فى العصر الذى نعيشه بما يضربه من السعار الاستهلاكى والتلوث البيئى، تزيد العناية بالصحة العامة للإنسان ونشر الوعى البيئى عن طريق منظمات وممارسات عامة وخاصة تهدف إلى الحفاظ على العالم من مخاطر التلوث الصحى و الإيكولوجى، فخبراء الأغذية والأطباء يصفون العشرات من نظم إنقاض الوزن واتباع الحميات الصحية..فيما تغرق شركات الأدوية السوق بأحداث أنواع العقاقير لعلاج الأمراض.
وعلى الرغم من أن جميعها جهودا تستحق الثناء، فإنها تتهمش بفعل الآلة الصناعية الجبارة المتنامية: مصدر جميع أنواع التلوث. فوسط خضم الفشل فى أن يتأقلم الإنسان على ممارسات صديقة للبيئة بسبب غياب الجهود الجماعية، تذهب الأولوية لصحة الإنسان..فصحة الأنسان كما تبدو إهتمام شخصى لكل فرد ولكنها لا يمكن أن ينظرإليها بمعزل عن المحيط الخارجى له.. فالأجواء المحيطة بنا لا تسلم من التلوث بجميع أنواعه وهو ما يؤثر بالسلب قطعا على المبادرة الفردية للعناية بالصحة.
فى وسط تلك الحيرة يأتى كاتب أمريكى ليثبت أن على الإنسان أن يتبع نظام دقيق للصوم حتى يتجنب عواقب التلوث..ولكن أى نوع من الصيام يقترحه الكاتب؟
أفصح الكاتب الأمريكى (بول براج) عن وصفته الصيامية فى كتابه ( معجزة الصوم) والذى أُعيد طبعه 47 مرة فى سنة واحدة فقط. يقول( براج) إن التخلص من الفضلات و الشوائب الضارة داخل جسم الإنسان يتم عن طريق أربعة أعضاء: الأمعاء، الكليتان، الرئتان والجلد، فلكى يبنى الجسم ما يسميه (براج) بالطاقة الحيوية عليه أن يعتنى بقدر الإمكان بتلك الأعضاء الجوهرية.
يشير( براج) إلى أن الجسم يحتاج إلى طاقة حيوية كبيرة ليمرر الغذاء عبر قناة هضمية طويلة تتمثل فى قناة لا يقل طولها عن ثلاثين قدما تبدأ بالفم وتنتهى بفتحة الشرج. ولكن قد لا يخطر ببالنا أن نفس هذه الطاقة هى المسؤولة عن تخليص الجسم من السموم التى يخلفها الغذاء علاوة على الملوثات الصناعية التى يحملها الهواء وغيرها من أطنان من الكمياويات والمبيدات الحشرية التى ترش على فواكهنا وخضراواتنا. يؤكد (براج) قائلا: "الصيام هو سبيلنا الوحيد الذى يساعدنا على التخلص من تلك السموم القذرة التى تهدد صحتنا."
يروى (براج): "لقد سافرت كثيرا داخل الولايات المتحدة وحول العالم للعمل كمحاضر جامعى..كنت أعلم تمام العلم أنه خلال أسفارى كان يجب على أن أتناول كميات من الفواكة والخضروات التى تم رشها بسموم مميتة..ما جعلنى أصوم من أربع وعشرين إلى ست وثلاثين ساعة من كل أسبوع، علاوة على صيام أربعين يوما توزع بواقع عشرة أيام على مدار السنة.
ويضيف الكاتب:" عندما أشرع فى الصيام عن الماء لعشرة أيام آخذ عينة من بولى فى زجاجة شفافة واتركها بضعة أيام لتهدأ..بعدها أرى فى قاع الزجاجة بلورات كريستالية. أذهب لاحقا إلى المعمل الطبى لأحلل عينة أخرى من بولى فيكشف التحليل عن رواسب مبيد الــ (دى دى تى) الذى يستخدم فى رش المزروعات علاوة على رواسب مبيدات أخرى."
تتمثل أكبر فائدة للصوم فى تخليص الجسم من السموم ولكن تحدثت الهيئات الطبية عن فوائد أخرى، ففى المملكة الأردنية أسفر بحث عن إنخفاض ملحوظ فى حالات المرضى من ذوى الميول الإنتحارية. أما فى المملكة المتحدة فلقد استخدم الأطباء فى المستشفيات والمراكز الطبية النموذج الرمضانى لتقليل نسبة التدخين خاصة بين الأفارقة والآسيويين.
يقول الباحث آلان كوت فى كتابه (الصيام..أسلوب حياة) إن الصوم يقلل أو يمحو الرغبة فى تناول الطعام ويؤدى إلى فقدان الوزن لكنه يحذرمن أن هناك مخاطر من الصيام الكلى على طريقة )براج)، الذى ينشأ عنه فى بعض الحالات غيبوبة السكرى والأزمات الصدرية ونقص فى السعرات الحرارية التى ترتبط بحمية الصوم التجويعى غير المصحوب بالرقابة الطبية. ولكن تلك الأعراض السلبية لا تحدث فى صوم المسلمين، فالصوم فى الإسلام لا يخضع لأنواع معينة من الأغذية..ما يجعله تجربة صحية ممتازة، فالغذاء المتوازن يمنع مشكلات الجهاز الهضمى والإمساك ويحسن من التمثيل الغذائى.
تظهر المشاكل فقط عند تناول الطعام بكميات كبيرة وعدم الحصول على قدر كاف من الراحة و النوم، ولذلك ينصح الأطباء بأن نأكل باعتدال فى رمضان،فتناول كم من الطعام أقل مما نتاوله فى الأيام العادية لكاف للحفاظ على صحة الإنسان.
يقول كوت إنه لأغراض عملية واختبار للعناصر الغذائية، فإن النظام التالى قد أُقترح من قبل الدكتور محمد النعمانى من جامعة فرجينيا الغربية:
الإفطار: عدد 3 ثمار من البلح ـ نصف كوب من عصير البرتقال ـ كوب من شوربة الخضروات ــ قطعتين من البسكويت الخالى من السكر.
العشاء: كوب من السلاطةــ قطعة من الدجاج ــ نصف فنجان من البامية ـ نصف كوب من حمص الشام ــ قطعتين من الخبز ــ كوب من الأرز ــ كوب من الزبادى ــ برتقالة ــ نصف فنجان من العنب ــ 28 جرام من المكسرات غير المملحة.
السحور: قطعتين من الخبز ــ كوب من الحليب ــ ربع فنجان من السلاطة ــ تفاحة منزوعة القشرــ كوب من الشاى أو القهوة بمعلقتين من السكر.
إقتراحات أخرى:
اشرب كثيرا من الماء بين الإفطاروالسحور *
كل قدرا كافيا من الخضروات والفواكة*
تجنب الحلويات والسكر*
تجنب المأكولات الحارة*
*تجنب المشروبات ذات النسبة العالية من الكافيين كالقهوة والكوكولا وأبدا فى ذلك على الأقل خمسة أيام قبل الصوم..لأن قطع الكافيين مرة واحدة ينتج عنه الصداع والاكتئاب.
*قلل من التدخين أو امتنع عنه.
لكن الصوم ليس فقط عربيا أو أمريكيا، فلقد عرفه الإنسان منذ فجر التاريخ..فطبقا لمصادر المعلومات على الشبكة العنكبوتية:
كانت أقدم الديانات التي طالبت معتنقيها بالصيام، ولا زالت موجودة حتى الآن ولها معتنقون حتى الآن الديانة الهندية البرهمية، حيث يحتفل أتباع هذه الديانة بعيد مخصص للصوم الذي يُقصد به تزكية النفس، وفيه تخصص كل طائفة من الطوائف الهندوكية يومًا للصوم فيه، فيسهرون طوال الليل ويبيتون يتلون الكتب المقدسة.
وفي هذه الديانة أيضًا الصيام الذي تنفرد فيه النساء بصيام أيام، ولأهميته سمي هذا الصيام بـ (برت) أو (العهد) والتي تخصص لتزكية الروح وتغذيتها بالغذاء الروحاني. كما يصوم البراهمة اليوم الحادي عشر والثاني عشر من الشهر الهندي، وبهذا يبلغ عدد الأيام التي يصومها معتنقو هذه الديانة الهندية ٢٤ يوم في السنة.
كما وُجد الصيام في الديانة الجينية الهندية، التي يلقى الصيام فيها شروطًا وتشديدات صارمة، فيواصل أتباع الجينية الهندية أربعين يومًا بالصوم.
كما ظهر الصيام عند المصريين القدماء بهدف التقرب من الآلهة رضاها وشكرها في الاحتفال بالأعياد مثل عيد الحصاد والربيع ووفاء النيل بممارسة العديد من الطقوس. قال علماء التاريخ إن الصيام كان من بينها، وقد اختلف العلماء حول ممارسة الصيام من الكهنة فقط أو لعامة الشعب. وقد ورد عن المصريين القدماء أنهم كانوا يمارسون نوعًا من الصيام يقتضي منهم الصيام عن كل شيء باستثناء الماء والخضراوات لمدة سبعين يومًا.
كما يوجد عند قدماء الفرس والأكراد (الزرادشتية والأيزيدية) التي انتشرت في بلاد فارس وما حولها قبل الميلاد بنحو ثلاثة آلاف عام، أما الآن فيتوزع أتباعها في العراق وسوريا وتركيا وإيران والهند وأفغانستان وأذربيجان وغيرها من المناطق المتفرقة. عند الزرادشتية يُحرّم الصيام لاعتقادهم بأنه يؤثر سلبًا على العمل وصحة الجسد.
روى الأئمة والفقهاء أنّ أول من صام من البشر كان أبو الأنبياء آدم عليه السلام، وكان أول صيامه عقب نزوله إلى الأرض وقبول الله دعوته وتوبته. كما صام نبي الله نوح عليه السلام الأيام البيض القمرية وزاد عليهم اليوم الذي نجاه الله تعالى فيه من الطوفان، وهذا ما رواه النبي -عليه الصلاة والسلام- عنه.
نجد الصيام في الديانات السماوية الثلاث بصور مختلفة، وهذا يثبت أن الصيام كان مشرعًا قبل الإسلام مصداقًا لقوله تعالى في سورة البقرة - الآية 183
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"
وقد جاء في تفسير ابن كثير أقوالًا عن بعض الصحابة والتابعين يفيد بأن صيام التابعين هو ثلاثة أيام من كل شهر، ولم يزل مشروعًا منذ زمان نوح -عليه السلام- حتى أمر الله تعالى بصوم شهر رمضان.
وكما عرفنا أنّ اليهود وهم قوم أقدم من المسلمين عندهم صوم عاشوراء، ففي الصحيح عن ابن عباس -رضي الله عنه قال-: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم عاشوراء، فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "أنتم أحق بموسى منهم، فصوموا" رواه البخاري.
للصّوم مكانة كبيرة عند المسيحيين؛ فهو ارتباط روحي بالرب والتزام منهم بتعاليم المسيح منذ نشأته حتى ظهوره ثانيةً كدليل إيمان به. تقوم كل طائفة أو كنيسة بتحديد موعد الصوم لأتباعها، ولم يحدد الإنجيل طريقة أو أوقات محددة للصوم يتبعها المسيحيون في مختلف أنحاء العالم.
Fasting the American Way
By: Ahmed Kafafi - on: Thursday 20 March 2025 - Genre: Health
Upcoming Events

A writer, a vision, a journey: a conversation with Professor Ilan Pappe
March 15, 2025
This event took place on 15 March, 2025 . You may...

مسافر يبحث عن ماء
February 17, 2025
تقيم نقابة اتحاد كتاب مصرشعبة أدب الرحلات تحت رعاي...

Online discussion of The Vegetarian by Han Kang Nobel Prize winner 2024
November 08, 2024
This discussion of Han Kang’s The Vegetarian...
Art Auction: Support Palestinian Families in Gaza
October 18 - 20, 2024
Join us on October 18th for Art for Aid, an online...