بحبك يا كاريكاتير.. بدون تعليق وبتعليق كمان

لا أتذكر أول رسم كاريكاتيري شفته في حياتي. إلا أنني أتذكر البهجة أو الفرحة التي شعرت بها بعد أن رأيت واكتشفت وجود ما يسمى الرسم الكاريكاتيري أي الرسم الساحر والساخر معا .. وتساءلت كيف يمكن فعل هذا أو أن أرسم بخطوط تبدو بسيطة (أو هكذا تصورت) ما يمكن أن يصدم أو يحرك عقل المشاهد له .. ويا ريت بالمرة يخطف قلبه كمان.

وانطلاقا من هذا الوله الذي تنامى بداخلي تجاه الكاريكاتير شكلا وموضوعا .. صرت أبحث عنه في أي مكان وفي أي زمان. في صحف ومجلات موجودة في البيت .. أو في صفحات لها ملفوفة فيها ساندويتشات أو أي مأكولات تأتي الى منزلنا. وكم كنت سعيدا حين اكتشفت في مكتبة والدي كتب ومجلات كاريكاتيرية أرمنية للفنان العظيم الكسندر صاروخان وهو يسخر فيها من المواقف الاجتماعية في الحياة الأرمنية ـ ومنها الفشخرة الكدابة وينتقد الأقوال الفضفاضة أو المفاهيم المضللة المنتشرة لدى الأرمن ..

صاروخان لكونه رساما للكاريكاتير وكمان أرمنيا كان من الطبيعي أن أجده حينذاك قريبا من قلبي. خصوصا أنه كان حاضرا بنفسه لبعض النشاطات الثقافية والفنية في نوادي الجالية الأرمنية. وقد شاهدته وعايشته من بعيد ومن قريب وأنا في سنوات الصبا والشباب.

صاروخان بالنسبة لي كان هو نفسه بشحمه ولحمه وطريقة مشيه وابتسامته العريضة يبدو كأنه كاريكاتير يمشي على قدمين .. عظمة صاروخان تتمثل بلا شك في غزارة إبداعه وإنتاجه على مدى سنوات عمره. توفى في ١٩٧٧ وكان في ال٧٨ من عمره. كما أن ريشته وخطوطه الساخرة الساحرة تناولت العديد من القضايا الدولية والمصرية والسياسية والاجتماعية..وبالتأكيد تم الاشارة أحيانا إلى عدم اجادته للعربية كلغة ومن ثم مشاركة محمد التابعي ومن ثم آخرين في صياغة كلام الكاريكاتير ..الا أن المصري أفندي ـ الذي ولد على يده بينطق مصري ويحمل في شكله كل تفاصيل المصري أفندي .. صاروخان بشكل عام برسوماته شكل وأطلق صواريخ عديدة بعيدة المدى .. وعميقة المعنى.

صاروخان ومن جاء معه من قبل ومن بعد مثل رفقي وسانتيس ورخا وعبد السميع من رواد الكاريكاتير المصري في حاجة إلى اعادة قراءة حياتهم وابداعهم وتجميع أعمالهم الكاريكاتيرية .. ليس فقط بمفهوم الحفاظ على التاريخ وحماية التراث ـ تحنيطها لا قدر الله .. بل بمفهوم التعرف على البصمات التي وضعوها في الصحافة المصرية ـ الهلال وروز اليوسف وآخر ساعة وأخبار اليوم ..والاحتفاء بما أثروا به حياتنا وذاكرتنا وأيضا الطرق التي قاموا بتمهيدها لمن أتي من بعدهم من رسامي كاريكاتير في مصر.

ــــــــــــــــــــــــــــ

رسوم الكاريكاتير كما اعترفت أبهرتني منذ بداية تعرفي عليها.. نعم سحبتني وجرجرتني وأنعشتني وأغرقتني في بحار شاسعة تتلاطم فيها خيالي مع رغبتي وسعي للابتعاد من واقعي أو الهروب منه وبحثي عما أريد أن أفعله فيما بعد في حياتي.. ويجب التذكير هنا أن المشكلة ـ بالنسبة لمن كان حولي من الأهل والمعارف كانت أن كل ما يتعلق بالخيال والفرفشة والضحك من غير سبب أو حتى بسبب يعد مجرد تسلية وملء لفراغ الوقت .. وغالبا تضييع للوقت!!

إلا أن شغفي ظل يطاردني دائما على الحرص بأن أكون في حضرة رسامي الكاريكاتير ..يابختي وهناي إذا حدث هذا .. إذ ربما يفككون لي شفرتهم وألغازهم في رسم الكاريكاتير واضحاك القراء .. أهلا !! وماذا عن احراج الكبار ــ نفوذا وسلطة ـ ببعض الخطوط الطائشة والماكرة في الوقت نفسه؟..

ترددي على دور الصحف ـ تحديدا روز اليوسف وصباح الخير مع نهاية السبعينيات كان فرصة للالتقاء بهم .. ورأيت وعرفت وفي بعض الأحيان تواصلت مع زهدي وجورج البهجوري ورجائي ونيس والليثي وحجازي وناجي ومحيي اللباد وإيهاب شاكر ومحمد حاكم ورؤوف عياد ورمسيس وأخرين وسمعت من عم زهدي العدوي صاحب رسم غلاف أول عدد من مجلة صباح الخير ـ يناير ١٩٥٦ عما يريد أن يحققه من تأسيسه للجمعية المصرية لرسامي الكاريكاتير .. وذكرني صلاح جاهين بما رسمه في العدد الأول من صباح الخير.. عدد رسومات جاهين في هذا العدد وصل الى العشرين!! انها جريئة وصادمة وبالطبع ساخرة وساحرة .. فكرة وخطوطا .. وجاء معها ميلاد أبواب كاريكاتيرية أسبوعية ـ مثل قيس وليلى ونادي العراة ..ثم قهوة النشاط . وبالطبع كنت أتأمل باعجاب صمت حجازي وتكشيرة صلاح الليثي وأتساءل كيف تأتي الصرخة من هذا الصامت والضحكة من صاحب التكشيرة.. وبالطبع مع إيهاب شاكر كانت مناقشاتنا حول رسمه لفرقع لوز وجيل تليفزيونجي وأنا أسأله عما يراه ولا أراه أنا وهو يضع هذه الأمور أمام القارئ. ولا شك أن اعجابي كان مستمرا لكل هؤلاء من صناع القفشه والنكتة واللقطة الساخرة والبهجة المصرية. هم كانوا من كافة الأجيال .. كلهم كانوا رجالا هكذا كان المشهد .. لذلك كانت دهشتي وأيضا فرحتي كبيرة يوم أن التقيت بدعاء العدل في جريدة الدستور ـ رسامة كاريكاتير !!

وكان لي الحظ أن أعايش عن قرب تجربة أحمد طوغان في اصداره لمجلة "كاريكاتير" في بداية التسعينيات. مجلة أسبوعية نقدية ساخرة تحقق بمساهمة صديق عمر طوغان رجل الأعمال محمد يحيي زيدان. تولى رئاسة تحريرها كل من طوغان ومصطفى حسين وضمت الكاريكاتير ـ رسما وكتابة شارك فيها نخبة من الأقلام الساخرة بجانب الرسومات الضاحكة والمضحكة!!

حدث آخر ارتبط بعالمي المسمى "بحبك يا كاريكاتير".. كان عام ١٩٩٢

وكنت في صحبة العزيز جمعة فرحات في افتتاح المتحف الوطني للكارتون في بوكاراتون ـ بولاية فلوريدا. وكان حدثا أمريكيا كبيرا بحضور الأسماء البارزة والشهيرة في صنع عالم الكارتون والكاريكاتير في العالم . جمعة حضر من مصر ليكون ممثلا لفناني الكاريكاتير من مصر والعالم العربي خاصة أن جمعة مع صديقه فنان الكوميكس الأمريكي جيري روبنسون (رسام باتمان ـ الرجل الوطواط) كان قد ساهم في ضمان تواجد مجموعة من رسومات لزملائه المصريين والعرب في المتحف الذي ضم مئات من الرسومات التي شكلت تاريخ الكارتون في أمريكا والعالم كله. وقد كتبت آنذاك في صحيفة الأهرام ويكلي ـ مقالا مطولا بالانجليزية عن تاريخ وواقع الكاريكاتير المصري عبر السنوات.وهذا التقرير كانت تصاحبه رسومات كاريكاتيرية شغلت صفحة كاملة من الصحيفة القاهرية الأسبوعية. وأذكر هنا أن نسخا من هذا العدد المذكور تم توزيعها على الشخصيات الأمريكية الفنية الحاضرة لهذا الاحتفال الكبير. وخلال اعدادي للمقال ذهبت الى مكتب مصطفى حسين .. لكي أتلقى منه رسما يضم كل شخصياته الكاريكاتيرية التي عشنا معاهم وأبهجونا على صفحات الأخبار. الفنان الكبير بعد أن انتهى من رسمهم أمامي نظر الي وتساءل .. هل نسيت حد يا توماس .. مش عايز حد منهم يزعل مني !!

ـــــــــــــــــــــــــ

بحبك يا كاريكاتير

ونعم في الكاريكاتير أجد رسم قلب ومزاج ومذاق الصحافة المصرية .. عايز تقيس نبض الروح المصرية في الصحيفة أو المجلة ابحث عن الكاريكاتير على صفحاتها .. أيا كان مضمونه سياسيا أو اجتماعيا.
...

بحبك يا كاريكاتير

بدون تعليق .. وبتعليق كمان