الكتاب : أنت وحدك السماء ، رواية للدكتورة هيام عبدالهادى صالح . رؤية العربى عبدالوهاب السبت, 17 مارس, 2007
يسعى الإنسان دوما للانعتاق ـ دوما ـ من أثر المكان ، حثاً عن الحرية والهواء النقى ، ربما يدفع ـ عمره ـ ضريبة مبتغاه ، فهل انكسار الإنسان فى رواية [ أنت وحدك السماء ] هو الدافع ، والمحرك وصاحب التأثير الفعَّال فى تنامى الذاكرة وتفعليها كسارد، يقدم درجات الوعى الرؤى والأحلام ، رغبة فى فى السمو عن سخافات البيئة .. إن اختناق الأنفاس وارتباك الحركة / الفعل .. لدى معظم شخصيات الرواية مرده اعتصار البيئة / المكان لأنفاسهم .. ذلك السعى الحميم نحو توسيع الحيزالمكانى الخانق ؛ كى تمرق الشخوص (ليست النسوية فحسب) تعكس آليات الاضطهاد التى تتنفسها تلك الشخوص ، وتاريخ الروايات التى تناولت بيئة الصعيد اعتنت بذلك وحفلت به ؛ مثل خالتى صفية والدير ، لبهاء طاهر ، واللسان المر ، لعبدالوهاب الأسوانى ، والطوق والأسورة ليحى الطاهر عبدالله .. وغيرها من الروايات ذلك الملح الذى يشكل تركيب بنية الوعى فى صعيد مصر انتقلت أيضا إلى السبنما فصارت ملمحا هاما وحيويا ينم عن تجهم المكان وسعير مناخه وشخصياته .. فهل انتقلت تلك الملامح لجيل إلى جيل الكتاب الجدد وأقصد تحديدا جيل التسعينات .. نعم نراه عند أحمد أبوخنيجر و ....... هذا بالطبع لابد أن يردنا الى طرح إطلالة سريعة عن ذلك الجيل التسعينى والذى تنتمى إليه الكاتبة .. كى نتمكن من الولوج إلى المنطقة التى تشكلت منها الرواية على المستويين التشكيلى / الجمالى ورؤيتها للفضاء الروائى ومن ثم رؤيتها للعالم . بداية جيل التسعينات ( وهيام عبدالهادى واحدة من كاتباته ) يبحث دوما عن ملامحه الخاصة ، يستعيد روح ودفء العالم بتفاصيله الحميمة ، يلجأ كثيرا ليضئ تجربة الحس الذاتى ، حتى تبدو عند البعض متماسة تماما مع أد السيرة الذاتية ، وتجلى الذات ،والاعتناء بها ، بل رؤية العالم من خلالها ، أظن أن ذلك الملح تحديدا هوالفارق فى هذه الكتابة الجديدة؛ بالطبع ثمة ملامح جمالية يجب التوقف عندها ؛ وقد حضرت وتشكلت ـ فى روايات كثيرة ، صدرت فى الآونة الأخيرة ـ كبدائل للنمط السردى السالف ، وهذا يحتاج الى قراءات وقراءات وفريق عمل من النقاد لقراءة وتحليل هذه التجربة التى ضمت بداخلها كتاب وأسماء جديدة ؛ ربما لا ينتمون الى ذلك الجيل ، ولكن نشعر برغبته الجادة فى تجاوز المألوف والنمطى ـ على الرغم من جودته ـ بطرح رؤى جديدة للعالم من خلال الاعتناء بالذات وتشظيها وتعلقها فى الهواء كريشة بلا وزن حقيقى ترصد وتستفرأ انعكاس التحولات الحادة ، وفى ظل تراجع القيم ، والمثل ؛ أمام علو الهشاشة والفساد وثقافة الفضائيات ، وثقافة ( التيك آوى ) ثمة ثقافة جديدة واردة تفتك بالانسان وبالبسطاء ، وبالوعى ؛ تحولات عنيفة من شأنها تولد رؤى وكتابات وروائيين وروائيات وشعراء ومسرحيين ..... الخ ، ينفضون الغبار عن الجيد والأصيل فى تركيب وبينة وعى إنسان الألفية الثالثة وذلك بالتصدى الفنى الحداثى التأكيد للتحولات الزمكانية ؛ وتذبذب الوعى بين سطوة والثقافة الواردة بكل تأثيراتها المدمرة لبنية وخصوصية وثقافة ووعى الشعوب ، وذلك بهدف تذويبها ـ أى الثقافة الخاصة ـ فى خليط جديد بلا ملامح ؛ والذى من شأنه خلق أجيال هشة يسهل غزوها وسقوطها ، وتقلها للمستعمر الوافد ربما يسمون ذلك بمسميات جديدة ورشيقة ( كتفاعل الثقافات ، و صراع الحضارات .... الخ )، كل هذا يحتاج إلى قراءة أخرى ، وموضع آخر ، وإن وجب التعريج عليه ؛ بسبب تعرض رواية ( أنت وحدك السماء ) لبعض منه ، بالإضافة لأن كل ما سبق ؛ يمثل الملاح الهامة والأرضية التى تنطلق منها كتابة ذلك الجيل ، كما ذكرنا . [ 1 ] * بيئة الصعيد تشكلاتها / صلف المكان فى مجتمع ذكورى (( فى ساعات صدقه معى ، قال إنه حين غلقت الأبواب وصرنا وحيدين راودته فاكهتى وأراد تذوقها لولا مانعته حصونى ، تمنى حينها أن يمتلك عشرات الجياد لقفزها .
وأنا أيضا . أحيانا / أشتاق لولوج حدائقك و .......................... ياه .. نسيت أن أبواب حدائقنا موصدة ـ دوننا ـ )) صـ 37
أكاد أزعم أن استقراء ذلك المقطع نقديا كافٍ للوقوف على رؤية الكاتبة للعالم ، وللشخوص فى الرواية .. وللتعريف بآليات التشكيل والمنحى الجمالى الذى ارتكزت عليه الرواية وتمكنت من تفعليه وتنميته طوال صفحات روايتها بدءً من العنوان [ أنت وحدك السماء ] وانتهاء بالحريق الرمزى .. عنوان الرواية بالطبع يحلينا إلى حقل الشعر ، وتوحد المخاطب ـ أنت ـ بالسماء وحلوله بها ، يستدعى الحلم البعيد ، بعد السماء ، لكى تستبعد تحققه ؛ ولا تنفى التعلق به ، بالسماء ، تلك المسافة السحيقة ، بعد السماء عن الأرض تزدحم بالأحلام والرغبات والهواجس التى تتنفسها جميع شخوص الرواية ، فالبيئة قامعة للجميع على المستوى المادى ، وليس ثمة من مهرب إلا بالحلم ، بالاحتماء بالذات ، وعلى الرغم من ايجابية الاتساع بين السماء والأرض إلا أن هذا الجحيم الأرضى مشحون بالرغبات المتأججة المستعصية على التحقق ، ف "شمس" هى التى غلقت الأبواب وترغب فى دفء الحب مع حبيبها "منصور" بطل الرواية ، وكلاهما يسعى بدرجات متفاوتة ؛ بيد أن ترسخ دلائل الشرف والعرض وشح الخيانة هو ما يحيل دون ذلك وهذا ما نراه فى المقطع 28 حين يصطحبها منصور الى شقة بالقاهرة وهى المرأة المتزوجة وتعانى من غياب الزوج ، ويحاصرها الحرمان والرغبة ، وفحيح الجسد بسطوته نراها تتراجع بعد عودتها من الحمام وتصرخ فيه أن يفتح الباب ويعودا دون تلبية نداء الحب ، ورجعية ذلك هو تلك الجملة (( ياه .. نسيت أن أبواب حدائقنا موصدة ـ دوننا ـ )) صـ 37 الرواية تؤكد فى كل مواضعها على تمزق الانسان بين حاجاته السيكولوجية والبيولوجية المهدرة ، وبين معطيات واقعه بحاضره ، وماضيه ؛ ثمة تبعثر ورؤى وأحلام مجهضة تحفل بها الرواية ؛ وتدعمها التناصات المتواترة فى الرواية من توظيف للشعر ـ ولنا معه وقفة ـ الى تناص مع الأساطير والمأثورات والأمثال ، والنصوص الدينية ؛ تقول على لسان "طاهرة" : ( فقدتْ بهجة وجهك ولمعته .. ماذا أيضا فقدت لا أعلمه ؟ تجلس على كرسيك كملك فقد عرشه .. تحمل على كتفيك آلاف الهزائم .. مالها نظراتك خجلى تمسح الأرضية التى تحولت لسيراميك كما أرسلت وطلبت .. جدران الدار المدهونة الذى أعدنا بناءه وارتفع طابقا كما رسمت وخططت . جسدك العفى أصابه الوهن ( فيما أبليته ؟) أنت لست أنت وأنا لم أعد أنا .. المتلهفة المشتاقة التى أحبتك من قبل .. ثلوج تتراكم بيننا تحاصرنا حتى فى الفراش .. لم نعد كما كنا .. أصبحت نارا تشتعل فى أحضانى .. نارا تلسع فى جسدى .. لم تعد رجلى الذى انتظرته ما يقارب بالعام .. ليتك ما عدت ) ًصـ67 ثمة ضياع ألم بالزوج ، منحته الغربة ، البرودة والارتخاء ، كما منحتها الغربة عنه ، ثمة ملامح تتحول بفعل عوامل خارجية ، تحدث فى انحراف " طاهرة " بسقوطها البئر الخيانة ، وبقايا " صفاء أخته الصغرى بمحادثات تليفونية لرجالات القرية المتزوجين ، كأنها تضعهم فى اختبار أمام الخيانة ، حتى تقلق أمن النسوة اللواتى تتفاخرن بماء الحموم المسكوب كل صباح ، ذلك الفعل ، إن اللجوء الى تلك التقنية السردية ، أضاف للرواية ـ على غرابة حدوثه فى القرية ؟؟!!! ـ أضاف بعدين هامين لبنية السرد ؛ أولهما : منحها كم من الإثارة والتشويق ـ حسب المفهوم الكلاسيكى ـ مما ساعد على إنضاج الحبكة الروائية ووصولها إلى قمتها بانفصال ( منصور وأمل ) وانتهاء خطبتهما ، ثانيا دعم بنية الشك والقلق لدى النسوة فسعين الى كشف اللغز ، وذلك بتكليف " خالد " الشاب الغريب والذى يعانى من الوحدة والاغتراب فى المكان بسبب بعده عن عن دفء مدينته الشمالية ، أن يساعدهم فى إسقاط صاحبة المكالمات الغامضة ، ويفلحن فى النهاية من تعرية " صفاء " الأخت الصغرى لمنصور.. وهذه الحبكة كادت أن تنطلى على القارئ ، ذاته فتوجهت ظنونه الى أمل المنشغلة على مستوى آخر بتسجيل ورصد ما يحدث فى مفكرتها الخاصة ، ولا ينجاب الغموض وينحل اللغز إلا فى صـ145 ؛ عندئذ يتوقف الزمن ؛ وتنامى الأحداث ليأخذ الاجترار مساحة أكر على المستوى السردى ؛ يتبادر هنا السؤال ، هل لجوء الكاتبة لتك الحيلة الفنية كان ضروريا ؟؟ فى روايتها أم هى الخبرة التى توفرت لديها عبر مسارها الابداعى فى مجال القصة القصيرة .. أكاد أزعم أن خبرتها بعد نشر مجموعتين من القصص القير ، منحتها القدرة الفنية من التمكن فى إدارة وتفعيل الحكبة الروائية . تلك الحبكة أفادت بالطبع البناء المعمارى فى الرواية كما أنضجت تجارب الشخوص فى روايتها فنرى منصور هو الآخر بعد توجه ظنونه الى أمل بسب التفاصيل الدقيقة المذكورة ( وهى الأخرى تمارس نوعا من الكشف ، من مراقبة التحولات الأحداث واستقراءها فى الخفاء لأنها صديقة " صفاء " أولا ولأنها رافضة لأنماط القهر الواقعة على الأنثى ، فى تلك البيئية الضاغطة بعاداتها وتقاليدها على الأنثى ، الرواية تكمن من إنتاج أكثر من حدث يسير متوازيا مع حدث آخر ولا يلتقيان إلا عندما ينكشف اللغز وتتلاقى الخيوط فى فى بؤرة واحدة ألا وهى تعرية الحقيقة ـ على مستوى الرواية ـ تعرية صاحبة المكالمات الغامضة وافتضاحها ؛ وعلى المستوى الدلالى العام للنص هو تعرية المكان بشخوصه وباذواجية تصرفاتهم وترسخ صور القهر فى وعيهم عبر تاريخ طويل من القهر ، وهى تلتقط تلك المفارقة حين تربط بين تنميط ذلك الوعى المتصلب فى القرية وبين التمثال الفرعونى الذى يجمع بين رجل وامرأة يتبادلان القبلة ، قبلة عمرها آلاف الأعوام ، وأهل القرية يعبرون كل صباح ومساء من أمام التمثال وهم غير مدركين بالبعد الدلالى للتمثال ، ألا يعكس هذا مدى انفصال وانعزال التواصل بين حضارتين ( فرعونية وإسلامية ) بالطبع ثمة فوارق ، لكنها كما تلمسها الكاتبة تدين سلطان العادات المتخلفة فى بيئتها ، التى تمارس ضد الأنثى ، وهذا الملمح تحديدا فى ظنى هو البؤرة المركزية تصب جمبع القنوات الدلالية فيه بجانب عدة رؤى فرعية أخرى كحفل الجبل ، وسرقة وتهريب الآثار ، تدعم الرواية وتمنحها ثقلا فنيا محمودا ؛ أضافها الشاعر محمد الديب في دراسات نقدية