الكاتب "الطيب صالح" مؤلف تلك الرواية ،حياته (12 يوليو 1929 - 18 فبراير 2009)، أديب سوداني وأحد أشهر الأدباء العرب أطلق عليه النقاد لقب "عبقري الرواية العربية". عاش في بريطانيا وقطر وفرنسا؛وفى هذه الرواية: يزور مصطفى سعيد بطلها : وهو طالب عربي ــ الغرب؛ فيصل من الجنوب، من إفريقيا، بعيدًا عن الثقافة الغربية إلى الغرب بصفتة طالب؛ فيحصل على وظيفة محاضر في إحدى الجامعات البريطانية ويتبنى قيم المجتمع البريطاني، وهنالك يتعرف إلى زوجته، "جين موريس": وهي امرأة بريطانية ترفض قبول إملاءات زوجها...، بعد أعوام يعود مصطفى إلى بلاده، حيث يلتقي هناك بصورة مفاجئة براوي القصة الذي عاش أيضًا في بريطانيا؛ فالقصة نفسها تروى عن طريق قصص يرويها القاص والبطل. اختيرت رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" كواحدة من أفضل مئة رواية في القرن العشرين على مستوى الوطن العربي، وقصارى القول تتناول الرواية في مضمونها مسألة العلاقة بين الشرق والغرب، وتُعد من الأعمال العربية الأولى التي تناولت لقاء الثقافات وتفاعلها وصورة الآخر الغربي بعيون الشرقي، والغربي بعيون الآخر الشرقي الذي ينظر إليه كشخص قادم من عالم رومانسي يسوده السحر ويكتنفه الغموض. وقد تطرق "الطيب صالح" في روايته إلى هذه العلاقة من خلال شخصية بطلها السوداني الذى هو أحد ثلاث شخصيات رئيسية، جسد كل منهما رؤية مختلفة للوجود؛ فتظهر في أول الرواية شخصية الراوي الذي يمثل الجيل الثالث في الرواية، والذي عاش أغلب حياته بعد رحيل الاستعمار الإنجليزي، يليه شخصية الجد والتي مثلت بساطة المجتمع التقليدي، مجتمع ما قبل الاستعمار والتحديث، وبعده شخصية مصطفى سعيد البطل السودانى المذكور مسبقا؛ وهوالشخصية الرئيسية والأكثر إثارة للتأمل، فهوطفل يتيم الأب يعيش هو وأمه وحيديْن، ويقرر الالتحاق بالمدرسة والتعليم النظامي الحديث؛ ليُظهر هناك تفوقاً ونبوغاً ملفتين للنظر، يرى فيه المعلمون معجزة، إذ يقول له ناظر المدرسة: "هذه البلد لا تتسع لذهنك". ثم سهل عليه الدراسة في القاهرة ولم يبلغ الثانية عشر بعد، ومن هناك وبمساعدة عائلة مستشرق إنجليزي يكمل رحلته للدراسة في لندن، وهنالك يضيف إلى جانب تميزه وذكائه العقلي وتحصيله الجامعي العالي رصيداً كبيراً في إثبات فحولته مع نساء بريطانيا الذين احتلوا بلاده مع تقديم صورة ساحرة عن الحياة في المجتمع الريفي السوداني ؛فهو يحس بجذوره دائماً ويحن إليها، هذه هي أرضه ومنها يكتسب هويته :"تمتلئ عيناي بالحقول المنبسطة كراحة اليد إلى طرف الصحراء حيث تُقام البيوت،أسمع طائراً يغرد، أو كلباً ينبح، أو صوت فأس في الحطب، أحس بالاستقرار، أحس أنني مهم، وأنني مستمر ومُتكامل". فضلا عن استمرار علاقته بالتاريخ كمصدر للذاكرة والإحساس بالأمن: "أذهب إلى جدي فيحدثني عن الحياة قبل أربعين عاماً بل خمسين عاماً، لا بل ثمانين؛ فيقوى إحساسي بالأمن"… نظر الراوي إلى الاستعمار كجزء من التاريخ وجزء من الذاكرة التاريخية التي شكلت وعي المجتمع السوداني بعد الاستعمار ؛فتحوّل مصطفى سعيد إلى أسطورة يحكي عنها كثيرون ؛فقد تفوق في جميع المجالات في بريطانيا؛ ومن ثم ظهر التساؤل مع الجيل الثاني في الرواية مع شخصية البطل المذكور الذي أحس بمرارة الاستعمار وعايشه وشهد نهبه لثروات بلاده، ومع احتفاظه بأمله في أن ينتصر لذاته، أصبحت صورة الذات التي تمثلها مصطفى سعيد بوعي هي صورة الشرق المستعمَر المهزوم ما قبل الحداثة، متمثلاً في حالة الرجولة البدائية الجنسانية الشهوانية واللا عقلانية، .... أما الآخر: فهو الغرب الأوروبي بحضارته الغربية الصناعية وتقاليده الأرستقراطية المتجسد في المرأة الأرستقراطية الأوروبية (شخصية جين مورس). وهكذا تمثلت العلاقة بين الشرق والغرب في وضع صراعي بين رجل بدائي وامرأة أرستقراطية. إن مجتمع ما بعد الاستعمار مجتمع أصبحت ثقافتـــــــه هجينة
( ملقحة بين ثقافتين مختلفتين)، يتولد عنه الآن ذات منقسمة (شخصية الراوي) ترى بعينين، وتتكلم بلسانين، وترى الأشياء بيضاء سوداء معاً، لا شرقية ولا غربية، تلك كانت مأساة مصطفى سعيد. أما مأساة الراوي، فهي أنه يحاول التخلص من ميراث مصطفى سعيد، يحاول أن يختار، يحاول أن يكون ما بعد الإستعمار، لكي يتاح له أن يكتب حتى صفحة الإهداء من قصة حياته: بعين أم بعينين؟ أسود أم أبيض؟ شرقي أم غربي؟ أم هما معًا؟!..؛ فقد كانت "جين مورس الأوروبية الأرستقراطية، تمثل الحضارة الغربية المتفوقة التي تدرك بالضبط هذا التفوق وحجمه، أذلت مصطفى أعواماً، وأهانت كبرياءه...، وشروطها، التي انصاع لها مصطفى سعيد ذليلاً، تمثلت في أن يعطيها مزهرية ومخطوطة وسجادة صلاة ... باعتبارها لوازم "الشرق" ومتعلقاته المعبرة عن ذاته وهويته الأصيلة المتخيّلة، ثم أتلفتها"،.وذروة العنف في علاقة هاتين الشخصيتين سلّمت فيه جين نفسها لمصطفى سعيد، الذي مارس معها الجنس وقتلها في الوقت ذاته، وهي مرتاحة راضية؛ فالذى اختفى ليس مجتمعات ما قبل الاستعمار، وطرائق معيشتها فحسب، بل أوروبا ذاتها. ، فليس ثمة غرب أو شرق بعد الاستعمار، ففي الرواية اختفى مصطفى سعيد، لكن الأرستقراطية الأوروبية" جين مورس" ماتت أيضاً، وهي النتيجة المفروضة لعالمنا الحديث الذي نعيشه منذ قرن ونصف تقريباً، عالم فقير في هوياته .