حين تبلغ روايتُك مرحلة ال... PDF مع دار النشر، تضحى تحت الطبع...ما السرّ إذا قمتَ بسحبها وامتنعتً عن نشرها مع هذه الدار...أين الخَلّل؟
في العلاقة الجدلية، بين الأدب والأديب، وتحديدًا بين الرواية والروائي، نسيجٌ معقد تتداخل فيه الكتابة التعبيرية والتصويرية للحياة، دون تحفظ ورقابة ذاتية، ومن غير اعتبار للموروث والغيبيات، هذا إذا أريد أن يكون النتاج الأدبي يُولد طبيعيًا ومن رحم الواقع ودون زخرفة وحدود واقصاءات واعتبارات للدين والسياسة والجنس والتمييز.
يُعْتبَر نيقولاي غوغول، خُرافي الرواية العالمية، من معطفهِ وُلد كُتاب الرواية، اللاحقون، إنهُ أسطورة الدراما الروسية، ومن بعده أنطون تشيكوف، وفي الرواية الأمريكية يأتي عصب الرواية وساحرها الباهر، جون ستاينبك...وهو ساحر بحق لا يوازيه في الرواية سوى الكولومبي الساحر الآخر غابرييل غارسيا ماركيز...
هؤلاء سَحَرة الرواية العالمية أسقطوا الحواجز في السرد، وكسروا جدران التابو الذي يتحكم في الثالوث المحرم عندنا... في عالمنا العربي فقط، وهو مثلث الدين والجنس والسياسة، ولو قرأت أغلب الروايات العربية بما فيها تلك التي استحقت جوائز، لوجدتها جميعها قد خضعت لتلك السيطرة المُحرمَة...وخضعت للرقابتين الذاتية والرسمية، وثمة رقابة ثالثة هي رقابة دور النشر التي حتى التي ذات سمعة وشهرة معروفة على مستوى الوطن العربي، لا تستطيع تجاهل المحرمات... ولي تجربة وخيمة في هذا الصدد حيث علقت ذات مرّة بتجربةٍ مريرة مع رواية "رقصة أخيرة على قمر أزرق" وهي الجزء الثالث من ثلاثية القمر...التي جاءت بعد "بيضة القمر" و"قمر باريسي" إذ تمت الموافقة عليها من قبل دار عربية كبرى مشهورة- غير دار الفارابي- طبعاحيث تمت الطباعة النهاية وتحولت إلىpdf ... وكانت على وشك الصدور... إذ بالناشر يفاجئني بوقف الطبع بحجة أن بها مشهد من صفحتين يتوجب إزالتهما من الرواية حتى تتمكن الدار من توزيعها ببعض الدول العربية وحددت حتى اسم بلد عربي كبير قد تفقد فيه سوقها لو نُشرِت الرواية بتلك الصفحتين... طبعاً رفضتُ ذلك، وسحبتُ الرواية ونُشرتْ فيما بتعد وتم توزيعها...
هذا نموذج حي عن لهو دور النشر العربية... وهذا برهان على سطوة مثلث الدين والجنس والسياسية...
بعالمِ السرد الروائي، إن كنت ضمن السرب العربي المألوف، تقَّبَل شروط النشر المحكومة بالمحرمات والخانعة للمسكوت عنه، لن تتمكن من الشعور بذاتك ولن ترضى عن نفسك...حتى لو جاملَّتكَ عشرات معارض الكتب العربية المعهودة التي للأسف الشديد رغم حجمها الهائل الذي يفوق تكلفة واستعراض، معارض دولية كمعرضِ فرانكفورت...إلا أنها بالداخلِ وبالمحتوي فارغةٌ...مثل كارتونة...مجرد أضواء وبهرجة...يصاحبها ضوضاء وضجة وحضور رسمي وافتتاح هائل...وإعلام بخس ونقل مباشر ولكنها في المحصلة النهائية...نفاق اعلامي وفضاء خاوٍ إلا من بعض النتاجات التي لا تعكس حجم تلك المعارض... هنا تفقد الرواية وجودها في هذه المعارض وتضيع أنتَ ككاتب وتفقد احترام نبض السرد ومغزى الكلمة إن كنت خارج السرب...لهذا رفضتُ دائماً أضواء تلك المعارض وامتنعتُ كلية عن حضورها وتشريف...حفلات التوقيع السخيفة ذات الترهات التي كثيرًا ما ألحَّالبعض علىّالمشاركة فيها...
أتجنْب البروز في اللقاءات وعروض الأضواء الباهتة سريعة التبخر...لأنني لا أجد ما أقوله أو أشرحه أو أفسره في الرواية...عندما تبني رواية لا مجد لها سوى وحده القارئ معها، لا يمكنك التوضيح والتفسير...كتبت الرواية وانتهيت ولست معني بإعطاء تفاصيل أو منح راحة للقارئ كي يتنفس... القارئ يُفتَرض فيه يقرأ ويفهم ويؤول ويسعى للتفاعل بحسب تفسيره هو وليس ما يفسره الكاتب...استغرب ويدهشني حينما أسمع كاتب ما ...يستعرض روايته في حديث إذاعي أو صحفي ويقدم تفاصيل مملّة عن عمله...ماذا تركتْ إذن للقارئ كي يسبر غور الرواية!!!؟ أتحدى حتى أجرأ الكتاب وأوسعهم ثورية! إذا كان بإمكانه أن يُعبر في ندوةٍ أغلب حضورها من المحافظين والمتزمتين ما يؤمن به ويكسر تابوا الدين والغيبيات...؟ ماذا يمكنه أن يُعلن في معرضٍ رسمي أو محفل أهلي غير ما يريد الجمهور أن يسمعه، لا ما يستفزه ويفكك المسكوت عنه...واقعنا العربي زاخر بمادة خام هائلة من الفساد الديني والفضائح ووقائع يشيب لها شعر الطفل...لكن من يجرؤ على التعبير...لقد نجح الأدب العالمي لأنهُ لم يحفل بقيودٍ أو حدود...عبَّرَ عما يراه وصوره سردًا في أعمال عالمية تذكرنا بتشيكوف وغوغول وستاينبك وغارسيا ماركيز... المرّة التي تجرأ فيها نجيب محفوظ برواية أولاد حارتنا في المجازفة تعرض للقتل وطُعن بسكينٍ في الشارع...
لستُ ممن يهوون تسليط الأضواء عليهم... أجبتُ أحدهم على هذا السؤال... واكتفيت بالصمت...
كان يسألني البعض لماذا لا نراك توقع رواية من رواياتك...بالطبع لم أجبهم ...
في الرواية عندما تسرد من داخل أعماق روحك وبشغف التعبير وضمن كسر الحدود والخروج على المسكوت عنه، وتحدي الثالوث المحرم، الدين، السياسة، الجنس عليك بتقبل سجنين...سجن القاري وسجن الموزع وثمة سجن آخر هو الإعلام الذي لن يجرؤ على الاقتراب منك لأنك بمثابة لغم قد تنفجر بوجهه...ما يهم وما يقنع في النهاية هو النتاج ذاته...
الغالبية يهوون تسليط الأضواء عليهم حتى لو كتبوا قصة قصيرة جدًا...جدًا!! مع التقدير للقصة القصيرة... لكن الرواية عالم ساحر...لا يقبل القسمة!