هالة البدري في 'امرأة ما': حاولت كسر تابو الجنس لكني اكتشفت أن الرقيب بداخلي لم يمت!
حوار: طارق الطاهر أخبار الأدب - 23 يونيو 2001
إلي أي مدي استطعت في (امرأة ما)معالجة تمزق الإنسان بين عالمية: العلني والسري؟
موضوع الرواية، هي تلك الأسئلة أو المواقف التي تطرح علي الإنسان في أي مكان، ولا يجد لها إجابة محددة، ويظل يراوغ نفسه ويتحايل علي المجتمع، ويرتدي الأقنعة المختلفة من أجل الهروب من مواجهة الذات والناس، فالإنسان المشتبك مع الحياة والواقع دائما في حالة ازدواج، ولا يتمكن من أن يتخذ قرارا بالخروج من هذه الازدواجية، لذا أنهيت الرواية بدون حلول صارمة فناهد تبلغ حبيبها عمر بأنها لم تعد تستطيع الاستمرار في هذه الحياة المقسمة بينه وبين أسرتها وزوجها، وعندما يذهب عمر إلي بيته يسيطر عليه ما ذكرته ناهد، رغم عدم تصديقه المطلق لسماعه هذا الكلام مرارا، إلا أن الأشياء تبدو أنها علي وشك الحل.
ألا تري أن هذه النهاية، تكرس للوضع القائم، أي تؤكد الازدواجية بدلا من أن تضع أيدينا علي حلول للخروج من هذا المأزق؟
ليس بالضرورة أن تجد الحلول عندي، فالمبدع غير مطالب بتقديم حلول جاهزة لما يطرحه، بقدر ما هو مطالب بكشف 'الحالة'، 'فامرأة ما' هي إدانة لحالة التراخي الموجودة في المجتمع، التي تؤدي إلي عدم القدرة علي اتخاذ القرار والتكريس لازدواجية الإنسان.. فناهد تعيش في صراع مع نفسها لأنها لم تقدم إجابة نهائية للقضاء علي حالة التمزق الذي تعيشه بين زوج لا تحبه، وحبيب ترغب فيه وتقيم معه علاقة، إلا أنها لم تستطع الانفصال عن زوجها حتي لا تتفتت أسرتها، فالواقع يقول ان الانسان المشتبك مع الحياة والمجتمع في حالة ازدواجية دائمة.
شخصيات الرواية قريبة من مجالك الصحفي والثقافي.. ناهد مفتشة آثار، عمر روائي وصحفي.. ما دلالة ذلك؟
من أجل أن تكون هذه الشخصيات أداة طيعة في يدي، أستطيع من خلالها طرح الأفكار العامة والاحتكاك بالقضايا المجتمعية بجانب مناقشة أزمة الحرية.. فناهد مفتشة الآثار رمز للمرأة التي تري تاريخها وتعرفه معرفة جيدة، فهي ليست مبتورة الجذور، وهذا ما أدي بها إلي إبلاغها الصحف عن الطبيب الذي سرق قطع أثرية ليتاجر فيها، فهنا ناهد لم تستطع أن تلعب لعبة التوازنات بل فضحت الموقف!
يصور عمر الحالة التي انتابته أثناء أزمة الوليمة وانعكاسها علي روايته قائلا: 'تحاصرني الأسئلة ومانشيتات الصحف، وأنا أكاد أنهي روايتي.. معتقدا أنني قتلت الرقيب الداخلي.. وكتبتها كما أريد بالضبط.. يحاصرني مجتمع قاهر لا أستطيع فيه أن أكون ما أريد'.. هل هذا إسقاط لما شعرت به أثناء كتابتك 'امرأة ما'؟
إلي حد ما هذا صحيح، فبعد اتخاذي قرارا.. أثناء أزمة الوليمة.. باشكال 'امرأة ما' بالصياغة التي أريدها ونشرها كما هي، اعتقدت أنني فعلا قد قتلت الرقيب الداخلي، ولكن عندما قرأتها بعد الطبع، اكتشفت أنني دخلت في لعبة الأقنعة مثل ناهد وعمر، ولو أنني قتلت فعلا رقيبي الداخلي لكنت سميت الأشياء بمسمياتها، بمعني ذكرت أن المشكلة بين ناهد وزوجها مصطفي هي عدم التوافق الجسدي والوصول لأعلي درجات التحقق في هذه العلاقة وكان من الممكن لو أني بالفعل قتلت الرقيب لما احتجت لهذه اللغة الغامضة، فلايزال الرقيب يلعب معي لعبة الأقنعة.
هل معني ذلك أنك حذفت من الرواية؟
في آخر لحظة حذفت سطرا واحدا، لاحساسي بأنه لن يخل بالسياق وكانت جملة تقريرية، ولم يحدث غير ذلك، فقد كنت عازمة علي نشرها كما هي حتي لو رفضتها دار الهلال، فكان لديٌ عرض بنشرها في بيروت، وذلك ثقة من أن العمل الفني له شكله وقيمته التي يجب أن تحترم، فأنا هنا لا أكتب لكي أدغدغ مشاعر القاريء، إنما الهدف هو أن أدفعه لكي يفكر في المشكلة التي أطرحها، عن طريق كسر احدي التابوهات الجنس.
بهذا المعني روايتك تنتمي ل'كتابة الجسد'؟
ليس لدي أي مانع من أن ندرجها حسب استقبالك وغيرك لها، فالجسد غطاء للروح ولا يمكن أن نصل لحقيقة الروح بدون المرور بالجسد، لذا: أري أن الكتابات التي تندرج تحت هذا الاسم في مصر ما هي إلا محاولات ولكنها مسطحة وليست حقيقية.
ذات يوم دخل عمر علي زوجته ماجي فوجدها تحرق روايته.. هل هذا معادل لما تتوقعينه من إدانة المجتمع لروايتك بحرقها (حتي علي المستوي المعنوي)، أم أن الحرق هنا إشارة لتاريخ المحارق في الثقافة العربية.
ما أقصده تحديدا هو إدانة الهمجية، فما جي تصورت أن الرواية تعادل حياتها، وعندما كتب عمر نهاية الرواية وجعل الزوج يترك زوجته ويذهب لحبيبته، تصورت أن هذا الوضع ينطبق عليها فقامت بهذا السلوك الهمجي، بدلا من أن تبحث في ذاتها عن الأسباب التي أدت إلي فتور علاقتها به، خاصة أن ماجي متعددة الثقافات من أصول يونانية وعاشت في مصر.
تطرقك لموضوع أزمة الوليمة في روايتك امرأة ما، بشكل أقرب إلي التقرير، حيث قمت برصد ردود فعل المجتمع وما حدث فيه من انشقاق وسؤالك هل نتحول إلي جزائر أحري تقتل مثقفيها وكتٌابها؟ هل اعتبر ذلك موقفا متقدما منك للدفاع عن روايتك لاحساسك بعدم تقبل المجتمع لفكرتها بسهولة؟
الحقيقة لا، قصدت من طرح مشكلة الوليمة في روايتي أن اتساءل: كيف يتحقق الإنسان في مجتمع لا يمارس فيه حريته، من هنا انطلقت لمناقشة موضوع الوليمة في مجتمع انقسم علي نفسه بشكل 'غشيم'، فهم ذات الأفراد الذين يشاهدون يوميا لمدة ثلاث سنوات الجريء والجميلة وهو المسلسل الذي يدور في فلك العلاقات المحرمة، وهو أيضا ذات المجتمع الذي يتواطأ ويغض البصر عن أشياء جوهرية في حياتنا، مثل علاقتنا بالدول الكبري التي تطلق علينا عالم ثالث، فما حدث في أزمة الوليمة هو موقف غير حقيقي من جانب أناس أشعلوا الموقف واستندوا إلي تقديم معلومات مغلوطة للمجتمع، لذا فأنا هنا أدين عمر وهو رمز للمثقف الذي اكتفي بمجرد الفرجة علي هذا الموقف ولم يفعل شيئا.
طرحت في روايتك علي عمر أسئلة مهمة تتعلق بمستقبل الثقافة المصرية والواقع الذي نعيشه مثل: الشللية التي تسيطر علي الحياة الأدبية والثقافية في مصر، وهل ما يحدث الآن هو نتيجة فساد الحياة الثقافية، لكنك لم تقدميها إجابة.. فهل تقدمين إجابة الآن؟
نعم، بكل تأكيد، فلماذا تم السكوت علي أنواع الفساد العام، فوسط ثقافي يحتفي بالهامش وبأعمال شديدة الرداءة ويصنع نجوما في غاية الهشاشة، وتحتشد مؤسسات بأكملها لتقديم عمل لمجرد أنه لفلان الفلاني، دون قيمة حقيقية للعمل ذاته، ألا يعد هذا فسادا؟!