منذ أيام وأنا أراني كأنما اقف على أعتاب الحياة
أشاهد بعينين طفوليتين ما يجرى بين الناس..على الناس!
اندهش
ارتبك..
وأنا ينتابني سكون الخوف
لا تجذبني من يدي بقوة إلى هذه الحياة رجاء..سأقف كما أنا لمزيد من الوقت قبل أن أتقدم بضع خطوات...هذا هو اختياري الآن إن كان عدم الاختيار يصلح اختيارا!
ربما لم اختر من قبل!
اذكر أنى في يوم من تلك الأيام الكئيبة التي كانوا يقصفون فيها بغداد ,وكان المتظاهرون في كل مكان يملأون شوارع القاهرة وميادينها ,كنت أنا قابعة في حجرتي..
"إياك والخروج من البيت في أيام المظاهرات"
كانت أمي تقول...وأنا امتثل!
كنت ليلتها خارج الزمان..خارج المكان..
مللت أن أرى ما يحدث في بلادي بعيون الفضائيات وعدسات تصويرها الحديثة فاعتزلت حجرة الجلوس التي تحوى التلفاز واخترت أن أغيب في حجرتي وحيدة...
ليلتها هاتفني صديق قديم على هاتفي المحمول (لماذا لم اغلق هذا المحمول الملعون في وجه تسرب العالم الخارجي إلى عالمي؟!!)..
سألني الفتى "أينك مما يحدث بالخارج؟؟أينك من الصخب هذا كله؟فيم انكماشك في حجرتك والتظاهرات تتحدى هراوات رجال الأمن الأشداء؟"...
ولم يمهلن حتى أجيب ,أعتقني من اسر الشعور بالخجل الذي كان ولا شك سيربك إجاباتي بينما ابحث عن مبرر لاحتجابي في حجرتي بينما يمارس الشباب رفضهم للحرب بشراسة..لم يمهلن لا عن رفق بي بل لانه.. اندفع يتغزل في "نورا"..
"جميلة وهى تناضل!!"
هكذا قال...
ونورا هي فتاة تعرفتها منذ شهور..
عهدتها ثائرة تتحدى اللائق بكل ما هو غير لائق..
تتحدى الحشمة بعريها المثير غير المبتذل..
وتتحدى الرجال بترفعها عن مغازلتهم ,هي التي تستفز رجولتهم بجسدها البض وبشرتها الخمرية وشعرها المجنون..من أين أتت بهاتين العينين البريئتين هي العنود؟!!لا تناسبها هاتان العينان!!
تجاهر بلا دينية أفكارها..تعرضها هكذا عارية من كل موروث ومنزل!
حين أحبت "زياد" بادرته هي..صارحته ..لم تنتظر إلى أن يلمح هو ما تحت برقعها ليأتيها فتراوغه!!
كنا نعرف قصتهما..
وحين أحست أن حبه يشكل" قيدا" و"قفصا" وكل هذه الألفاظ الواردة من عالم النساء منذ ما يزيد على قرن(!)أنهت ما بينهما باتصال هاتفي عقب قرار جاء من طرفها وحدها..
وكانت نورا وسط المتظاهرين..كان جسدها المثير منحشرا وسط آلاف الأجساد الأخرى..
كانت تهتف
كانت تصرخ..
وحين اعتصموا صامتين أمام السفارة الأمريكية في القاهرة..اعتصمت وصمتت
هكذا قال صديقي متغزلا..منشغلا عن شئون" الحرب العالمية الثالثة "بجماليات نورا وتفصيلات أنوثتها الشرسة!
أما أنا..فكنت بعدى في حجرتي أحاول "ألا أعبأ باصطياد أحلام لا تلائمني" كما تقول الشاعرة..
كنت أنا الأخرى منشغلة عن شئون الحرب..عن كل بقع الدم القانية على ملاءات الأسرة البيضاء في المشافى..عن الوجوه الصارخة المحتشدة في التظاهرات أمام عدسات الصحفيين..منشغلة حتى عن الصلاة لأجل شهداء الحرب..
كنت –بينما تمارس نورا غضبها الجميل- أمارس ترددي!.....
حين يهب المتظاهرون من جديد ربما أكون معهم..وربما أظل في حجرتي! ..فالصوت العالي يزعجني والصراخ والهتاف يفزعني!!
ربما تمنحنا الأعتاب انتظارا مترددا وتمنحنا أمانا هشا وحياة معلقة...لكن الأعتاب مازالت تلائمني !