وظهر كتابى" اعترافات نساء أديبات" مذيل بحوار طويل جميل عن المرأة،والمرأة الكاتبة، جرى مع "صنع الله إبراهيم" الروائى العالمى بالقطع كان له أثره وفضله على الكتاب. كنا نتقابل مرة كل سنة والموعد معروف بعد نهاية معرض القاهرة للكتاب باسبوع أما لماذا؟ لأنول المراد من رب العباد، نسخة من روايتة الجديدة وفى كل مرة كان نفس الأهداء المتكرر بخطه المنمنم:( الكاتب الصديق تقديرا ومحبة) والتوقيع الفرمة السنيه (صنع الله إبراهيم) لم يكن بيننا شىء.آى شىء إلا الكتب نناقشها ونحكى عنها،فإذا انتقل الكلام للسرد والرواية بخاصة سكتنا،وتكلم،أوسألنا...فأجاب..
وتغيرت الطقوس بدءا من 1990 اصبح اللقاء فى بيته وصار معى آخرين وآخريات ،وكبرنا قليلا ونضجنا كثيرا، وكلنا ننشر ونكتب، ونأتى بنسخ من الصحف والمجلات انتاجنا نضعها فى حجره وننتظر نسخة روايته الجديدة بفارغ الصبر.نجلس ويتحدث،ونسأل وهو يجيب بتلقائية لايقطع فيها برأى، أنها احتمالات إجابة فهو يرى أن السؤال يرى والإجابات عمياء؟! فليس للسؤال إجابة واحدة،وإذا وجدت فليست حقيقة قاطعة، أنها رأينا ،أو رأيه .البعض سأله عن قصصه عنده ويجيب: جميل..عظيم. ولم أسأله عنى، واعتقدت أنه لم يقرأ منها مافى حجره فهى من دنيا الصحافة لشاب يعاند بالكتابة بالقطعة،حجر داير لا ينبت عليه عشب يذهب ويجىء بمجلة، وجورنال، ويشير إلى صفحة ويقول اسمى .. أنا اهه.. فلا يهتم أو يصدق، أو يقرأ احد؟!
وفى ميعاد الزيارة 1993 فاجأنا الأستاذ، لم يهدينا روايته، ولكنه اهدانا كتابه "االتجربة الانثوية" ابحر فيه فى بحور روايات كتبتها المرأة فى الغرب، لقد سافر للأدب النسائى،جلس، وقرأ، وترجم وحلل وعرض فيه ل11 (كاتبة ) كانت أهمهم الامريكية "تونى موريسون" والتى فازت بنوبل للآدب فى نفس العام 1993،ومعها الشهيرات :دوريس ليسنج، إدنا أوبريان، ومارلين فرنش...
وسألنا مامعنى التجربة الأنثوية ؟ قلنا: جنس يعنى؟. وقال: لا.. واستوضحنا؟!
فقال: روايات كتبتها المرأة،وموضوعها الجنس، هو الأدب الانثوى الغربى أو العالمى..وفيه تكتب المرأة عن ذاتها ،عن جسدها. فهى بين طبيعة بيولوجية ثابتة، ورؤية حدثية لحرية بل حريات جديدة!
وجرينا على النسخ.. ووجدت نفسى مع"التجربة الأنثوية" اقرأ واعاود التفكير واقول" افتح ياسمسم" فتفتح لى كل نظريات الكتابة عن الأدب الذى تكتبه المرأة، فعلى الرغم من تداول هذا المصطلح تداولا كبيرا في اللقاءات والملتقيات الأدبية فإنه لا يزال غامضا و مبهما .إن الكتابة النسوية عند البعض تشير إلى أن يكون النص الإبداعي مرتبطا بطرح قضية المرأة والدفاع عن حقوقها دون ارتباط بكون الكاتبة امرأة. وهي عند فريق آخر "مصطلح يستشف منه افتراض جوهر محدد لتلك الكتابة بتمايز بينها و بين كتابة الرجل" في الوقت الذي يرفض الكثيرون فيه احتمال وجود كتابة مغايرة تنجزها المرأة العربية استيحاء لذاتها وشروطها ووضعها المقهور أما الفريق الثالث فيرى أنه "الأدب المرتبط بحركة تحرير المرأة وحرية المرأة وبصراع المرأة الطويل التاريخي للمساواةبالرجل"..والأدب النسوي عند "فاكت" هو "الأدب الذي تكتبه المرأة مستسلمة فيه لجسدها ويفضل"محمد جلاء إدريس"مصطلح ((الأدب الأنثوي)) ويعرفه بما تكتبه المرأة من أدب في مقابل ما كتبه الرجل،دون أن يحوي هذا المصطلح أحكاما نقدية تعلي أوتحط من قدره وتبقى كلمة "نسوي" أو"كتابة نسوية" أو "انثوية" مجرد مصطلحات جاءت من الغرب لتفرض هيمنتها على الذهنية العربية.
وعاودت نفس تجربة الاستاذ مع الأدب النسائى المصرى،فهو اهتم بالأدب النسائى العالمى ..اما أنا قلت المصرى يوكل "الكاتبات المصريات".قرأت اعمالهن،وأجريت حوارات حول كتابتهن (الآديبات: نوال السعداوى - وسلوى بكر- وعائشة ابو النور- ومنى حلمى - وسلمى شلاش - واليفة رفعت- وصافيناز كاظم وغيرهن واعترفن لى اعترافات غير مسبوقة. بعد ان حاصرتهن بحوارات طويلة حول أدب كل واحدة، بقصد القاء الضوء على الادب النسائى وعلاقتة بالحركة النسائية..وهل هناك أدب نسائى وأدب نسوى أو آخر انثوى؟! وفى حضرة الناقدة (د هدى وصفى) دشنت الدراسة فتجربة صنع الله إبراهيم فتحت شهيتى ( ويبدو أن قيام صنع الله ابراهيم بتقديم مختارات من الأدب النسائي الغربي، بدا له خير وسيلة لتناول التجربة الانثوية،بسبب "خلو الساحة الادبية العربية من أعمال تعبر فيها الكاتبات عن ذواتهن الحميمة.) ويعترف (صنع الله إبراهيم) أنه اضطر الى التدخل فى بعض النصوص،لضمان وصول رسالة الكتاب الاساسية،بعد التهديد بالمنع ففى ترجمته لقصة "استيقاظ مود" لمارج بيرسى. أزال مقاطع كاملة واستبدلها بالنقاط الشهيرة التى الف "إحسان عبد القدوس" أن يضعها عند المواقف الحميمة فى قصصه خوف الرقابة رغم أن العقاد سمى إحسان "اديب الفراش"؟! وقال صنع الله : فعلت ذلك بكل حزن وألم.أما هدف صنع الله ابراهيم،بل حلمه الحقيقي فهو ( أن يأتي يوم نستطيع فيه أن نكتب عن أدق أمور حياتنا بصدق وأمانة، بعيداً عن ديماغوجية السائد وضغوطه العقيمة،وهذا الاكلاشيه الخائف الموروث عند العظيم إحسان.
قلت له : اسمح لي أن أترك لخيالي العنان فأنت بتركيبتك في ( النشأة والتكوين ) وبخياراتك في الكتابة قد حاولت أن تستغنى عن معطيات المرأة الإيجابية والسلبية وتختصرها في ( فلسفة الجنس ) وتحاول من خلال الجنس أن تعرفها ؟!
قال : سيجموند فرويد له نظرية في علم النفس تقوم على الجنس وهو مختلف في النشأة والتكوين عني ، ولكنه يرى أن حياتنا تدور حول ( الجنس ) رغم أننا ننكر ذلك . ولذا فأنا أعترف بأنني أعتبر الحديث عن الجنس حديث جاد وهام وأنه أحد اهتماماتي وأجتهد في حل طلاسمه وأتمنى أن أنجح في ذلك عن طريق التعبير الروائي.
قلت له : إذن لم تكن لتحزن كما فعل إحسان عبد القدوس حينما هاجمه عباس العقاد ووصفه بأديب الفراش. لو قال عنك العقاد ذلك ؟!
قال : أحزن لو قال عني العقاد غير ذلك .. إن أنيس منصور وهو تلميذ وعاشق قال عن نقد العقاد .. إن العقاد حينما ينقد : يصبح عباس محمود العضاض !!
وتذكرت النقاط الشهيرة ل"إحسان عبد القدوس" والتى ادهشتنى وأنا اطالع رواية "النظارة السوداء" التى بدت لى بطلتها (ديدى) متمصرة لم التق بمثلها قبلا ولذا تصببت عرقا على اسطر النقاط التى جعلها عبد القدوس،تفصل بين ضرب حبيبها لها وإستسلامها له.وكالنار نشبت فكرة فى رأسى،ماذا لو حاورت الاستاذ عن تجربته الأنثوية العالمية، وعقدت مقارنات بينها وبين تجربتى الأنثوية المحلية – الذى عندى على الذى عنده - ولا أعرف هل حلمت أن تكون التجربتين فى انبوبة معمل واحد، أقصد كتاب واحد، لاأعرف وكالمسحور طرقت باب الاستاذ بلا موعد، ولا تليفون سابق إنها جليطة المسحورين.
كان ذلك فى "1" ابريل 1997..وقال الأستاذ "سلامٌ قولا من ربِ رحيم"..؟! قلب فى مسودة كتابى،واستسلم لجراءة لا تأتينى كثيرا.. وهو يضحك
الأستاذ: تصور كنت على بالى ..وكنت اتدبر كيف اجدك؟
قلت: انها هى كذبة ابريل
فلم اتوقع أن اكون على بال أحد، أويتدبر لقائى آى أحد فيكون ذلك مع الأستاذ صنع الله على سن ورمح.. ضحك...أخرج رواية جديدة .. "رواية شرف" وبخطه المنمنم كتب اهداء طويل التيلة (إلى الكاتب المبدع سعادتى بتقدمه، وأملى فى مزيد من الأبداع) وعرف السبب وأنتهى العجب؟ ففى نهاية روايته ادخل صنع الله فرية جديدة،صفحة منفصلة بعنوان: "شكر واجب" ذكر فيها الذين أستفاد منهم فى روايته الأصدقاء ،والكتاب واندهشت أنى أحدهم، وكتب: "وقد استفدت بالخصوص من كتابيه عن المخدرات"..يانهار ابيض..الأستاذ قرأ مافى حجره؟ واستفاد من كتابين لى فى رواية.. يا هنايا . لقد كان مهتم ومقدر،مهتم بنا ويقدرنا.اعطى كل منا للأخر بعض الوقت،أنا متيم بالرواية اقلبها واستغرب (كانت رواية "شرف" تشبه الكتاب فى نهايتها مراجع عاد لها الكاتب!!وفى متنها هوامش كثيرة؟ وبها شخصيات كثر،ولم أصادف بداخلها اسم انثوى واحد؟!) بينما الاستاذ يقرأ فى مسودة كتابى. وخرجت تنهيدتى : إين المرأة ياأستاذ، هل خلصت معك فى التجربة الأنثوية؟ ..
قال : إنها طبيعة أدب السجون ،وشرف رواية سجن.
قلت : هل توافق على ماقلت؟ استلهام تجربتك الأنثوية لمعاودة الكتابة عن الأدب النسائى.
قال : ارجوك .."شرف".. انستنى النساء
قلت :إنهن نساء اديبات..فليس منهن حرمة شرعية
ولاأعرف لماذا بدأ الحوار عن امه، وعن المرأة فى حياته وعرج إلى بطلات رواياته.قبل الدخول لتجربته الأنثوية عن كتابة المرأة، وقال صنع الله:اعتقد أن الصدفة والحاجة من عوامل كتابة "التجربة الأنثوية" ؟! وما الفرق بين أول مرة وآخر مرة ؟! هل تحتاج لخبرة وفن أم أن البكارة والفطرة هي الأصل فيها ؟! هل هي علم وفن ؟! ولأني وجدت همزة وصل بين كتابه وكتابي،فقد ذهبت إليه لأجعل هذه الهمزة وصلاً طبيعيا ً..فكل من الكتابين موضوعه : المرأة التي تكتب وكل من الكاتبين مهتم بالمرأة الكاتبة بالطبع هناك تفاصيل وأبعاد مختلفة .ولكني أرى أن كل شيء متوافق في الأمر لأن الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم صديق شخصي حميم واستاذ وأخ اكبر قلت له : لماذا جعلت التجربة الأنثوية في الكتابة عن كتابات غربيات ، لماذا لم تكن عن المرأة العربية أو المصرية ، والمرأة الكاتبة في البيئة العربية في شديد الحاجة لها ؟
قال : الموضوع جاء بشكل مختلف وبدون خطة ، فبعد رواية ( ذات ) من فوري قررت أن أبدأ عمل ، لأني بعد نهاية أية رواية أشعر باكتئاب .. فدفعت بكتابات سابقة خاصة بالمرأة كنت سبق وترجمتها أضفت إليها بعض الترجمات التي تكشف العالم الداخلي للمرأة .فهذا هو محل اهتمامي فوجدت في النهاية أن ما جمعته يصب في موضوع واحد هو الحياة الوجدانية الجسدية للمرأة في الغرب من خلال كاتبات غربيات فكان كتاب "التجربة الأنثوية " فلم يأت الأمر بشكل بحثي متعمد أو معد له،وإنما نصوص عجبتني في بؤرة اهتمامي تم تجميعها ، لأن بينها وحدة في الموضوع وهذا الأمر لا أعتقد أني سأكرره . ولأن التعمق النقدي في كتابات المرأة العربية خارج منطقة شغلي .. أنا روائي في المقام الأول .
قلت له : من من الكاتبات العربيات ممكن أن تدخل ضمن كتابك " التجربة الأنثوية " .
قال : لطيفة الزيات .
فلم يحدث في تاريخ الكتابة النسائية في مصر من ناقشت حياتها الخاصة الحميمة مثلما هي في كتابها " حملة تفتيش " ناقشتها على الورق أو مع الناس دون أن تتخفى وراء شخصية أخرى أو تضع قناع على وجهها .. وبخاصة أني اعرف علاقتها الرومانسية ( غير الناضجة ) مع " أحمد شكري " وهو مناضل شيوعي دخل السجن فانهار وعمل استنكار ( للملك فاروق ) وخرج ومارس حياته وكان في نهاية أيامه ملحق ثقافي لمصر وهذا جزء من أجزاء الانهيار في حياتها الزوجية معه، أما الجزء الثاني فاتضح حينما أوشكت أن تفصح عنه وهو ( الأورجازم ) الذي شعرت به مع زوجها الثاني د/ رشاد رشدي فدخلت عالم آخر مختلف أنساها كل شيء وبخاصة أن رشاد رشدي يختلف تماماً عن زوجها الأول ومن عالم غير عالمه ..ثم تعيد اكتشاف نفسها من خلال كل ذلك بصدق وتركيز وتطلب الطلاق فأنا أنظر لأعمالها من رؤية السيرة الذاتية والإبداعية أنها وضعتها في قالب روائي .
قلت : و د/ نوال السعداوي .
قال : الكتاب عن تجارب روائية ونوال السعداوي قيمتها بالنسبة لي في كتاباتها ودراستها الاجتماعية !!
قلت : وأليفة رفعت .
قال : اختلاف درجات إبداعها من القمة للسفح يجعلني اعتقد وهذا أمر متروك للنقاد أنها تتلقى مساعدات في أعمالها وهذا ممكن في العملية الإبداعية ولكنه لأي مدى ..وكيف ؟! ولذا أخرجتها من حساباتي أنا لا أحب أن أظلمها ولكني أسير وراء ما أشعر به لأخر مدى فهذه قناعتي .واستمر النقاش وحذرني " صنع الله إبراهيم " من سقطتين يمكن أن أقع فيهما : الأولى : كلمة الأدب النسائي وما يدور حولها ومعركتها القديمة .الثانية : أن يكون لدى رؤية في تقسيم المرأة إلى : فاضلة وعاهرة . لأنه لا يوجد شيء من ذلك هناك أدب إنساني ..وهناك امرأة إنسانة لها ظروفها واحتياجاتها وتطورها وظروفها الخاصة .وقال: إذا قبل الأدب التقسيم فلن ننتهي وبخاصة أن هناك من يقسمه لأدب أخلاقي، وأدب مكشوف وهي معركة أخرى أنا أعاني منها وعانى منها إحسان ويوسف إدريس .وقال : إن ذلك واضحا ًفي عقلي الباطن لأني استخدمته : : أليفة رفعت ونوال السعداوي وهما مشهوران في المنطقة العربية بتصنيف : الأدب العاري أو المكشوف
وقال: أنا أخترت لطيفة الزيات لإضافتها لكتابي رغم أنها أبعد ما تكون عن ذلك ، لأني أرفض أيضا ًتصنيف كتاب ( التجربة الأنثوية ) باعتباره في خانة الأدب المكشوف .. أنا أضعه في خانة الأدب الكاشف بمعنى إبداعي لا بمعني تصنيف وتقسيم .وقال صنع الله:اعتقد أن الصدفة والحاجة من عوامل كتابة "التجربة الأنثوية" ففى سنة68 وجد نفسه فى بيروت فى ضيافة المرحوم فتحى القشاوى.ولم يكن معه إلا شنطة صغيرة للملابس وضع فيها عدة روايات وكتاب،اما الكتاب فهو مايهمنا.أنه كتاب Fawcett: The New Bold Women حرصت محررته على إختيار نصوص تغطى الحياة الداخلية والجسدية للمرأة فى مراحل مختلفة من الصغر والمراهقة وفى حالة العشق والزواج والمغامرة ومع طول الاقامة وظروف الحياة عرضت على "مجلة الحسناء" فكرة ترجمة بعض نصوص الكتاب للعربية فى المجلة.. وبعد نشر( 5 ) نصوص من الكتاب لكاتبات من الغرب. جاء أنس الحاج رئيس تحرير المجلة،مستنكرا،وقال (أنت تكتب لنا دعارة!) الترجمة الحرفية فجة، وتوقف النشر،ومعه توقف الدخل القليل الميسر للبقاء ببيروت.ويقول (ولكن لم اتخل عن مواصلة الترجمة للكتاب،بل كنت استغرق فى روايات كاتبات الغرب بحثا عن نصوص مماثلة،لعدة اعوام تالية، وكانى فى رحلة شخصية من أجل دراسة المرأة وفهم سلوكها الجنسى بعامة..كنت أستكمل بلا وعى قلة معرفتى بالمراة..فقدمت للقارىء العربى التجربة الانثوية.). وشربت آخر رشفة في قهوتي الباردة .. التي صنعها لي بيده صنع الله ابراهيم .