هواء

من يحتمل ؟

قرصة نملة، طنين ذبابة فوق أذن يغمرها عرق لزج ، من يحتمل الصمت وسط المتحدثين وصوت مترو يطحن فوق عجلا ته ذرات تراب خفيفة ، ويطحن الكلام البسيط الذي يدور بالرأس " أربع وثلاثون محطة" من حلوان حتى المعادى كل شئ بلون التراب ،حتى السماء، ومن بعدها تأتى فوضى دار السلام والسيدة ، الناس التي لها رائحة التعب ووسط عيونهم قسوة غريبة وبلاهة .
" أنا أحتمل الحياة "
أنا أشد وجنتاي وشفتاي وأظهر جزء من أسناني وافعل فعلا فاضح ، أقول لزملاء العمل " صباح الخير "
وفى المترو شاهدت ما يقرب من مليوني امرأة وطفل على مدى أثنى عشر شهر من يوجا الذهاب للعمل ..
احتملت وجوههن جميعا وبطونهن المنتفخة، كل ما أتذكره أنهن جميعا دميمات وعيونهن منطفئة.
الآن أنا اسرق التعب منهن ، أسرقهن وأغرس عيني في نحافتهن وسمنتهن وبشرتهن الملونة بحر الصيف والمساحيق .
وهن غارقات في دراما العودة للبيت..
" أحيانا أفكر في ذات الدراما "
مطبخي، وسريري الذي ينام تحته تراب كثيف و كسر في قلبي يوقظني يوميا في السادسة والنصف ولايتركنى، أغسل أسناني ووجهي وينزلني خمسة طوابق، أمشي حتى سور المترو ولايتركنى، اعبر ماكينته الحديدية كماكينة أخرى لها لحم مكسو بقماش، أمر علي المحطات جميعا ولايتركنى.
"امرأة في الواحدة والثلاثون "
أي قسوة يحملها هذا التعريف،امرأة عرفت طعم الدنيا بين ذراعي زوجها وعرفت طعم الحزن المشاع في هواء الصباح وفى هواء الظهيرة وفى فعلها الفاضح اليومي وظهر الزوج وعيادات الأطباء حيث الناس تتعرى على بلاطات العيادات ، بجوار الأبواب، على أسرة الكشف، في أدراج الممرضات، خزينة المحصلين وفى الأوراق النهائية " لا فائدة "
وأنا أضع الصخرة أمام رأسي وأخبط رأسي فيها في السادسة والنصف من صباح كل يوم.
( والآن أكرهي الأشياء كما تشائين ..)
أكرهي قضبان المترو، ماكيناته، وأكرهي المحطات جميعا والهواء الساخن الذي يأتى من النوافذ، وفتحة باب شقتك في الصباح .
تتركين بيت لاصوت لضحكه يرن به وتنزلين سلالم مظلمة لتجدين حديد المترو في مواجهتك .
هو العمر القادم .
سيكون هكذا .
والموت باب مغلق بعده ظلام .
وألان جربى التسول اكثر ....
زمان كان المريد يجلس بين يدي معلمه ، ينظر المعلم في عيونه بعمق ويأمره بالخروج للأسواق ، لذل النفس
" يابني اكسرها كي تتحرر "
واحد وثلاثون عاما من التسول بلا حصيلة وبلا معلم ينظر في عيوني بعمق ويرني الطريق
والنفس تفتت صارت بلون الدنيا من المعادى لحلوان صارت تراب ، ترك الدنيا كلها ونام فوق حديد المترو، كي يئز بخفوت حين تمر عليه العجلات كل خمس دقائق ولا يسمع صوت أزيزه من أحد سواي .