ضوء في الأعالي

- لا شئ ..
الجسد يتنفس بطريقة خفية ، الهواء يدخل إلى الأنف ويخرج في ذات اللحظة ، دون اختراق للصدر ، يحدث ذلك يوميا .. وببطء ..
- ما الذي بقي إذن ..
أصلا أنا لا أطيق الشكوى من ذات الشيء اكثر من ثلاث مرات ، بعدها يجب أن اكف حتى وان تحولت عن ذلك إلى الشكوى من شئ آخر ..
فكيف تحملت ذلك
وبذات الطريقة في كل مرة .. يبدأ الومض بعد آخر نقطة ماء تغسل جسدي من دماء الحيض ، أعطر الجسد وادخله في ملابس زاهية ، أخطو علي البلاط وأنبض ، يأخذني زوجي بين ذراعيه برفق وتؤدة وكأننا نتحاشى الخطأ هذه المرة – في كل مرة نحاول آن نتحاشى خطأ لا نعرفه – نحاول آن يكون هناك شيئا جديدا ، أعطيه الجسد بالكامل واسكن لحظة انسكاب ماءه ، أنظر لسقف الغرفة وأنصت لنبض غامض
يبدأ في لبزوغ .
أقول في نفسي (هذه المرة لن أصدق فهو نبض بلون الماء الذي يبدو في آخر نظرة العين ،حيث الريق غائب والجلد يحن للبلل،والصحارى حول الواحد تضحك بلا صوت وتغربل رملها أمام العين )
ثمانية وعشرون يوما بالضبط ..- ما هذه الدقة.. ؟ - صرت ألغي أوراق النتائج على الحوائط ، أسماء الأيام والساعات ونشرات الأخبار ومواعيد المسلسلات ، ألغى كل شيء وأتابع تقويمي الخاص .
والحلم يبدأ في اليوم الأول بعد رحيل الغول الأحمر ذلك الذي يأكل صوت النبض القديم فيما يعاود الظهور ثانيا وقد ارتدى رداءا خبيثا من التخفي ،فأقول بل هو شيء جديد تماما ، سينمو ، وسأظل أخطو على بلاط الدنيا وسلالمها وطرقاتها ، أخطو على الأرض بطولها وعرضها وأتيه بوزني الذي يزداد وبطني المنتفخ كمنطاد كبير وصدري الذي يتحول آلي ما يشبه وسادة منتفخة ، يزداد وزنى وأخف ، أخف وتصير الخطوات الأفقية رأسية بالتدريج ، هكذا ، واحد ، اثنان ، ثلاثة ، أربعة ،
يا...ه
الروح تنقسم..اثنان ..والدماء اثنان .. القلب يصير قلبان ، وفي عمق الظلمة تنبت عيون صغيرة ، تنبت مثل زهرة وسط أخضر كثيف .
ثمانية وعشرون يوما ، أتابع تجمع النبض ، يشع ضوء . يتجمع اسفل البطن واسفل الظهر ، شمس يدور حولها جسدي وعيوني تتلصص علي استدارتها ، أتابعها ، أقول في خفوت هو شئ جديد ، حقيقي ، ستتشابك الدماء الدقيقة وتصنع أشياء متناهية الصغر ، ( لابد انه الآن في حجم حبة الذرة ) .
أظل أتابع تحركات الحبة أهيئ صدري لصغر له ملمس الزهور ، أفكر في اسم يليق ، وملابس تليق ومدرسة تليق وطريقة في حمله وتهدئته وتقبيله واحتضانه ، طريقة تليق .
احمل الصخرة من اليوم الأول واصعد بها متجهة للنور ، اصعد ، العرق يتساقط والجسد يخف ، لا أقدام لي ولا رأس ولا ازرع ، اصعد أهيئ عيني لوهج في الأعالي ، وصدري يتخيل طعم الهواء الصافي ، أحمل الصخرة ولا أشعر بثقلها ، والأيام تمر ببطء النمل ونظامه أيضا وفي الليالي الأخيرة أرى الحلم يستحيل لفافة لدنه تتحرك بين يدي وفي قلبي ينبت رعب حقيقي من قدوم كائن يشبه الموت ، يخبط ظهري وبطني ويعطي اللفافة لأناس آخرين..
صرت أكره ذلك اللون ، أكره الأزيز الذي يسبقه ، خبط أسفل الظهر ،شئ يمتص من الركبتين و انتفاخ كاذب بالصدر، تتشبث يدي بالصخرة ويقول القلب هي حركات عادية لحبة الذرة ، ساعتها لا أسمع صوت زوجي ولا الناس ولا حتى أصوات الأحلام ، فقط أنصت لصوت النبض وأحلم بمرور اليوم الثامن والعشرون ، أقول لو مر ذلك اليوم فسيموت الموت ، وستكبر الحبة وسيملأ البيت بالجلبة والجمال ..
- دائما .. ؟
- يأتي الأمر بغتة ..
أبعد ملابسي قليلا لأري دائرة في لون الجحيم وأحيانا تشبه قوس ابتسامة وسخرية وغبار ورمال وريق يغيب وشفاه تغلق بعد غياب صورة الماء البعيد فيما يثقل الجسد الخفيف، والصخرة تنزل من الأعالي تزل ببطء، حقيقي ،وقسو.