The new Year Festival of Babylon and it's connection to Nawroze and Banja

أعياد الخصب والعودة للحياة
يوسف الناصر
الجزء الاول  
تعتبر بوابة عشتار وشارع الموكب أهم قطعتين أثريتين يمتلكهما متحف ( بيرغمون ) في ألمانيا ، وهو يفتخر عادة بتقديمهما على انهما " أشهر بوابة وشارع مواكب في العالم " . واتبط اسم الاثرين البابليين بتاريخ مملكة بابل وعظمتها ودورها في التاريخ القديم . وبالاضافة الى جمالهما الخاص وروعة هندسة البوابة ، خصوصا ،  واحتوائها على نقوش غاية في الدقة والتناسق وجمال الالوان حتى بمقياس الزمن الحاضر ( أي بعد حوالي خمسة الاف عام على بنائها) وصور ونحوت بارزة لحيوانات وأشجار صُنع معظمها من الفخار المزجج والملون . الا أن الأثرين دخلا التاريخ لارتباطهما بالدرجة الأولى بأحتفالات بابل الدينية حيث كان يمر بهما موكب الملوك والكهّان ايذانا بمولد الربيع وبدء العام الجديد .
من اجل اعداد هذه المادة استعنت بعدد من المصادر اهمها كتاب ( بوابة عشتار ، شارع الموكب ، احتفالات السنة البابلية الجديدة )  The Ishtar Gate , The Processional way , The new Year Festival of Babylon ، وهو من تأليف يواكيم مارزان Juachim Marzahn  ، وباللغة الانكليزية . وهو كتاب مكرس للاثرين البابليين من بين مطبوعات كثيرة تصدرعن متحف البيرغامون  وتاخذ اشكالا مختلفة كدراسات وكتب ومطويات وصور وخرائط .
يستعرض الكتاب تاريخ بناء الأثرين ودورهما في حياة المملكة ثم قصة اكتشافهما ونقلهما الى المانيا على شكل الاف من قطع الحجارة والسيراميك الصغيرة والتي جرى تجميعها بصبر وعناية على مدى اشهر طويلة من قبل خبراء المتحف وباحثيه ، وكيف اعيد بناؤه بحجمه الطبيعي في جناح خاص بالمتحف .
ولعل الجزء الاكثر تشويقا في الكتاب هو الذي يبحث في ارتباط الأثرين بالأحتفالات البابلية ، الأمر الذي يعطيهما أهمية اضافية . ومن الواضح ان البوابة والشارع بُنيا في الأصل للعب دور في تلك الأحتفالات ، حيث أن زخرفتهما ورسومهما وضعت بناء على ذلك الدور .
ومع أن الأثرين لابد وأن يكونا نتاج تقليد معماري طويل ، أو انهما اصبحا في ما بعد أثرا معماريا يجري تقليده في أبنية أخرى ، الّا انه لم يتم اكتشاف اي اثر مشابه لهما حتى الان ، لا قبلهما ولا بعدهما .

Berlin Pergamon Museum Processional Way
ولكي يتم التعرف على اهمية البوابة والشارع لابد من استعراض أيام وطقوس الأحتفالات الدينية البابلية واحتفالات السنة الجديدة التي هي بدورها كانت وليدة نظام اجتماعي وسياسي وديني سار عليه المجتمع البابلي وربما المجتمعات المجاورة لبابل وانتقل الى بقاع كثيرة من العالم وفي مراحل لاحقة.
 فبينما كانت السنة البابلية الجديدة تبدأ من اواخر شهر اذار في بداية فصل الربيع عندما تعود الارض الى الحياة في فترة اعتدال الوقت فان هذا النظام وصل الى أماكن بعيدة عن بابل ، ففي انكلترا مثلا كانت الاحتفالات بالسنة الجديدة حتى عام 1712 تتم في السادس والعشرين من شهر اذار من كل عام ، وهو ما يقارب التوقيت البابلي ، وفي فرنسا تبدا السنة الجديدة في فترة اعياد الفصح حتى عام 1556 ( ويبدأ الحساب لها عادة من اواخر شهر اذار وقد تصل الى اواخر شهر ابريل ) ، وكذلك في المانيا أيضا كانت الاحتفالات بالسنة الجديدة تجري في وقت قريب من التوقيت البابلي حتى عام  1776.
وهنا لابد من الاشارة الى الطريقة التي تمكن البابليون بواسطتها من تثبيت مواعيد الاحتفالات في نفس الوقت من كل عام مع اعتمادهم التقويم القمري ، حيث كانت السنة البابلية مقسمة الى اثني عشر شهرا قمريا ،في بداية الالف الثالث قبل الميلاد ،  ولان التقسيم القمري لا يتطابق عادة مع دورة الطبيعة فغالبا ما تنتهي السنة القمرية قبل نهاية السنة الشمسية ، لذلك عمد البابليون في الجزء الاخير من الأاف الثالث ق.م. الى اضافة الاشهر الكبيسة ، وكانت تصدر ارادة ملكية بذلك كل عام ، وكان الشهران السادس والثاني عشر كلاهما يحتمل ان يكونا شهرين كبيسين او ان يتم اختيار احدهما تبعا للحاجة .
كانت السنة البابلية تبدأ في الاول من ( نيسانو) ( نيسان في التقويم الحالي) وتنتهي في الثلاثين من ( أدارو) ( آذار حاليا) وهو الشهر الاخير ، ويقع بينهما أيارو، سيمانو، دو أوتسو، آبو، أولولو، تشرينو، آراسمنا، كسليمو، تبتو، وسباتو.
ارتبطت احتفالات بابل الدينية في النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد باحتفالات راس السنة الجديدة التي تبدأ في نيسانو ، كما ذكرنا ، وهي تستمر عدة ايام وتشغل المعابد الرئيسية التي لايزال بعض اثارها يشهد على ذلك. وكانت الاحتفالات الدينية تدعى ( أكيتو Akitu ) واحتفالات رأس السنة الجديدة ( زاكَمكّو Zaqmukku ) .
تعتبر احتفالات السنة الجديدة تعبيرا عن الابتهاج بالسنة الزراعية المقبلة واعطاء الارض والدولة مباركة الالهة التي من شأنها ان تزيد خصوبة الارض وتعزز ازدهار الدولة ، ولعل اهم اهداف تلك الاحتفالات هو الحصول على مباركة ( مردوخ) كبير الالهة ، وكان على الملك ان يلعب دورا بارزا في الاحتفال الذي لا غنى عنه لتجديد قوة الدين وهيبة الدولة ، حيث كان من واجبه ان يخطب ود مردوخ كل عام ويطلب رحمته بأسم مملكة بابل .
من الملاحظ هنا ان مواعيد الاحتفالات البابلية تتفق مع مواعيد احتفالاتنا الحالية بالسنة الجديدة اعياد النوروز وعيد -البر ونايا - البنجة - عيد الخليقة العلوي عند الصابئة المندائية ويقع حوالي منتصف شهر آذار وهو ذكرى الخلق وتكوين عوالم النور والأرواح الأثيرية الأولى ( للمزيد افتح الرابط المرفق)، كما انها تحدد انتهاء الدورة الاقتصادية للسنة الفائتة مع بداية موسم الحصاد للسنة الجديدة ، اي نهاية سنة مالية وبداية سنة جديدة، وهو النظام الذي لايزال متبعا في معظم دول العالم الى اليوم ، حيث يقوم مواطنو المملكة باحضار ما بذمتهم من ضرائب وحقوق مالية وعينية الى مركز الدولة في بابل وتسليمها الى ممثلي الملك واستحصال صكوك براءة الذمة بانتظار السنة المالية الجديدة .

Ishtar Gate processional way
 تبدأ الاحتفالات في اليوم الاول من نيسانو ويجري الجزء الاهم منها في معبد ( ايساكيلا Esagila ) ومعبد ( أتيمنانكي Etemenanki ) ، وكانت المسيرة الاحتفالية تمر خلال المدينة الى معبد السنة الجديدة في التاسع من نيسانو وتنتهي في الحادي عشر منه بعودة تماثيل الالهة الى مدنها ومواقعها الاصلية حيث تنتهي الاحتفالات .
وعثر المنقبون على الواح كثيرة تتحدث عن طرق العبادة وطقوسها وتعطي فكرة جيدة عن احتفالات بابل ، لكنها غير شاملة ويقتصر كل منها على جانب من الاحتفالات . ومن أهم تلك الالواح لوح يصف الأحتفالات منذ اليوم الاول حتى اليوم الخامس من نيسانو ، وباضافته الى نص آخر عُثرعليه في ( أوروك ) ونصوص أخرى وجدت في آشور ونينوى وحرّان نستطيع تكوين صورة شبه كاملة عن طبيعة الاحتفالات . ومع ان بعض تلك الالواح غير مكتمل الا انها تتفق جميعا على ان تقليد الاحتفال بالسنة الجديدة استمر لمئات من السنين .
اليوم الاول : يقتصر العمل بهذا اليوم على التهيئة للاحتفالات بتحضير الاماكن والمواد اللازمة .
اليوم الثاني : قبل نهاية الليل بساعتين يستيقظ كاهن ( الشيشكالو) ( الكاهن الاعظم ) ويغتسل بماء النهر ويدخل حرم المعبد ويقف امام تمثال مردوخ قبل ان يفرش قطعة من الكتان ويرتل الصلاة التالية :
     ( ساشير الى ما سقط من النص بعدد من النقاط بين قوسين )
     أيها الرب ، الذي لا يوازيه احد في غضبه .
     أيها الرب ، الملك الرحيم ، ملك الارض .
     ألذي جعل من الالهة العظيمة صديقة للانسان .
     أيها الرب الذي يسقط الجبابرة بنظرة عابرة .
     يا رب ( ... ) الملوك ، نور البشرية ، يا مقسّم الأرزاق .
     ( .... )
     ( .... )
     أيها الرب ، يا من ترى كل شيء .
     يا من بوحيك تثبت وحي غيرك من الارباب .
    وبنظرة منك تنزل ( علينا ) الشرائع .
    وبيديك ( ... ) تغلّ ( ... ) الجبابرة .
    وبنظرة منك تمحضهم الرحمة .  
    تريهم النور ( و) سيتحدثون عن قوتك .
    يارب البلاد، يا نور الهة ال ( أكيكو ) الذين يتحدثون عنك بمودة .
    من هناك من لا يذكر قوتك .
    من ذا لا يشير الى عظمتك ، ولا يعظّم قدرك .
    يا رب البلاد الذي يقطن معبد ( يودل ) ويمسك بعطف ايدي المذنبين ،
    امنح مدينتك بابل رحمتك .
    الى ( أسكيلا) أدر وجهك .
    الى البابليين المواطنين ذوي الحظوة أعط الحرية .
بعد نص الصلاة يذكر الكاتب البابلي ملاحظة تقول ان تلك الصلاة سريّة ولا يستطيع ترتيلها سوى الكاهن الأعظم ( الشيشكالو ) في حضرة ( مردوخ ) .
ثم يفتح الكاهن باب الحرم ليدخل كهّان من مختلف الدرجات بالاضافة الى المرتلين والسادة والمغنين لتقديم ما يترتب عليهم من طقوس أمام مردوخ وزوجته ( سربانيتو Sarpanitu ) ثم تبدأ صلاة أخرى .