حين يهبط الليل بثقله، تُسكب الحكايات على وجه القمر كعجين ينتظر أن يُخبز بنار الشوق.
يتسلل الحنين كخبازٍ ماهر، يُطعم أرواحنا رغيفًا من الذكريات، نصفه دفء، والنصف الآخر وجع.
نقتسم الصمت كأننا شركاء في مائدة الغياب، نغمس أنفاسنا في كوبٍ من الانتظار، ونرشف الوقت على مهل.
فمن يجرؤ على كسر عجينة الحلم وهي تنتفخ تحت وهج الساعات الطويلة؟
يا ليل، أعطنا من ظلك غطاءً، ومن نجومك خبزًا، لعلنا نشبع ولو لحين، حتى يشرق الصباح على جوعٍ جديد.
رغيف الليل لا يُشبع، لكنه يعلّمنا أن الجوع هو سر الحياة، وأننا نخبز أرواحنا لنطعمها من وهمٍ جميل كل مساء.
نمدّ أيدينا إلى فتات الضوء المتساقط من نافذة القمر، نجمعه كمن يلتقط حبات القمح في آخر الحصاد.
نرقّ العجين بأحلامنا، نرشه بأنفاس الانتظار، ثم نتركه يختمر على نار الشوق المتقدة في صدورنا.
لكن، كم مرة انتظرنا أن ينضج الخبز ولم ينضج؟
كم مرة فتحت أرواحنا التّنور ولم نجد سوى الرماد؟
ليلٌ بعد ليل، نقف أمام موائد الغياب، نمضغ الذكرى ككسرة خبزٍ يابسة، ونشرب الحنين كمن يحتسي مرارة القهوة في الفجر البارد.
ومع ذلك، لا نتوقف عن العجن والخبز، كأننا موعودون بجوعٍ لا ينتهي، وكأن الشبع خطيئة لا نجرؤ على ارتكابها.
أيا ليل، اخبز لنا حلمًا هشًا، طريًا، لا ينهار تحت وطأة الانتظار.
اعجن لنا صبحًا دافئًا، لا يذوب على شفاه الأمل كسرابٍ يهرب مع أول خيطٍ من النور