مها عابد المصدر: موقع www.bab.com
**اسم الكتاب : نوافذ زرقاء. **اسم المؤلف : ابتهال سالم. اسم الناشر : الهيئة المصرية العامة للكتاب. 2001م
** رواية نوافذ زرقاء رواية تتكون من عشرة فصول، بطلتها "بهلول"، وهو اسم غريب لفتاة تتمرد على ذاتها الأنثوية، وتنغمس في تجارب وحكايات، وتزاحم عالم الرجال في الأفكار والعمل والترحال والتنقل والاستقلال، بل تواصل العمل الرجالي وتدخل المجال السياسي.
أسلوب متعمد
ابتهال سالم في كتابتها للرواية، استخدمت الضمير المذكر كثيرا والمؤنث قليلا في مخاطبة بطلة الرواية، ولكن في الرواية يوجد الكثير من الوعي بالنفس الإنسانية ومقدرة فائقة على سبر أغوارها، والتمرد والجرأة في الكتابة. بهلول "البطلة" التي تدور الرواية حولها هي شخصية موجودة في كل مجتمع، الأنثى الثائرة على الأوضاع أو على وضعها، أو الراغبة في الانتقام من جنس الرجال، أو التي تتمتع بمنافسة الرجال، وتعتبر أن الانتصار عليهم والعمل معهم هو جزء من نجاحها في حياتها عملا وحياة. وتقدم لنا الكاتبة هذه الشخصية بأسلوب جميل ومشوق، يعطي القارئ فسحة من التفكير في أمر المرأة وحياتها، وهل منافسة الإناث مع الذكور في صراع الحياة هي أمر ميسور ومقبول من المرأة وللمرأة. البيئة الذكورية لا تسمح بمزاحمتها من النساء، لذا فقد لاقت بطلة الرواية الكثير من القلاقل في حياتها، مما يجعلنا نصف هذه البطلة وغيرها كشخصيات شاذة ونادرة، وشخصيات لا تنسى.
شخصية غامضة
تتحدث الكاتبة عن بطلة هذه الرواية وتعلن من البدء أنها كانت تشبه الرجال، لم يكن التشبه صنعا بل كان طبيعة: (اعتدت لبس البنطلونات منذ صغرك، حتى قصة شعرك كانت على وتيرة واحدة "ألاجرسون" مثل الولد، كما كان يحلو لأمك أن تحلقها لك، كنت نحيفا ذا شعر فاحم وعينين سوداوين، ترتدي البنطلونات والقمصان الخفيفة حتى ليخيل أحيانا لمن يراك أنك صبي لا محالة. ودوما تقفش نفسك ويقفشك الناس، وأنت تحاور نفسك بصوت عال حين يزنقك أمر ما، وتضرب لخمة.)
مواجهة الواقع
كانت فتاتنا من النوع الحالم الشارد الذي يتجاوب مع الأحلام حتى ليظنها أنها الحقيقة ويتفاعل معها، وكانت أحلامها كثيرا ما تختلط بالواقع الذي تعيشه. إن بهلول كثيرا ما تأخذك من الواقع وتحلق بك في حلم جميل في أشد الوقائع صرامة. أحبت أحمد، الشاب الإسكندراني الأسمر، ولكن أهلها رفضوه، فرفضت أهلها، وغادرت البيت، بيت أهلها، هاربة إلى بيت أحمد وإلى أهله، الذين وقفوا معها. ليست الأنثى الوحيدة من هذه العائلة التي تمردت على الحياة فيها، فأختها سميحة، أخت وصديقة، وقريبة من قلبها وأحلامها، وكانت بهلول تصارحها، وتفتح لها قلبها: "اقتربت سميحة أكثر، ربتت على كتفك. - أي قرار؟ - هجيت من البيت وقررت الاعتماد على نفسي - قلت وأنت تنظر بثبات في عين سميحة التي ازدادت اتساعا: - - أبيه أحمد يعرف؟ - حاكتب له جواب على وحدته، أفهمه كل حاجة"
حب صادق في حياة شقية!! ومن خلال الفصول التسعة الباقية نعيش مع بهلول نتيجة حياة التمرد والانفلات الأسري: عاشت بهلول، التي تبحث عن السعادة والحرية، عاشت وحيدة، فقد كان يتركها زوجها أحمد ليعود إلى وحدته العسكرية، وهي طالبة في السنة الثانية في كلية الآداب، عاشت فترة في سكن الطالبات، ثم في غرفة مقابل أن تعطي دروسا لأبناء صاحبة البيت بأجر زهيد. وجدت نفسها مطرودة من عملها، طفلها الذي تمنته وأنجبته، لم تستطع الاحتفاظ به فأرسلته إلى أم زوجها فلا مكان له في حياتها الشاقة. زوجها الجندي يغيب عنها، وتفتقد إليه، إنها تعيش وحيدة كما تقول الرواية " وفي النهاية تنتهي وحدها بين جدران غرفتها تعتصرها الوحدة. وحدها وحدك وحائط الانتظار ثالثكما، رائحة أحمد في كل ركن فيها، هنا كان يضع رأسه تحت الماء البارد في الفجر كي يلحق بطابور التمام، هنا كنت تنتظره تحت النافذة مع شريط الضوء الآتي من بعيد وأول خطوة تدب على الطريق. تحت الملابس المكومة في الدولاب العتيق "زوج" الجنيهات التي كنت تدخرهما من فلوسك القليلة (حق الدخان) حين ينزل إجازة."
روح إنسانية
زوجها الجندي يعود إليها بعد الحرب، مبتور الساق مع إصابة بشظية في عينه، لم تتركه، ووقفت معه رغم نصح أخيها لها بتركه قبل أن يؤثر التشوه الذي حصل له على نفسيته، ويعيش مهزوما في داخله، وقد يجعلها تدفع هي ثمن هزيمته، ساعتها لن تستطيع التحمل. لكنها صمدت معه، وحاولت رفع معنوياته حتى على حساب نفسها أحيانا. مرة أخرى تنخرط في خدمة الجميع، وتحاول مساعدة خادمة المعلمة "زوبة" التي اتهمتها بالسرقة وحاولت التخلص منها، هذه الروح الجميلة الطيبة، التي نستشعرها في هذه الشخصية التي تواسي الكل تجد نفسها ضائعة في النهاية. (أين أنت من نفسك يا بهلول وأين أحمد منك وأسرتك وصغيرك، كل في مكان، وكأن زمنك انقسم شتاتا وأضحى من الصعب جمعه، في انكساريات متكررة مع هذا الواقع اللعين الذي تعانيه، وكأنه لا مكان في الواقع لهذه الروح المحبة). وتتواصل أعمالها الخيرية والإنسانية وتوافق زوجها الذي تنازل عن شقتهم الممنوحة لهم من القوات المسلحة، لتكون مأوى لمن لا مأوى لهم. ان هذه الرواية فيها شيء من الواقع، والكثير من الخيال، ولكن الرواية تهدف أن تظهر أن هناك شخصيات قد تبدو شرسة ومعاكسة إلا أنها شخصيات لا تنسى، وتقدم خدمات لا يقدمها الآخرون الذين يتمسكون بالمبادئ طالما هي في صالحهم أو لا تتعارض مع مصالحهم.