في ديوانه الجديد «الأخبل: إلى سيلا تنظر الآن في المرآة»، ما يَكتب عند الشاعر جوزف دعبول، هو دمه وليس قلمه، وهو مرآة تكشف وقنديل يضيء
المصدر الجمهورية – الخميس 02 شباط 2012
فالكلمات تنساب من لاوعيِه لتسطّر ما عانى وما يعاني، إذ ينقلنا في مجمل شعره ونثره، في هذا الديوان الصادر عن دار «الغاوون»، من محطة يأس الى أخرى، محاولاً إيجاد نفحة من أمل الإنسان الذي فيه، فيصطدم بالعتمة، منكسراً محطماً. عندها، يقول: «غسلت وجهه بالياسمين، بالأخضر، أهدته الكتاب، والقرية، انفتحت الكنيسة على لحن نايِه او كاهن هَبّ بإكليل الزواج، فيبست أوراق الأميرة، وذوى لحن الناي» (ص 56).
صور جوزف دعبول الشعرية أشبه بـ (روائز الإسقاط) في علم النفس، تنفتح على إيحاءات ومدلولات متعدّدة، متشظّية، لا يربطها ببعضها بعضاً إلّا هسيس شفّاف شبه مَمحوّ، وعليك أن تعدو خلفها حتى لا يغمض المعنى عليك أكثر فأكثر. لذلك، نقرأه يقول: «لن ألعب بعد اليوم بالجسد والروح. إيقاع الأرض رقصتي ونجوم السماء أفواه غنائي السمفوني (ص51 ). وعن العدم يقول: «نلغي الفراغ، انفسنا الفراغ مرآة نملؤها أخيلة وظلالاً (ص61). يشعر جوزف دعبول بالسعادة في الانتظار، حتى لو لم تأت الحبيبة: «انتظرتُ حبيبتي من الصباح إلى المساء ولم تأت، ورغم ذلك شعرت بالسعادة». فالحياة عنده تسير على رغم الموت: «الحمامة تهدل على سطح عاشقة، حفّار القبور قبالتي الأمر بديهي أحدهم مات وآخر يمارس الحب مع عاشقة» ( ص 141). يأخذنا الشاعر هنا الى حقيقة الحياة وإلى استمراريّتها وواقعها، بصمتها وموتها، بصخبها ولذائذها، حيث الأمر يتعدّى نكس الحبيبة بوعدها، إلى موت أحدهم، وقيام آخر بفعل الحياة مع العاشقة.
الديوان حمّال أسئلة أمام وجود متشظّ كصاحبه، مفتّت، يواجه الدين والحب و»ثيمَة» الموت المَركونة في كل قصيدة نثرية أو أقصوصة تخييلية: «الجثّة لم تعد في حاجة الى الموت»… حبّي أسود… ليس الموت كما تتخيّلون… فلك يتهادى حياة فوق حياة الموت… عُد الى عمق الجذور… المراكب محمّلة بآلهة ماتت منذ أزمنة سحيقة».
ديوان الشاعر جوزف دعبول السوريالي في أكثره، والرومانسي في بعضه، يتماهى في مدلولاته مع ما احتواه من أقصوصات تخييلية، ويذهب في تخيّله إلى مذهب التقمّص الذي لا نعرف إن كان يؤمن به فعلاً، أو أنه استخدمه هنا من أجل غرضية تجميلية تعويضية لنفس يائسة باحثة عن الحبّ الحقيقي حتى ولو وراء الموت، لاحقاً بحبيبته في حياة أخرى، على رغم تناقض في مواقفه من الواقع، فهو العدميّ، والوجودي في آن معاً.( ص76).
يبقى أن الديوان نفس تئن وتتوجّع ناشدة قصيدة النثر والأقصوصات لتعبّر عن بياض فيها، وعن سواد أكثر محمّلة بأسئلة وجودية بائسة باحثة عن المعنى الحقيقي للحياة والموت وما بينهما من أحاسيس وانفعالات، تكشف كمرآة وتضيء كقنديل.