رواية "دنيا جات" للروائية المغربية لطيفة حليم
بقلم :الدكتور سميح مسعود الحياة الاسبوعية 2-8-2007
صدرت هذه الرواية مؤخرا في الرباط ,عن دار منشورات زاوية الفن والثقافة, إنشغلت بها لطيفة حليم "استاذة الادب العربي في جامعة الرباط " برصد قضايا كثيرة تتصل بالمرأة والسياسة والحب والجنس, إلتقطت منها ببراعة بعض الملامح الموجعة ألمثقلة بجراح الواقع العربي المعاصر,غاصت بها بتميز وجرأة , ورسمت شخوصها في خضم هذا الواقع بعناية فائقة , تنقلت بهم بكل سلاسة على إمتداد صفحات الرواية بلغة عربية جميلة , تتناثر بها بعض كلمات الدارجة المغربية, مع تبيان لمعانيها بالفصحى في كعب الصفحات .
إهتمت الرواية منذ سطورها الاولى بالاجابة على أسئلة كثيرة تتصل بعالم ألمراة , محاولة بكل جرأة زعزعة الكثير من العادات والموروثات الاجتماعية المثقلة باساليب قهرها وتهميشها, ولهذا تعج الرواية على إمتداد صفحاتها بعدد كبير من النساء , حاولت الروائية تحريضهن على التغيير , وتجسيد نموذج جديد عصري للمرأة العربية مغاير لنموذج " ألمرأة ألدمية ".
تتميز الرواية بلقطات سردية جريئة ناقدة ,بالتركيز على الحدث والدخول مباشرة في تفاصيل مشاهد كثيرة دون إستخدام التلميح والاشاره ,ومتاهات خبايا الدلالات الترميزية , وبالاعتماد على منهج نقدي ساخر في تفاصيله , يستهدف الوقوف مع الحداثة والتجديد ,وتغيير الواقع المعاش الى أفضل ما يكون .
لم تترك لطيفة حليم تفاصيل الرواية غامضة مفتوحة لاستنتاجات القارئ كما يحلو له , بل إهتمت بتسليط الضوء بكل وضوح على مضامين إنسانية واقعية , وقضايا إجتماعية حساسة ومهمة , لأيصال صرخات صادقة لتمكين المرأة العربية,والتعامل معها كأنسان على قدم المساواة مع الرجل .
وهكذا دخلت الرواية في غمار تفاصيل واقعية ,لنماذج كثيرة من مظاهر الظلم الموجهة ضد المراة العربية , كالضرب والتهميش والتسلط والوصاية والطلاق دون فسخ لعقد الزواج , وتعدد الزوجات والزواج المبكر للفتيات الصغيرات ,الذي تعتبره الرواية شكلا من أشكال الاغتصاب .
والملفت إدخال إسقاطات كثيرة في البناء السردي من أصول اللغة العربية كمثال على تهميش المرأة لغويا, كذكر القاعدة النحوية التي تنص على "أن جماعة ألانا ث تخاطب بلفظ الجمع المؤنث , واذا لحق بجمع ألمؤنث ذكر يتحول جمع المؤنث إلى جمع المذكر " , وترجع الرواية السبب في ذلك إلى أن ألنحاة من الرجال , والنحو والصرف من صنعهم , وكذلك القواميس من صنعهم , ولهذا تتوصل لطيفة حليم إلى نتيجة " لم أجدها عند غيرها " مؤداها أن التسلط اللغوي للرجل العربي قد ساد منذ حقب قديمة .
ولم يسلم ابن المقفع من النقد في هذا السياق بسبب كرهه للمرأة واحتقاره للنساء في قوله: " إنهن لا يتجاوزن ألاعتناء بجمالهن , ولا تملك اي امرأة من الامر ما يجاوز نفسها , فان ذلك أنعم لحالها وأرخى لبالها وأدوم لجمالها , وانما المرأة ريحانة وليست قهرمانة ."
إن إستخلاص هذه ألصور من سديم الواقع لم تقلل من تواصل التداخلات السردية للرواية , بل زادتها ثراء لانها وضعت بعناية كبيرة وجمالية واضحة , واتساق كبير مع تواصل السرد, وهذا هو الذي شجع لطيفة حليم على الاكثار من هذه المشاهد الواقعية , ولم تنس في اطارها ذكر نصير المراة قاسم أمين, والناشطة من اجل حرية المراة درية شفيق "التي اشتهرت في خمسينيات القرن الماضي" وإنجازات الحركة النسائية با لمغرب , ومراجعة مدونة الاحوال الشخصية لصالح المرأة , كي تشارك في صنع القرارات السياسية والحكومية , وأمور أخرى كثيرة وظفتها ببراعة لتوصيل رسالتها بكل وضوح للتعامل مع المرأة كأنسان فاعل بالمجتمع تمتلك ذاتها فكرا وممارسة , وتتمتع بنفس مقومات الرجل وقدراته , وليست مجرد تركيبة جسدية للمتعة والتكاثر.
مجمل القول إن رواية " دنيا جات " إضافة مهمة للادب ألنسائي العربي , ذات رسالة جلية , تدعوا إلىتغيير الواقع العربي , وتقريبه من قواعد الحداثة المعاصرة طواعية واختيارا , ونحن أحوج ما نكون إلى هذه الرسالة التجديدية في هذا الزمن الذي يسود به الاتجاه المحافظ عنفوانا , ويزداد تراجعا نحو الوراء , دون مراعاة لروح العصر , بما يمثله من حرية للانسان, ومساواة بين الجنسين دون رجوح لاحدهما على الاخر