ثورة الحرملك

" وكانت تجربة المرأة مع سعد زغلول، تجربة مفيدة فقد وضح فيها أن الوفد يريد أن يذيب الحركة النسائية فى الحركة الوطنية، والحركة النسائية تريد أن تركب الوفد لتحقيق طموحاتها. ولم يكن السؤال كيف يمكن وضع الوطنية والنسائية فى قنينة واحدة؟! وإنما كان السؤال من يسبق الآخر فى الأولويات والتحرك الوطنية أم النسائية؟! ودون الحكم على التجربة فإن الدرس المستفاد أنه عندما تتعايش الوطنية مع النسائية.فمن المفيد التحرى عن البعد الوطنى للنسائية والبعد النسائى للوطنية مع أخذ العديد من الأسئلة فى تجربة سعد ونساء الوفد بعين الاعتبار.كما أن أبعاد الوطنية عن النسائية والنسائية عن الوطنية تجزئة لا طائل منها وسيخسر منها الطرفان."

  المستشرقة (مارجو بدران)

 كان الزعيم سعد زغلول صاحب خطاب نهضة. وكان يمكن أن يتقدم الرواد المناصرين لقضية المرأة فى بلادنا. وكان يملك أدوات التقدم عليهم جميعاً: الثورة.. الشارع حزب الوفد. فصاحة اللسان والخطابة ولم يكونوا جميعاً بعيدين عنه أو بعيداً عنهم فهو أزهرى سافر للغرب كرفاعة الطهطاوى.وتلميذ للشيخ محمد عبده.وصديق لقاسم أمين ومشارك ومعاصر لأحمد لطفي السيد. وهو من القلائل الذين عاصروا الأميرة (نازلى فاضل) وجلسوا لصالونها وكان محل تقديرها وسرها فهو محاميها الخاص!! ولذا فإنه لم يستغرب ويفتح فاهه من اصطلاح (النسائية) عند ظهوره علنياً (فى المحروسة عام 1899 بكتاب تحرير المرأة) لقاسم أمين.هذا الإصلاح الذى يعنى بمفهومه التحليلى الوعى الناشئ عن الظلم الواقع على المرأة بسبب جنسها وبمعناه التطبيقى صراع المرأة للتحرر من القهرالاجتماعى أو السياسى الواقع عليها وأنشطتها النضالية المختلفة لدفع هذا القهر.ولكن الرجل كان مهموماً بقضية الوطنية.يبحث عن وصفة سحرية لثورة شعبية تسرق الاستقلال لبلاده من تحت عرش الخديوى ومن وراء ظهر دبابات الإنجليز كان يحلم بتفجير الشارع مدنياً وإن كان قد سبق له المشاركة فى ثورة عرابى التى فجرت الشارع عسكرياً. وبالطبع لم يغب عنه أهمية مشاركة المرأة فى هذه الوصفة السحرية الجديدة.ولكنه اعتقد أن النساء فى ثورته كصفية زوجته سيسرن خلفه وسيعطين لقضيته الوطنية أسبقية على قضيتهن النسائية. سيدفعن الثمن ولن يطالبن بالمقابل سيرضين بالفتات ولن يخرجن عن دائرة القناعة. وكم كان واهماً!!

 فقد اعتقد سعد زغلول أن السؤال النسوي وُلد من عباءة القومية والتيارات الوطنية بما يجعله سؤالاً مؤقتاً وتابعاً،وظل السؤال محاصراً على مدار التاريخ الحديث بخطابات آيديولوجية وسياسية وفكرية تسعى إلى توظيفه لصالحها،وفي نهاية الطريق دائماً ما يعتبر السؤال النسوي دخيلاً يُطلب منه المغادرة لأنه قام بدوره. ويتم إقصاؤه بعنف مجتمعي

وقد أعطى سعد زغلول للنساء حرية عريضة إذا ما كان الأمر مرتبط (بالوطنية) وترددت خطواته معهن إذا تعرض الأمر لثورة أخرى أردن أن يخوضنها تحت مظلة الوطنية مرتبطة بذواتهن ولم يكن الأمر مع النساء يقبل ما قبلته (زوجته صفية) تضع البرقع الأبيض على وجهها فى منزلها فإذا سافرت إلى أوروبا فى الصيف،خلعت الحجاب ومشت سافرة!!

وعندما خرجت النساء فى مظاهرات ثورة 19 وسقطن شهيدات. لم يعد مقبولاً من سعد زغلول تأجيل النسائية وتفضيل الوطنية..لم يفلح معهن الشعار القديم لا صوت يعلو على صوت الاستقلال الذى ردده الوفد فى مقولة (الاستقلال التام أو الموت الزؤام) لذا فقد ابتعدن بشكل ملحوظ عن وضع تحرير المرأة تحت مظلة التحرير الوطنى، طالما أنه يؤجل الهدف الأول (النساء) إلى حين تحقيق الهدف الثانى (الاستقلال) وكما تقول المستشرقة (مارجو بدران): إن طرح سؤال هل يتعين على المرأة إعطاء النسائية أسبقية على الوطنية؟!كان يحمل فى طياته صيغة إدانة تفرضها السلطة الأبوية وتفرض على المرأة اختيار بين أمرين،ويفرض عليها عبئاً قومياً ووطنياً،ويلح على تاريخها الطويل الذى تعودت من خلاله على تفضيل الآخرين على نفسها. ويدعوها إلى القيام بتضحيات وتأجيلات لا نهائية، ويثير الإحساس بالذنب لدى اللائى يفضلن ذواته

    فهناك مرحلتان للوعى الوطنى النسائى:

-       المرحلة الأولى (من نهاية القرن التاسع عشر وحتى ثورة 1919).

-       المرحلة الثانية (من 1919 حتى 1923).

واستندت المرأة فى المرحلتين وتعكزت فيهما على الحداثة الإسلامية والحركة الوطنية التى بطابعها كانت مسلمة ولأن النسائية فى المرحلة الأولى كان لها مفهوم شرقى.(ففى هذه الفترة المبكرة ركزت المرأة على إعداد نفسها والجيل المقبل من النساء على حياة جديدة فى المجتمع، وذلك عن طريق التعليم الذاتى، والتعليم الرسمى فقد بدأت المرأة بالتحرك تدريجياً وبحذر شديد نحو الحياة العامة، بينما ظلت محتفظة بتقاليد العزلة،لتتجنب فقدان الاحترام والاستغلال الجنسى.) ولقدحذرت كل من:ملك حفنى ناصف ونبوية موسي من رفع الحجاب فى بداية القرن حتى لا تتعرض المرأة لمضايقات الرجال الذين لم يتعودوا رؤية المرأة المحترمة فى المدينة بدون حجاب. وفى عام 1910 ردت ملك حفنى ناصف على حديث لعبد الحميد أفندي،دعا فيه إلى رفع الحجاب وقالت: إننى مندهشة لدعوتك لنا برفع الحجاب فى الوقت الذى ما زلنا نتعرض فيه للحملقة الوقحة ولملاحظات غاية فى الإحراج عندما نسير فى الطريق!! كانت النسائية التى تطالب بها المرأة فى هذه الفترة تختلف عن النسائية التى ينادى بها الرجل المتحرر، والتى يدعو فيها إلى وضع نهاية فورية لنظام الحريم ورفع الحجاب، ولقد أصرت المرأة على تحديد جدول أعمال خاص بها، وتحديد أولوياتها، وعملياً كان على المرأة وليس على الرجل أن تواجه المجتمع الأبوى،ولقد رأت أن الوقت لم يكن مواتياً بعد،وفضلاً عن ذلك فإن السخرية الكامنة فى تلقى المرأة للأوامر من الرجل بالنسبة لتحررها،لم يكن خافياًعليها فإذا كانت ثورة 19 حاولت الاستفادة من الوعى الوطنى النسائى وأشراكه فى قضية تحرير بلاده، فالمرأة حاولت أخذ الثورة إلى النسائية بل النسائية الغربية ويلاحظ انه فى المرحلة الثانية اشتركت نساء الوفد مع رجال الوفد كما أنهن حللن محلهم أثناء غيابهم" نفى سعد زغلول ورفاقه" فلقد لعبت نساء الوفد دوراً أساسياً فى تنظيم وتنسيق،وتوسيع نطاق التأييد للوفد وفى الأيام الأولى للثورة،عندما تم استبعاد الزعماء من الرجال على وجه السرعة من مسرح الأحداث،حافظت النساء المصريات على الحركة متآججة وحشدن التأييد الوطنى من خلال تعبئة شبكات الاتصال بين السيدات فى كل أنحاء البلاد. فمنذ عام 1919 وحتى عام 1922 حل فيها نساء الوفد محل الرجال ولعبن أدواراً رئيسية مثل الحفاظ على الروح المعنوية للشعب،وتخطيط الاحتجاج،وإدارةالشئون المالية ومواصلة الاتصال بالزعماء الغائبين وسلطات الاحتلال، ووسائل الإعلام والخارج.

وشاركت المرأة كمناضلة فى الكفاح أثناء الثورة،بصفتها مواطنة مصرية وليس بصفتها امرأة.وكما أن الوطنيين من الرجال قبلوا النضال الوطني للمرأة،عندما كان يروق لهم ذلك،مثل مظاهرات المرأة والمقاطعة الاقتصادية على سبيل المثال..وتحت ظروف القهر وعندما كانوا يودعون السجن أو يرحلون إلى المنفى، كان الرجال يرحبون بالأدوار الكثيرة التى تقوم بها المرأة فى مركز الأحداث،كالمحافظة على الروح الوطنية وتوسيع قاعدة التأييد الوطنى،والاهتمام بشئون المواصلات والمالية. ولكن عندما كانت العناصر الوطنية من الرجال لا تزال على مسرح الأحداث، ولها السيطرة على مقاليد الأمور،أهملوا وجهة نظر المرأة،ثم بعد الاستقلال حرموها كمواطنة من حقوقها السياسية المكتسبة حديثاً،وكان قد أصبح جلياً لرائدات الحركة النسائية خلال النضال الوطنى بعد ذلك، أن وطنية الرجل تتسم بطابع السلطة الأبوية. ولكن علينا أن نقرر أن حزب الوفد قبل أن يتعامل مع النسائية بالمفهوم الشرقى برغم أن النسائية بطبيعتها مفهوم غربى يتعين مقاومتها باعتباره صورة من الاستعمار الثقافى وبخاصة أنه منذ عام 1922 أخذت النسائية مظاهر غربية واضحة.

وقد اعترفت المرأة حديثاً بذلك ففى بحث لمركز دراسات المرأة الجديدة 1995 عن (الحركة النسائية فى مصر) أقر بأن من سمات هذه الحركة أثناء وبعد ثورة 19 وحتى 1952.

1-   الاتصال بالغرب الذى كان له أثره فى المقارنة بين أوضاع المرأة المصرية والغربية.

2-   تبنى التفسير المتقدم للدين فى مسألة النساء فى أغلب الأحوال.

3-   محاربة العادات التركية فى ملابس النساء التى وصلت لحد الاعتقاد فى أصولها الدينية.

4-   أن العمل النسائى كالعمل الحزبى فى مصر فى تلك الفترة أعتمد على النخبة والصفوة المثقفة وأنه باستثناء لحظات الاحتدام الثورى أثناء 1919حيث اندفعت كتل النساء للمشاركة فى التظاهرات،والاضرابات،ظلت المساحةالأساسية للعمل للرائدات المثقفات وربما من طبقات بعينها. وكان مركزها الأساسى المدن الكبرى والعاصمة القاهرة. ولم تصل للريف المصرى ولم تتماس مع نساء الطبقات الفقيرة إلا من خلال بعض الخدمات.

- المقال بتصرف من كتاب :الخروج من الحرملك