو الى منع استغلال السياسة للدين، كما هو الحال في العديد من الدول العربية، يعمل أستاذا للدراسات الإسلامية في جامعة لايدن في هولندا منذ عام 1995، بعد ان اختار الاقامة هناك منذ 11 سنة، أثارت كتاباته ضجة إعلامية فى منتصف التسعينات، فقد أتُهم بسبب أبحاثه العلمية بالارتداد والإلحاد، عندما قدم أبحاثه "نقد الخطاب الديني" للحصول على درجة استاذ في حينها تكونت لجنة من اساتذة جامعة القاهرة ومن بينهم د. عبد الصبور شاهين واتهمه بالكفر. وقدم أحد المحامين بلاغاً للتفريق بينه وبين وزوجته د. ابتهال يونس الأستاذة في الأدب الفرنسي، واصدرت المحكمة حكمها بالتفريق بينهما مما اضطره الى ترك مصر والاقامة في هولندا. كتب د. نصر العديد من المقالات في مجلات عربية وانجليزية اضافة الى كتب عديدة منها فلسفة التأويل، دراسة في علوم القرآن، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، التفكير في زمن التكفير. **فرج فودة:- أثار كتابه "الحقيقة الغائبة" غضب الجماعات الاسلامية وتم اغتياله عام 1992 أثناء خروجه من مكتبه. تناولت كتاباته فصل الدين عن الدولة والدفاع عن حرية الفكر والعقيدة وحقوق الاقليات، افكاره اثارت جدلاًَ واسعاً بين المفكرين ورجال الدين. وكانت آخر معاركه الفكرية في المناظرة التي تمت في معرض الكتاب عام 1992 وصرح فيها أنه ضد فكرة إقامة دولة إسلامية او تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد، وعقدها ود. محمد أحمد خلف الله في مواجهة الشيخ محمد الغزالي والمستشار مأمون الهضيبي ود. محمد عمارة، هذه المناظرة اثارت غضب الكثيرين وخصوصا من التيار الديني. والجدير بالذكر انه حصل على ماجستير العلوم الزراعية ودكتوراة الفلسفة في الاقتصاد الزراعي من جامعة عين شمس. **نجيب محفوظ :- تم نشر رواية أولاد حارتنا لاول مرة في صحيفة الاهرام لمدة 3 أشهر عام 1959 وبعدها منعت من النشر فقد اعترض عليها شيوخ من الازهر وشنت الحملات الصحافية ضد محفوظ آنذاك وتوالت حملات التكفير بأنه يتعرض إلى الذات الالهية والأبنياء، فالرواية تمثل جرأة على الله وأنبيائه... وهي الحملات التي مهدت لمحاولة اغتياله عام 1994 واقعدته عن الكتابة لفترة طويلة.. ولكن تم نشر الرواية بعد رحيل محفوظ وتعتبر الان من أكثر الروايات مبيعاً.