إذا لم يكن لثلاثة وعشرين يوليو أي ميزة سياسية، رغم أنها من أخرج المحتل الإنجليزي من مصر بعد 82 سنة وبعد ثورة سابقة هي ثورة 19 لم تنجح في طرده، لكن لثلاثة وعشرين يوليو الفضل في أمرين هامين جداً لا يتحدث عنهما الكثيرون:
الأول: هو أنها أطلقت ثورة تحرر إجتماعي هائل في المصريين وخاصة في الفتاة المصرية التي خرجت بسبب مجانية التعليم الجامعي لتدخل الجامعة بعشرات الآلاف بعد أن كانت المرأة الجامعية قبل ذلك تعد ظاهرة فريدة، ولكن التحرر الإجتماعي لم يقتصر علي التعليم لكن خرجت الفتاة المصرية بالملايين لتعمل في كل المجالات، وفي عائلتنا خرجت قريباتي وهن في سني ممن لم يدخلن الجامعة معي خرجن إلي العمل في وسط القاهرة بشهادة متوسطة، بينما بدأ الريف المصري يكف عن توريد الفتيات الصغيرات كخادمات ليعملن في بيوت عائلات القاهرة والإسكندرية.
الأمر الثاني بعد التحرر الإجتماعي هو الإنطلاقة الفنية الهائلة التي اندلعت منذ منتصف الخمسينات ثم ازدادت إشتعالاً وتوهجاً في الستينات حيث انتشرت قصور الثقافة في المدن المصرية شمالاً وجنوباً وشجعت الدولة بداية من وزير الثقافة الضابط الشاب ثروت عكاشة ثم إستلام زمام الصحافة الثقافية من قبل مجموعة كبيرة فتحت لها أبواب ومناصب عديدة منهم لويس عوض ورجاء النقاش وغالي شكري فقاموا بتسليط الأضواء علي المئات من المواهب الصاعدة من شعراء وكتاب قصة ومسرح وفنون تشكيلية ورقص شعبي، وماكان لهذه الإنطلاقة أن تحدث بدون مساندة الدولة بشكل قوي وفعال في تشكيل الوجدان المصري بعيداً عن التدين من ناحية والإقطاعية الثقافية من ناحية أخري، وراحت الفنون تتحرر من قبضة النخبة لتصبح في متناول الملايين في المدن والقري.
وساهم فنان الثورة عبد الحليم في إطلاق أغنيات وأفلام تقدم مفاهيم إجتماعية تحررية جديدة علي العقلية المصرية، فكان التحرر الإبداعي يساند التحرر الإجتماعي فكان التسارع في التجديد الفكري والفني خاصة في وجدان الشباب أمثالي في تلك الفترة بالغ الإثارة.
طبعاً ليوليو أخطاء ومثالب كبيرة أيضا، ومن المفيد أن يكون تقييمنا شاملاً للجانبين، دون الإنزلاق إلي مواكب التهليل والتقديس من ناحية والشيطنة والأكاذيب من ناحية أخري خاصة وأن بعض المهاجمين ينسبون ليوليو أخطاء حدثت في عهود لاحقة وكأنها من عمل عبد الناصر وهو تخليط غير سليم، فتعلم الدروس الصحيحة لعدم تكرار الأخطاء هي الفائدة الأساسية من زيارتنا لتاريخنا القديم والحديث.