قطعة البروفيترول الأخيرة
تململ و تمايل جسده النحيل يمينا و شمالا على مقعده . يرتدى شورتا يكشف عن ساقين رفيعتين يضربان الهواء بحركات عصبية متشنجة عاجزة عن ملامسة الارض . قطب جبينه فإكتسى وجهه الوديع بإمارات القلق . أصابعه الصغيرة تموج بالحيرة و الغضب المنفلت . نفس الاصابع الالهية التى إن مست خدك بعثت فيك روحا جديدة كما لو ان مسك مسيح . لكنها فى اللحظة الراهنة عاجزة عن ترويض الملعقة العملاقة المراوغة .
إلتهم ما تيسر له من البروفيترول و ظلت القطعة الاخيرة قابعة فى قاع الكوب عصية عليه . كلما قبض على طرف الملعقة جاهدا لرفع القطعة المتحدية و التأهب لإلتهامها انزلقت مجددا و هوت فى غور الكوب السحيق كما لو إنها صخرة سيزيف المتسلطة الساخرة من نضال البشر .
لم يفقد الامل و حشد كل طاقته لينالها بعد ان منح نفسه قسطا من الراحة لإلتقاط أنفاسه اللاهثة و أراح ظهره على كرسيه الوثير . إمتلأ صدره الصغير بالهواء لبرهة ثم أطلقه زفيرا ليعاود الكرة من جديد . إتسعت حدقتا عينيه بكل ما يملكه من ارادة و عزيمة و رغبة فى ارتداء اكليل النصر . بدت اصابعه هذة المرة أكثر ثباتا و قدرة على توجيه دفة الملعقة فى ميدان المعركة . قبض على طرف الملعقة و نزل بها الى قاع الكوب و اقعد قطعة البروفيترول عليها و بدأ فى رفعها رويدا رويدا بثبات واثق غير متعجل . تعلو الملعقة و تعلو و تكاد شفتاه تلامس طرف الكوب منتظرة لحظة العناق الشبقى . و فى لمحة خاطفة مباغتة قذف بها فى فمه قبل أن تلامس القمة خوفا من ان تنحدر الى السفح مرة اخرى .
لقد فعلها . نالها . أكلها . هام بها و هامت به .
غمرت نفسه السكينة و الثقة كما لو أنه لوى عنق القدر .
لمعت عيناه بإبتسامة عرضها السموات و الارض لبرهة قصيرة ثم تجهم مجددا و نظر الى والده قائلا :
مية .
مية بقى . عايز أبلع .