For whom does the sun rise in Gaza?

غزة ديسمبر 2024

تنشغل بالتفاصيل والأشياء الصغيرة، تتمعن جمالها وأسرارها، لكل كلمة تسمعها مردود جمالي غامض يشدك للتوقف عنده ومحاولة اكتشافه، تتأمل قارعة الطريق، ترى السابلة تنبعث منهم نبضات سعادة تخترق غشاء سميكا من الحزن والهم. تحت آلام النزوح والحرب والجوع صور مبهرة للجمال، يرقبها المكروبون بلهفة وهي تتراءى لهم خلف خطوط الجبهات المشتعلة، ما بال الجمال أقوى من كل أعدائه!

أكاد أرى حسنا متنكرا يتجول بين الخيام، وطوابير الخبز، وجمهرات التكايا، كلها أشياء تحاول تشويه الصفحة البيضاء للجمال الفطري القاطن في هذي البلاد منذ الأزل، لكني بالأمس القريب تخلصت من التفاصيل، و انشغلت بتلك الشامة الصفراء التي تزين صفحة السماء، تنشر مع خيوطها أسرارها في كل الأشياء، تقتبس منها الكائنات ألوانها وتنفث عطرها لتزخر الأرض ببصمات جديدة للحياة، لكني سمعت الشمس قبيل الغروب تقسم ألا تعود للشروق!

قضيت الليل لا أنتظر الشروق كالعادة،  حاولت اقناع نفسي أن ما سمعته كان قسما وهميا من هلوسات المشهد الدامي، لكن الصوت نفسه عاود القسم والمجادلة وحاول اقناعي بعبثية الشروق على أرض تخلت عن أحبتها وسلمت جمالها لثياب قذرة من القوة والغطرسة، اختفى خلال نهار الأمس وما قبله كل ما أعطى مبررا للشمس، تشوهت وجوه خالتي الجميلة وأبنائها وأحفادها تحت حطام مشوه لبيتهم الجميل، اختفت شجرة السدر المتكئة على ناصية الشارع ، وبهت وجه الحب بيني وبينها، وتشوه وجه أعجبت بملامحه  دون أن أبوح له حتى لا أمس براءته، كان لي بمثابة أيقونة مقدسة ملهمة ولكل متأمل مثلي بمقاييس الجمال الإلهي المتكامل...وذلك الجار الوسيم، وتلك الحديقة الغناء، والشارع الزاخر بخطى العاشقين في عمق الليل، وهمة السراة الى الحقول، وتفاؤل الصيادين على صفحات الموج الزاخر بالرزق..... أبحرت في دلاهيم الليل، كيف لي أن أنام وأصحو وقد  تراجعت الشمس عن عهودها وتلاشت وعود الجمال وتنامى في عمق الليل سؤال جريء، أنجب خلفه نسلا من التساؤلات السافرة ، لمن ستشرق الشمس؟! وهل تبقى على وجه الأرض شيء جميل يغازل وجهها، ويبادلها الحب والعرفان؟ هل تشرق لخوذي طائر يقصف أرواح البشر في أكنانها؟ هل تشرق لأنياب الكلاب الضالة وهي تقطر دما من الأشلاء المحروقة؟ هل تشرق لتبادل الابتسامات الصفراء للكذب والدهاء؟ هل تشرق لتفي بعهدها لسنبلة احترقت قبل أن تنضج أم لبرعم تهشم قبل أن يزهر؟ أم لإمرأة مكتنزة بالجمال تمزق رحمها قبل أن تنجب؟! لمن تشرق الشمس صباحا؟ كم كان إحساسي عميقا بأن غروب الشمس وداع أبدي، وتراءى لي بأن أحدا في الوجود لا ينتظر شروقها سواي، فكل من رأيت بالأمس إما غارقا في اليأس أو طمس إنسانيته الرجس، ولم يبق للجمال على وجه الأرض أثر، فهل تتخلى الشمس عن وعدها وتشرق لتغذي بنورها طواغيت الاستبداد ولئام الإنس؟! أيقنت بأنني لن ألتقي بوجهك ثانية، ولا بوجه الصباح الجميل، يطول بي النوم وأستيقظ على قرص الشمس يحييني من شقوق الخيمة، فأيقنت أنه ما زال هناك على الأرض طيبين تشرق الشمس من أجلهم.