قرأت رواية إرنست هيمنجواي العجوز والبحر كأني أستمع الي مقطوعة موسيقية جميلة، أو أمتع نظري بلوحة فنية رائعة، أو أشاهد غروب الشمس من شاطئ البحر.
العنوان يعبر ببساطة عن بطل الرواية ومكان أحداثها. يحكي لنا الراوي عن مباراة لاختبار القوة بين الصياد في شبابه وأحد الزنوج الأقوياء، انتصر فيها الصياد بعد تصميم ومدة طويلة ليساعدنا في فهم شخصية الصياد وسلوكه في حياته وفي الصيد.
أعجبني الحوار بين الصياد والصبي الذي تعلم منه ورافقه في الصيد مدة طويله، حتي فارقه الحظ فعمل مع صيادين آخرين بحثا عن الرزق. الحوار فيه كثير من النضج والمنطق والعقل، كأنه بين صديقين أو زميلين من نفس العمر.
الفكرة الأساسية في الرواية هي التعامل مع الطبيعة ومع الفشل بالمثابرة والتحمل وقوة الإرادة، فرغم أن الصياد ومعه الصبي لم يحالفهما الحظ لمده ٨٤ يوما، ورغم أن الصبي تركه، إلا أنه قرر الخروج بمفرده إلي المناطق العميقة في البحر، وهو موقن أنه سيصيد سمكة كبيرة تعوضه عن كل خسائره، ويستعين بخبرته ومهارته في تجهيز الطعم وإلقاء الطعم والخيوط إلي أعماق مختلفة، فتشبك في أحد الخيوط سمكة كبيرة كما أراد وتوقع.
وهنا يبدأ الحوار الثاني الجميل في الرواية بين الصياد والسمكة. لغة الصياد هي خبرته ومهارته في الصيد والمناورة مع الأسماك، ولغة السمكة هي مهارتها في محاولة الإفلات من الخيط. ويستمر الحوار بينهما ثلاثة أيام دون نوم، يعجب خلالهم الصياد بمهارة السمكة في الحوار، ويحترمها، ولكنه يقول لها إنه صياد، وعمله ورزقه قائم علي صيدها، ولا بد أن ينجح في مهمته.
وبعد ثلاثة أيام من الحوار تعبت السمكة، وصعدت إلي سطح الماء، فعرف أنها سمكة مارلين ذات منقار، فقتلها بالرمح، وربطها في القارب لكبر حجمها، ثم عاد بها إلي الشاطئ وهو يحلم بالمكسب الذي سيحصل عليه بعد بيعها.
لكن بسبب الدماء التي نزفت منها، هاجمتها أسماك القرش، وبدأت في نهش لحمها، ورغم مقاومة الصياد بكل ما تبقي له من قوة، ونجاحه في جرح وقتل بعضها، فإن أعدادها تزايدت، واستمرت في نهش لحم السمكة حتي وصل بها الي الشاطئ وهي هيكل عظمي، بينما كان الصياد في حالة إعياء وإرهاق شديدين.
يمكن أن نري النهاية علي إنها بداية، حيث أن كثيرا من الصيادين وأهل البلد والسياح شاهدوا هيكل السمكة، وأعجبوا بخبرة الصياد ومهارته، ومن المحتمل أن يدعوه للعمل معهم، أو أن يساعده أحد البنوك أو الممولين في شراء قارب أكبر يستخدمه مع الصبي الذي عاد إليه، فالاحتمال إذن قائم بألا تكون هذه نهايته، بل بداية جديدة لعمله كصياد.