د. زهدي الداوودي
شعر يختلف كل الاختلاف عن أصنافه. لا يمكنك أن تعتبره شعرا، ذلك أن الشعر يبقى أمامه كلاسيكيا وتقليديا لا يمكنه مس شغاف القلب، يهدم ولا يهتم بخرائب الشعر. إذا نحن نحتاج إلى تسمية جديدة للشعر، تسمية تربط الشعر باللوحة الفنية بحيث يتحول الشعر إلى عملة ذهبية بوجهين يكملان بعضهما البعض. إن من يريد أن يفهم هذه المعادلة يجب عليه أن يقرأ ديوان "زمن الجوى" للشاعر حكيم الداوودي. وعند بدئه بالقراءة ينبغي عليه أن يحمل معه معجما من النوع الكلاسيكي. وأما الكتابة العادية، فهي الآخرى تبقى حائرة، لا تعرف كيف تعبر عن مشاعرها تجاهه. إنك حين تقرأ "زمن الجوى" تقف حائرا أمام أكثر من أمر، تتأمل السطور التي توحي لك أنها كتبت لآكثر من حاجة وأنها عبارة عن مجموعة أو باقة من الآزهار المربوطة ببعضها البعض. لا تعرف من أين جاءت هذه الازهار. أ هي النرجس النامي في قمم جبال كوردستان المغطاة بالثلوج الأزلية، أم هي شقائق النعمان التي تطرز حقول القمح الخضراء بلونها الأحمر القاني؟ إنها قصيدة من كل وعاء وشعر من كل حديقة تؤطرها مجموعة من الألوان الزاهية التي يفوح منها شذى الألوان التي تضخ عطورها إلى الزوايا المهملة التي تكاد تغطي كل زاوية متروكة من كوكبنا الجميل الذي يتعرض إلى الفناء والإبادة الجماعية من قبل أعتى القوى الهمجية التي تريد أن تمسح التاريخ وحضاراته التي استغرق بناؤها آلاف الاعوام. عند حكيم تتحول الكلمات إلى ألوان. والألوان إلى كلمات سرعان ما تتحول إلى حديقة تحمل الوانها إلى شرايين الألم، حيث القراصنة يشدون القلب بحبال غير مرئية وقاتلة لا يعرفها أحد غيره. الحزن العميق لا يقف وراء الأشياء فحسب، بل يكون جزءا منه. ويطرق الموت أبواب أفراد أهله ويدخل في بيوتهم عنوة ويأخذ ما ياخذ. ويبقى حكيم في غربته، يحول أحزانه إلى شعر حقيقي مشحون بالألم. ويكون الألم باعثا كي يصدر ديوانه "زمن الجوى". ها هو يكشف لنا، بل يؤشر إلى مصدر حزنه العميق الذي يرينا مأساته ببساطة غير درامية، ولكن إنسانية تنقل إلينا عناقيد حزنه الطفولي الذي كتبه القدر على جبينه، دون أن تتمكن أية قوة في العالم من تأجيله. خذ بيد الصبح الماء أطل علينا مركب غامت خطاه في الأثير أطل الهجير يجر ذوائبه فوق الرموش وأنت بلا خل تشد الرحال إلى أين؟ فما بقي لديك من الحزن لا يكفي فخذ بيدي رمم صدى مسلكي غط حوافي شغفي تتشظى ما بين السديم واليقظة تسربل وجهك خلل السياق والمسباق فهم أهلوك لهم سكاكينهم المخضبة
في هذا المقطع من قصيدة " أفق أخضر" يعبر حكيم عن إرادته القوية التي ترينا استعداده لمواجهة القدر. تلك المواجهة التي تعبر عن موقف الانسان القوي: تصدع فلا تبتئس وغذ خطاك ففي الأفق متسع لي ولك لقمع القمع ولا تخذلن قدميك فرحب المدى برمته أمل، بلا سأم أو ألم..
يحتوي الديوان الجميل على 128 صفحة من القطع المتوسط برسوم وتخطيطات شعرية . لوحة الغلاف والتخطيطات الداخلية للمؤلف. تصميم الغلاف والاخراج الفني للشاعر والفنان صبري يوسف. دار نشر فورفاتاريه بوكماشين.