The Mahrousa Captain

بعد قيام ثورة 23 يوليو عام 1952 وتوقيع الملك فاروق على وثيقة التنازل عن عرش مصر لصالح ابنه الأمير أحمد فؤاد كان قد تحددت الساعة السادسة من يوم 26 يوليو 1952 كموعد لمغادرة الملك فاروق إلى خارج البلاد على يخت المحروسة وقد طلب الملك شخصيا أن يقوم الأميرالاى جلال علوبة بقيادة اليخت وذلك لثقته التامة به وقد وافقت قيادة الثورة على هذا الطلب لثقتها أيضا بجلال علوبة وهذا ماأخبره به اللواء محمد نجيب حينما استدعاه ليبلغه بالأمر.

بعد أن تلقى جلال علوبة الأمر الخاص بقيادة اليخت المحروسة لتوصيل الملك فاروق إلى منفاه بإيطاليا طلب أن ترافق اليخت سفينتان حربيتان للحراسة وفقا للتقاليد البحرية المعمول بها فى حال سفر الملك فى مهمة رسمية خارج مصر خاصة وأنه سيكون على متن اليخت الملك الجديد أحمد فؤاد الثانى وذلك لمواجهة أى هجوم إسرائيلى محتمل لليخت وبعد أن وافق اللواء محمد نجيب أن يزوده بالقوة الحربية إلا أن مجلس قيادة الثورة رفض تنفيذ هذا الطلب وقام جلال علوبة بتجهيز اليخت المحروسة على الفور حيث كان الوقت ضيقا وليس أمامه سوى 3 ساعات على موعد الإبحار وقبل الموعد المحدد بحوالي نصف ساعة حضرت الملكة ناريمان ومعها الملك الجديد الطفل الصغير أحمد فؤاد والأميرات الثلاثة فريال وفوزية وفادية بنات الملك فاروق من الملكة السابقة فريدة وبعد ذلك حضر الملك فاروق بعد أن أنهى مراسم الوداع الرسمية وفقا للتقاليد والبروتوكول وطلب الملك فاروق عدم تصويره أثناء ذلك وأطلقت المدفعية 21 طلقة تحية له وبدأت المحروسة تغادر الإسكندرية ووصل اللواء محمد نجيب متأخرا ومعه من رجال الثورة صلاح سالم وحسين الشافعى وصلاح فريد بعد أن كانت المحروسة قد بدأت في مغادرة الإسكندرية بالفعل ولكنهم لحقوا بها في وسط البحر وإعتذر اللواء محمد نجيب عن التأخير نتيجة الزحام في الشوارع وكانت المحروسة حين إبحارها من الإسكندرية ترفع العلم الملكى لأن مصر لم تكن قد أصبحت جمهورية بعد وكانت هذه هى الرحلة الأخيرة التي صحب فيها جلال علوبة قائد اليخوت الملكية الملك فاروق .

غادر الملك فاروق مصر في رحلته الأخيرة ومعه كل بناته فريال وفوزية وفادية وإبنه الصغير أحمد فؤاد وزوجته الجديدة ناريمان ولم يأخذ معه سوى حقيبة واحدة بها بدلة صيفى وقميص وشورت أما بناته فلم يكن معهم ما يكفيهم من الملابس ونسوا تزويد اليخت بالطعام فأرسل جلال علوبة أحد الضباط بلورى ومعه بعض البحارة إلى البر لإحضار كل ما يمكن الحصول عليه من طعام

كانت الحالة النفسية للملك فاروق سيئة للغاية وحبس نفسه فى أول يوم داخل قمرته ولم يتحدث مع أحد وفى اليوم الثانى كانت نفسيته أفضل وأول شئ فعله أنه خرج إلى سطح اليخت وظل يدعو الله أن يحفظ مصر من كل مكروه أما الأولاد فكانوا يلهون ويلعبون تنس الطاولة مع بعضهم البعض وتناول الملك طعام الغداء مع طاقم اليخت وبعد ذلك جلس حزينا يفكر فيما حدث له وما هو آت وفي اليوم الثالث كان الملك هادئا وسلم أمره إلى الله وحاول أن يقنع جلال علوبة بالبقاء معه فى منفاه إلا أنه إعتذر لإحساسه بالمسئولية تجاه وطنه بالإضافه إلى إلتزامه تجاه أسرته التى كانت لاتزال مقيمة بالإسكندرية .

 وصل اليخت المحروسة إلى ميناء نابولي بإيطاليا وإنتهت العلاقة بين الملك فاروق وبين جلال علوبة تلك العلاقة التى بدأت بينهما فى القاهرة عام 1945م وبعد عودة القبطان جلال علوبة إلى مصر إلتقى باللواء محمد نجيب الذى شكره وحياه وبعد فترة وجيزة تلقى أمرا ينص على قيامه بأجازة إجبارية وبعدها بثلاثة شهور صدرت النشرة العسكرية التى أحيل فيها جلال علوبة إلى التقاعد مع ترقيته إلى رتبة اللواء وكان بذلك أصغر لواء يحال إلى التقاعد فى القطر المصرى حينئذ وتم إدراج إسمه ضمن قائمة الممنوعين من السفر إلي الخارج وإستمر ذلك طوال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ولم يرفع إسمه من تلك القائمة إلا في عهد الرئيس السادات .

نذكر أن جلال علوبة من مواليد 3 يونيو عام 1910 في أسرة تنتمى إلى قرية جهينة التابعة لمحافظة أسيوط بصعيد مصر ووالده هو محمد على باشا علوبه وكان عضوا بارزا فى حزب الوفد وفى عام 1925 منح والده رتبة الباشوية ثم تقلد منصب وزير الأوقاف وبدأت رحلة جلال علوبة مع البحر فى عام 1922 حينما أرسل فى بعثه دراسية تابعة للحكومة المصرية إلى انجلترا وكان عدد طلاب البعثة عشرة أفراد وذلك بهدف دراسة العلوم والفنون البحرية بقصد تعيينهم بعد ذلك ضباطا بالبحرية المصرية وقد وكان عمر جلال علوبة في ذلك الوقت لايتجاوز 12 سنة حيث اشترطت الحكومة المصرية ألا يقل سن الطالب عن 12 سنة وألا يزيد على 14 سنة وعلى الرغم من معارضة والده له بالسفر نظرا لصغر سنه إلا أنه استطاع فى النهاية أن يقنع والده بالسماح له بالسفر .

يوم 18 مايو عام 1999م توفى القبطان اللواء جلال علوبة ودفن جثمانه في مدافن الأسرة بالقاهرة .