(سناء البيسى فى القصة تعادل يوسف ادريس وتزيد عليه) صافى ناز كاظم
صدرت مجموعة سناء البيسي القصصية ( الكلام المباح ) عن دار سعاد الصباح بغلاف لحلمي التوني في 213 صفحة من القطع المتوسط تحوي أكبر عدد من القصص القصيرة رأيته في مجموعة قصصية لكاتبه ( 39 ) قصة !
وحينما تتصفح هذه المجموعة تتساءل :
من أين أتت هذه الناعمة، الهادئة ، المحبة للظل سناء البيسي بهذه الأبجديات .. لقد وضعت حروفها في الفرن الأنثوي فأصبحت طازجة وساخنة دوما ً؟!
أسقطني في هوى هذه المجموعة هذا العنوان "الشهر- زادي" الجميل
( الكلام المباح ) أعادتني لعصر الرجل " شهريار " حينما كانت المرأة تحكي له لتهذبه وتعلمه وتعامله كطفل صغير . لا أن تقف في وجهه رأسا ًبرأس وعراكا ًونكدا ً..فسناء البيسي آخر كاتبه يمكن أن توصف كتاباتها بالنسائية..فهي لا تحب أن تسير في مظاهرات الأبجديات الموصوفة ( بالفيمنيزم ) ولكنها تحب أن تعيد للأشياء فطرتها وحلاوتها وقد أهدت هذه المجموعة لابنها هشام بعبارة مختصرة ( إلى هشام ..ابنا ًوصديقا ً) وقررت أن تربط مجموع هذه القصص بأمومتها وابنها لا أعرف أهذا عن قصد ، أو بدون قصد ؟! ولأنه قرة العين وتخاف عليه من الهوا الطاير.. اعطت المجموعة خبرتها الانثوية الشهرزادية ..
وفي كل قصة تلمح قلب الأم ونصائحها. وهذا واضح من عناوين وجوهر موضوعات المجموعة : (صورة روميو ، فستان الزفاف ديك برعي ، كيد النساء ، ظمأ الشفاه ، العصمة في يدي ، لأنه بلغ الأربعين ) وغيرها ، فالمرأة تنسب حينما تلد لأمومتها قبل أن تنسب لجنسها !!
إنها في هذه المجموعة لا تقف مع حواء طول الوقت وإنما تقف مع آدم معظم الوقت والمجموعة يصعب عرضها فهي خطاب غير مباشر منسوج الأبجديات بشكل رقيق لا تعرف فيه كيف نطقت بلهجات الناس ومشاعر البشر بدون خروج على اللغة العربية ..
وها أنا أختار واحدة من قصصها ( كيد النساء ):(فجأة كإعصار دخلت فاطمة تسب العيال والعيشة والفقر وحماتها والغائب النذل الهارب من مسئولية تهد الجبال تنبهت لوجوده عندما سعل ، التقت عيناهما غادة فارهة لينه . فهدة مثارة . يخرب بيتك يا متولي .. قاعد هناك تعبئ رمال صحراء في صدرك وتارك ست الحسن والجمال هنا وحدها ترعى في غابات المدينة .. عيون بلون السماء في وجه دقيق باسم الغضب .. الشعر ذهبي هفهاف يستعصى على التصنيف..مقاييس صدر متمرد جهنمي الترويض.. واسمع هذا الوصف ( دست النقود في فتحة صدرها كأنها لم تسمعه بعد أن منحته كرشوة ضحكة لعوب ..)
أما القصة فعن معاناة عمال التراحيل في الغربة .. وآه منها غربة حينما يكون مع هذه المعاناة نساء لهن كيد فاطمة تصف الغربة بأوصاف حركية ووقائع لا بطريقة معنوية فتقول :(ريس الأنفار طاف بالعمال محذرا ًيكشف نقاب الحقيقة عن قسوة الحياة الجديدة فيها الخطر متربص في كل ثقب وركن .. لا تحركوا صخرا ًإلا بحذر،ولا تجلسوا على الأرض بجوار براميل الوقود فالثعابين تعشق رائحة الزفارة ، فتشوا الفراش قبل النوم ولا تطردوا الخنافس من خيامكم ، لأنها عدو العقارب) وتكتب عن غواية فاطمة لأحد أصدقاء زوجها الذي جاء إليها حاملا ًنقودا ًوخطابا ًمن زوجها فيكون هذا الموقف على لسان ذلك الصديق ( ساعة الحظ يشتريها ابن آدم بعمره .. بنت عمه هناك كالرصد قاعدة له في الانتظار مثل الموت حمل التليفزيون وأقمشة الشقيقات إلى فاطمة ليجلس بجوارها على الكنبة ثلاثين يوما ًيتعشى كفتة وطرب من حاتي أشارت عليه به ، وتميل فوقه فاطمة بكوب تمر هندي مثلج ناضح العرق.تشهق بالتأثر من صراخ تراجيديا أحداث فيلم فيضع يده على كتفها مواسيا ًوينسى أن يسحبها .ويسب في سره متولي ومن أنجبه، مع أن متولي هذا هو صديقه وبلدياته أعطاه تحويشة العمر ليعطيها لزوجته فاطمة ..فقعد بجوارها لم ينس صديقه وحده .. بل نسى نفسه أيضا ً!! )
وهكذا كلما قرأت قصة من مجموعتها قلت: الله يا ست فأنا أشارك مفيد فوزي في أن سناء البيسي مطربة الكاتبات .إن ما تكتبه موال عراقي أو توشيحه أندلسية أوطقطوقة من الموسيقى العربية لسيد درويش.. فالعبارات براح ..واللغة طيعة ..والمترادفات متتالية كموج البحر..والكلمة ( بتجري ورا الكلمة عايزة تطولها ) والنفس طويل .. دفقة واحدة وتتابع منسجم . وآه من سخريتها إنها تكتب نوع من الأدب الساخر عالي المستوى ، أي مادة قاسية للغاية تعالجها معالجة كوميدية تسمى الأستاذة لطيفة الزيات رحمها الله هذا النوع ( Satire ) أو هجاء ساخر وها أنا أفتح قوس لهذه السخرية ( زوج تجبر ، مصعد بلافته معطل ، حائط شوه بكتابات جارحة ، روشته دواؤها بلاد برة ، عيد ميلاد نجمة في عرض مستمر،عتاه يرتعون في الحصانة ، ألفاظ خارجة على لسان محجبة ، أرقام الإدمان في بلد مقطوعة النفس ، حتمية أن تحمل الأم في منتصف يونيو ليفي الأبن السن القانونية لحظة تقديم أوراقه للدراسة ، وشهادة تبلها وتشرب منقوعها ومسبحة بين أصابع عابث و .. و ... ) وهي تفعل كل هذا برقة همسة ناي وبوداعة قطة سيام أشبعها الدفء وبقفشة أنس لشلة أحبه في آخر الليل ..وحينما وصلت في قصتها ( العصمة في يدي ) لأخر فقرة (حجتي في غياب يومين بحقيبة سفر كانت رحلة ثقافية لعضوات الجمعية ، يعارض زوجي بصخب مزيف وعيونه تلمع بسعادة خفية ، يا سيدي عندك وهيبة لهلوبة تلبي أي حاجة .. في الثامنة أدرت مفتاحي تصحبني شقيقته السمجة وزوجها الكريه وأبوه المتغطرس وصديقه فحل القانون ، مع صاحبتي المفضلة ، باقة شهود دعوتهم مستغيثة على عجل في حجرة نومي طرح الصديق على زوجي ملاءة وهرولت وهيبة من قسوة المفاجأة تقر باكية بدموع حقيقية ..و..أصبحت العصمة في يدي والعمارة والأسهم والفدادين باسمي ..وأسأله وأنا خارجة هل تريد شيئا ً.. يهمس بخشوع .. سلامتك !! ) يا بنت الإيه إنها نفس موضوع ( إحسان عبد القدوس ) في قصة ( القط أصله أسد ) ولكن سناء أشطر في الحبكة والعقدة القصصية ..فالقصة تحكي عن الرجل الحمش وكيف تستطيع المرأة أن تقلم أظافره أنها نسخة عصرية لأسطورة شمشون ودليلة، كتبها احسان وادريس ومحفوظ وتكررها البيسى على مسامع حبيب القلب والعين وحيدها الذى اهدت له مجموعتها القصصية فى دلالة واضحة للأمومة لتعيد وتزيد وتكرر النصح بقصة تحكيها بصور متكررة جديدة..لقد اكتشفت الزوجة حقيقة زوجها أمام ( رقصة لراقصة ) وتصف سناء ذلك " عجيب امر بعض الأزواج في بلدي وبينهم السيد زوجي فرغم جلوسهم فوق مقاعد لها سلطة وجاه وسطوة وثروة وسلطان إلا إنهم لا يستحون.هؤلاء رغم أقنعتهم الرصينة اللاصقة وتدريباتهم المتمرسة في اتخاذ سمات وقار أوصلهم لمكانتهم المرموقة ، إلا انهم مذلون مهانون أمام جسد يتموج ، تستطيع أن تتسلل إلى كواليسهم في لحظات معينة لترى حقيقتهم بلا رتوش،وعندما يستدعى الأمر وجودهم عن قصد أو بلا قصد في دائرة إشعاع راقصة تتثنى على واحدة ونص ، فما أن تسيطر موسيقى الغاب ويمتلئ الجو بصخب دفوف واصداح صاجات وطرقات رتم طبلة بدائية الدعوة حتى تفاجأ بصنف أولئك الاوغاد وقد نسوا الزوجة والبيت والعيال والمركز والمرؤوسين واللجان وقيم المجتمع وجرائد المعارضة ومشدات الهيبة وعادوا إلى بلاهة طبيعتهم البكر قرودا ً عابثة كثيفة الشعر بأفواه لاهثة وصدور متهدجة وعواء جوعى وظمأ شره عنيف حار.لا شعوريا ًيتكالبون بمسام مفتوحة على مركز مغناطيسية الإغراء حيث الأنثى الراقصة تشرخ غلالاتها انطلاقات سيقان عارية تتجاوب إطلالاتها المدربة مع ارتعاشه أسطح عارية تضغط ثناياتها عناقيد مطرزة بوهج الأصداف ، توزع تموجات مهاراتها حبة فوق وحبة تحت، فيقوم الصدر الوفير بأداء منفرد ، ويتوهج طغيان الخصر ليقود كمايسترو بنوايا ماكرة عزفا ًجماعيا ً" وتقرر أن تسحب الراقصة لبيتها لتحول رجلها وأسدها لقط ويأتي نسج سناء البيسي " بلا لف ولا دوران أريدك في بيتي تفرغا ًكاملا ًوسأجزي لك العطاء ، لا تهمني لا أمانة ولا شرف . لقمة العيش عندي لها مذاق آخر بمنتهى الصراحة أريدك عونا ًفي خراب بيتي،السبيل الوحيد للانتقام ممن أذاقني الهوان ألوانا ً..الموهوبة التقطت مرادي ومكيدتي على الفور . ذكاء قطري حاذق .. تحت أمرك يا ست هانم قمت بهذا الدور مرات ومرات بمشيئة المولى لن يخرب بيتك وسعادة البيه سيصبح من بعدي مثل الخاتم في إصبعك .المطلوب معلومات بسيطة "
وتبهرني سناء البيسي بمرادفاتها ودقتها فهذه هي المعلومات المطلوبة (لون سيادته المفضل ، ونوع الرائحة التي تستهويه وفصيلة القماش الذي يحركه ، واوقات مزاج قهوته ، ولحظات سجيته ،ومذاق شوربته ، وطبقه المفضل ،ودندنة حلاقته ، وتاريخ مرضه وزجاجات دوائه ، وسمك نظارته وساعات نومه ، ومراسيم يقظته ونقاط ضعفه ، وغرابة عاداته ) إنها معركة حربية في شكل خراب أسري ..ثم أسمع كلام الراقصة وكيف تقمصت الراوية شخصيتها واستعارت لسانها دون أن تخل ولو بعبارى بالذوق او اللغة العربية " إنها تقول : عملت مع بهاوات يلعبون في أنوفهم وأصابع أقدامهم وغيرهم يتركون باب الحمام مواربا ً، ونوع يدور في الحجرات بأدق الملابس الداخلية ..
وقلت في نفسي لماذا سناء البيسي متوارية ومختفية كنباتات الظل عن شمس الحركة الأدبية والنقدية لماذا هي راضية أن تكون مجرد فرع أخضر يكتب في بلاط صاحبة الجلالة مع أنها كاتبة قصة مقدامة ومميزة ولا يجاريها فيما تكتبه أحد,هل أعطوها رئاسة تحرير مجلة كرشوة أو عربون سكات عن موهبتها ككاتبة تقش كل الموجود ؟!
آخر قصصها الجميلة من هذا النوع المستور المحترم !! وهي عن علاقة سكرتيرة متطلعة بمدير عينه زائغة (شوف..لا أقول لك أسمع فقلمها يسير بكاميرا ساخرة ترصد بوضوح).
" بسرعة بسرعة سيادة المدير طالبك .. أنا ؟! .. حالا ً..
استدارت بتلقائية تطمئن على انشغال عيون كل من حولها عنها .. ومن بين براثن الآلة الكاتبة نزعت ورقة لم تكتمل سطورها ، كورتها وألقتها عشوائيا ً. في أكثر من دوسيه مكتظ دست تقارير هامة بلا ترقيم .
بلا ضجة فتحت الدرج وسحبت من داخله المشط تلقيه في حقيبة يدها إلى الخارج مرقت كسهم وبعدها هرولت إلى حمام جانبي . بآلية سرعة أفلام شارلي شابلن الصامتة تتحرك أنا المرآة . ياقة البلوزة تخرجها من فتحة الجاكيت لتحيط وردية نسيجها بوجهها. التوكة التي تخنق خصلاتها تنزعها وتطوح شعرها ليتناثر شلالا ًعل الجانبين ، بخبطات متلاحقة من مسحوق حمرة الخدود ضجرت وجنتيها بلون الخجل.على بروز غطاء زجاجة البارفان ضغطت لتدير الرذاذ العبق في سحابات تحيطها بأريج الياسمين الهندي،عروة اختصرتها في حزامها زادت من ضيق محيط خصرها ليبرز بدوره إنحناء استدارة صدرها فيشرئب أكثر وأكثر ، في شد جواربها للعلالي تغالت لتنصب قوالب السيقان سالمة من غير سوء يغلفها اللون الطازج المدخن ..أصبح لامع أدارته على اكتناز شفتيها غمسهما في بريق شهي .ولفته أخيرة مطمئنة بمثابة ختم باسبور العبور تنهدت بعدها تملأ صدرها بهواء "
الأن ضمنت أن تكسب الترقية أو العلاوة القادمة؟!