النسوية وكتابة الجسد
"المرأة لا تولد إمرأة بل تصير كذلك" سيمون دو بوفوار - كتاب "الجنس الثاني"
« اكتبي نفسَك يجب أن تسمعي صوت جسدك،فذلك وحده هو الذي يفجِّر المصادر الهائلة للاَّشعور» هيلين سيكسو
( الجسد مكون من مكونات الكيان الإنساني كان لابد من التأكيد على حق المرأة في تقرير مصيرها الجنسي،ولأن المرأة قبل أن تكون أنثى فهي إنسان اعتبرت الكتابة الإيروتيكية دعامةضمن مسار تحرير المرأة تستطيع من خلالها الكاتبة طرح مشكلاتها والتى هى مشكلات النساء.) فرجينيا وولف
ارتبط ظهور مصطلح الكتابة الإيروتيكية النسائية عالمياً مع ظهور مصطلح الكتابة النسائية ضمن سياق تحرري قادته المرأة الأمريكية في ستينيات القرن الماضي ملتحفه فيه بالنسوية الجديدة. وفي هذا السياق نشأت المدرسة النسوية في الفكر واستمرت على مدار ثلاثة أجيال وظهرت العديد من المدارس الفكرية الفرعية التي حاولت تنقيح النسوية والتعديل عليها بما يتناسب مع المراحل الزمنية والأطر الثقافية والجغرافية فنجد أن الفكر النسوي خضع في كل مرحلة لمزيد من التحديث،ولا يزال-إلى وقتنا الحاضر- يشهد المزيد من التطوير المستمرمع تغير مساحات الحركة للفكر النسوي بالتزامن مع التطور التكنولوجي الحديث وظهور مااعتبره العديد من النشطاء موجة رابعة للنسوية سميت "النسوية الالكترونية" فالنِّسوية بدأت حركةً سياسيَّةً اجتماعيَّةً ترى أنَّ النّظام المجتمعي السائد نظامٌ أبويٌّ ذكوريٌّ، يتخذ الرَّجل فيه دور"المركز" والمرأة فيه لها الدَّور الثانوي الآخرالمساعد فدعت إلى مساواة الجنسين سياسيّاً واقتصادياً واجتماعياً ونيل المرأة الحقوق التي يتمتع بها الرَّجل ثم تطوَّرت هذه الحركة السِّياسيَّة إلى حركةٍ عقديَّةٍ لها رؤاها إلى الوجود وقضاياه؛وهي بوصفها حركةٌ عقديَّةٌ للرِّجال والنِّساء معاً فالحركة النِّسوية الأولى طالبت في القرن التِّاسع عشر بالمساواة الاجتماعية والقانونيّة بين الرَّجل والمرأة،ولم تكن تُسمَّى آنذاك بالحركة النِّسوية.اما الحركة النِّسوية الثانية فأفكارها من كتاب كيت ميليت عن"السِّياسات الجنسيَّة" وكتاب فردريك أنغلز (أصل العائلة والملكية الخاصّة)وجاء فيهما أن النِّظام الأبوي (البطريركي) قام على سيطرة الرَّجل على الأسرة واضطهاده للمرأة وأنًّ هذا النِّظام ليس النِّظام الوحيد الذي عرفه التاريخ الإنساني، فقد سبقه النِّظام الأمومي وهذا النظام عرفه التاريخ وسبق عصور التحكم والسيطرة الذكورية الذي كانت فيه الملكيّة جماعيّةً والنّسب يعود إلى الأم وفى هذه المرحلة ظهرت كتابات وابحاث عن"المرأة الإله" التى سبقت الرب الإله أو كانت معه.وظهرت كتب عن عشتار الربة فى بلاد الشام ،وايزيس الربة فى مصر القديمة والإلهة ميليتا(Mylitta) فى بابل.وفي بلاد الفرس الإلهة ميترا(Mithra)وفي أرمينيا الإلهة آنايتيس (Anaitis) وعلى حدود بلاد العجم الإلهة أرتميس (Artemis) كنماذج للألهة الأنثى.ثم حدث التطوُّر الخطير،فتمَّ الانتقال إلى النِّظام الأبوي حيث الملكيَّة خاصَّةٌ والنَّسب يعود إلى الأب،وفيه تمَّت الهزيمة التاريخيَّة للنّساء،إذ ظهر شكل العائلة الأبويّة حيث الزِّواج الآحادي،وهوآحاديٌّ للمرأة فيكون دور المرأة زوجةً تنجب الأبناء وتعمل في المنزل في المدينة ،أو في المنزل والحقل في الرِّيف وفُرضت عليها العفّة كي يضمن الرّجل أنَّ من تلدهم هم أولاده الذين يرثونه.حدث هذا نتيجة تغيُّر موقع كلٍّ من الرَّجل والمرأة في البنية المجتمعية ودور كل منهما في هذه البنية فالرَّجل هو الأقوى فسيطر وغدت سيطرته سياسة حكمت جميع المجتمعات البشريَّة.وقد رأت الحركة النِّسويّة أنَ هذا النِّظام الذي تشكّل نتيجة تطوُّرٍ مجتمعيٍّ يمكن أن يتغيَّر نتيجة تطوُّرٍ مجتمعيٍّ آخرَ، وهي تعمل من أجل حصول هذا التطوُّر الذي يغيِّر النظام الأبوي إلى نظام آخر يتمُّ فيه إلغاء الأسرة الأبوية التي تقوم على ركيزةٍ مادِّيةٍ هي عدم المساواة بين الزَّوج والزَّوجة،فالزَّوج يقوم بالعمل المنتج والزوجة تقوم بالأعمال المنزلية المجانية فالنسوية الحدثية،ترى أن العالم يعرف «المقهوراتٍ وهنَّ المرأة وشعوب العالم الثَّالث» ومن يقهرهن هو الرَّجل الأبيض،ولهذا لا بدّ من السَّعي للتخلّص من سلطة هذا الرجل الظالم. وتطوَّرت رؤى هذه الحركة،فغدت تدعو إلى مناهضة كلِّ تمييزٍ واضطهادٍ،على أيِّ أساسٍ : عرقيٍّ أوطبقيٍّ أو جنسيٍّ،وكانت مصر فى مقدمة الدول العربية التى عرفت النسوية ،واتصلت بالنسوية الغربية ففى 16 مارس 1919 وقبل خروج النساء فى مظاهرات وطنية احتجاجاً على نفى سعد زغلول والتصاقاً بثورته الوطنية دارت مكلمة حول الوطنية والنسائية كان طرفها النساء فى جهة بقيادة صفية زغلول وهدي الشعراوي وأقطاب الوفد الذكور فى طرف آخر ووصل الأمر بالذكور لحد رفض الدور الوطنى للمرأة!!وإذا بصوت عبد العزيز فهمي يعلو: إنى أعجب أن تقترح سيدة عاقلة مثل صفية هانم مظاهرة النساء فى الشوارع؟!ويذهب لبيت الأمة ويحاول أن يمنع ذلك ويعود خائباً فيقول فى اجتماع موسع بالحزب: أنه يخشى أن تكون النساء قد أصابهن نفى سعد بهزة أثرت على عقولهن ! وظهرت عبارة لصفية زغلول قوية ومؤثرة: إن نساء مصر لسن أعضاء فى الوفد. ولا توجد امرأة تمثلهن فى الوفد. ولهذا ليس من حق الوفد أن يصدر الأوامر إليهن.إننا نخرج التزاماً بقضايا بلادنا ولا نخرج لنؤيد سياسة حزب!! وهرول (عبد الرحمن فهمي) متطوعاً أن يقنع صفية هانم زغلول نظراً للعلاقة الوثيقة بينه وبينها وقال لصفية زغلول عبارة غريبة: إن سعد زغلول قد جعل (بيت الأمة) لكل المصريين ولكنه بنى فى بيته الذى تعيشين فيه (سلاملك) يستقبل فيه الرجال من باب خاص بهم بينما تدخل السيدات من باب آخر إلى صالونات خاصة بهن ولم يقل عبارة الحرملك- فاتركى الحال على ما هو عليه الآن حتى يحضر سعد زغلول ويعيد تغيير الأبواب!! ولم ينم عبد الرحمن فهمي الليل!! إنه لم يستطع أن يفهم لماذا تريد أن تخرج المرأة بنفسها فى السياسة؟! وكان أكثر ما يزعجه موقف زوجة زعيمه سعد زغلول. إنها تريد أن يخرج النساء للشوارع فى الوقت الذى وقفت تحدثه من خلف الباب حين ذهب اليها !! إنه لم يرها بل سمع صوتها فقط؟! فقط وراء الحاجز!! ولولا الحاجز!! ولولا أنه يعرفها ويعرف صوتها لاعتقد أنها غواية من الأخريات فإن كيدهن عظيم. ولكنه صوتها إنها صفية زغلول!!فلقد كانت النسوية ملح على جرح،جرح المرأة،وهم المرأة،وتقلب المرأة.ففجرت النسوية عزلة النساء وخصوصية النساء ومع استشهاد أول امرأة مصرية في ثورة 1919وإصابة العديد من النساء في تعامل شديد العنف من قبل الشرطة والانجليز تعددت انتهاكات جسد المتظاهرات وصيغت الأسئلة النسوية المتعلقة بالعنف الجسدي والجنسي ضد النساء في المجالين الخاص والعام ومن قبل الدولة والمجتمع كان سؤال الجسد في المراحل الأولى لتكوين الحركة النسائية مرتبط أولاً بالمعركة المتعلقة بتواجد النساء في الحياة السياسية والحزبية والجامعات- أي المجال العام فربما شكلت المشاركة الجماعية للنساء في أفعال احتجاجية" كنساء"حتى وإن لم يرفعن مطالب متعلقة بحقوقهنّ، وتعرضهنّ لانتهاكات وعنف لحظة إدراك جماعي بأحقية تلك الأجساد بأن تكون حاضرة في المجال العام لما استطاعت أن تحققه من حراك ولما تحملته من أثمان لا تختلف عن نظرائها من الرجال. وربما من هنا جاءت رغبة النساء في تنظيم أنفسهنّ بشكل جماعي بدءاً من لجنة الوفد المركزية للسيدات عام 1920 إلى تشكيل الاتحاد النسائي في مارس 1923 لينظمنّ أنفسهنّ بشكل ليس فقط جماعي بل أيضا مستقل للمطالبة بتلك الحقوق.ولذا سارعت هدي شعراوي بتقديم استقالتها من (لجنة نساء الوفد) واعتذرت عن الاستمرار عندما وجدت (سعد زغلول) غير مهتم بأن يكون النساء عضوات عاملات فى الحزب.مكتفياً بأن يعملن منتسبات من خلف أزواجهن أعضاء الوفد كتوابع.رغم أن النساء عندما وقع الصراع بين عدلي وسعد.انضممن إلى سعد زغلول، حتى أن علي شعراوي باشا انضم إلى عدلى. وإذا به يفاجأ بزوجته هدي شعراوي تؤيد سعد وتهاجم خصومه ومنهم زوجها!واعتقدت (هدي شعراوي) بأنه فى لحظات الخطر لا يبدى الرجل أى اعتراض لظهور المرأة بجواره ولكنه يغير نظرته إليها اذا طالبت بذاتها، وكونت اتحادها النسائي منفصلة بقضية النسائية، جاعلة الوطنية من خلال رؤيتها الخاصة كأنثى بدليل اهتمامها الواضح بأثار معاهدة 1936 وقضية فلسطين.وإن كان سعد زغلول قد أوضح بشكل مباشر للزعيمة الوفدية الجديدة التى تولت لجنة نساء الوفد بعد هدي شعراوي- منيرة ثابت- إنه لا ينكر حركة المرأة وحقوقها ولكنه يؤجلها- وإن التأجيل لا يعنى الإنكار وإنما يعنى الانشغال بما هو أولى،وطالبها بأن تضع التحولات الوطنية والأعراف والميراث الاجتماعى فى الاعتبار.وهناك جانبين مهمين في مذكرات شعراوي وهو أولا تشديدها على أهمية "مرئية" الجسد لتواجده في المجال العام وأن السفور"شر لا بد منه" للمشاركة في الحياة العامة والسياسية وثانيا التهديد الذي يبدو أن شكله هذا السفور وتواجد أجساد النساء بشكل منظم في المجال العام للبنية الأبوية في المجتمع. بالتالي، فإن الأسئلة المرتبطة بالجسد في أولى موجات الحركة النسوية هي تلك التي اتصلت حرفيا "بخروجه" أو ظهوره فى المجال العام وما يترتب عليه هذا الظهور، وإدراك قدرته على الاحتجاج.و هكذا انفجر الحرملك.ويقسم د.حسين المناصرة، الكتابات العربيّة النّسويّة فى هذه الفترة لمرحلتين(مستعيرًا هذا التّوزيع من (رامان سلدنو جوليا كريستيفا) عن أطوار الكتابة النّسويّة الغربيّة،)
1-كتابة المرأة بوعي قلم الذّكورة في عصور ما قبل النّهضة، ومثالها الخنساء وليلى الأخيليّة ،ورابعة العدويّة وولاّدة بنت المستكفي
2- كتابة الأنثى الباحثة عن التّحرّر والمساواة،ومثاله معظم رائدات النّهضة والكثير من الرّوائيّات والشّاعرات ما بين الحربين العالميّتين الأولى والثّانية،حيث برزت كتابة المرأة معاناتها الذّاتية ومطالبتها ببعض حقوقها برومانسيّة ”مؤدّبة“ غير متمرّدة أو ثائرة تشبه فيها كتابات الرجال.
وقد جرى الروائى(صنع الله ابرهيم) وراء كتابات النسوية الجديدة فى الغرب فكتب عن القص الجنسى عند كاتبات الفيمنيزم .كتب كتابه "التجربة الانثوية" ابحر فيه فى بحور الأدب النسائى،جلس وقرأ وترجم وحلل وعرض فيه ل11(كاتبة ) كانت أهمهم الامريكية (تونى موريسون) والتى فازت بنوبل للآدب فى نفس العام 1993والقصص فى الكتاب تتوزع على خمسة مضامين هى:(( رفض التبعية الذكورية - تعزيز الهوية الأنثوية - رفض الزواج بأشكاله الدينية الكنسية البطريقية - الأهتمام بجسد المرأة ورصد واسع وأعتراف بالعلاقات السحاقية. )) وفى حديث لى معه قال صنع الله (اعتقد أن الصدفة والحاجة من عوامل كتابة "التجربة الأنثوية" ففى سنة 68 وجدت نفسى فى بيروت فى ضيافة المرحوم فتحى القشاوى ولم يكن معى إلا شنطة صغيرة للملابس وضع فيها عدة روايات وكتاب،اما الكتاب فهو مايهمنا.أنه كتابthe new old womenحرصت محررته على إختيار نصوص تغطى الحياة الداخلية والجسدية للمرأة فى مراحل مختلفة من الصغر والمراهقة وفى حالة العشق والزواج والمغامرة ومع طول الاقامة وظروف الحياة عرض على من "مجلة الحسناء" فكرة ترجمة بعض نصوص الكتاب للعربية فى المجلة وبعد نشر(5) نصوص من الكتاب لكاتبات من الغرب جاء "أنس الحاج" رئيس تحرير المجلة وقتها،مستنكرا،وقال:(أنت تكتب لنا دعارة!) الترجمة الحرفية فجة،وتوقف النشر،ومعه توقف الدخل القليل الميسر للبقاء ببيروت ولكن لم اتخل عن مواصلة الترجمة للكتاب بل كنت استغرق فى روايات كاتبات الغرب بحثا عن نصوص مماثلة،لعدة اعوام تالية،من أجل دراسة المرأة وفهم سلوكها الجنسى بعامة فقد كنت أستكمل بلاوعى قلة معرفتى بالمرأة ...واوجدت الحركة النسوية بالشرق نوع من الكتابات عرف بالأدب النسائى أو الانثوى.أو النسوى وهى تسميات معربة للفمنيست الغربية ولذا حار النقاد فى تعريف المصطلح وتقول د.هدى وصفى وكان يجب أن تكتب هذة النسوية افكارها فجأءت الكتابات النّسويّة العربيّة المحاربة للسّلطة الأبويّة،والّتي لم تكن بمستوى الكتابات الغربيّة في التّطرّف ومثالها كتابات كوليت خوري،ونوال السّعداوي،وغادة السّمان وسحر خليفة وفاطمة المرنيسى.
ثم انقلب الحال فظهر شكل“الكتابة الإيروتيكية النسائية"واثارت جدلا باعتبار حضور ذلك المحرم الذي يدعى جسداً متمثلاً في الأساس بجسد الأنثى،ولكنهن دافعن عن الجنس باعتباره بعداً هاماً من أبعاد الوجود الإنساني،متكآت على آراء الفلاسفة راسل وسارتر وسيمون دي بوفوار التي جسدت كتاباتهم للحديث عن تلك الرغبات الجميلة التي تبدأ بالكلمة وتنتهي بانفعال جنسي اعتبرته ممثلا للروح والجسد وما يربطهما ودخلت نوال السعداوي للنسوية بقوة واصبحت (البيونير) بكتابها “المرأة والجنس” 1972 وهو من أشهر أعمالها،باعتباره مواجهة مبكرة في وجه عادات المجتمع وقيوده.فكان الكتاب سببًا في فصلها من وزارة الصحة.وفيه تتحدث نوال السعداوي- عبر معالجة أدبية وعلمية وطبيّة - عن جسد المرأة ومفهوم “العفّة” التي أُلصقت بالجسد الأنثوي حصراً، باعتبارها إنسانة من درجة ثانية وتعتبر أنّ مشكلة المجتمع العربي تكمن في الموروث الثقافي الذي لا يرى في الأنثى سوى “جسد” من دون انتباه الى عقلها وكيانها وإبداعها.لقد نقلت السعداوي عبر هذا الكتاب التقدمي حقيقة المجتمع الريفي من خلال تقديم صورة “الداية” و”قطرات الدم” و”فخر الأب” و”أنواع الغشاء” وأمور أخرى كثيرة شغلت بال كثير من الأسر، ووصلت في أحيان الى حد قتل الفتيات لمجرّد أنّها لم تنزف في ليلة الدخلة.ومن خلال هذه الشواهد، قدّمت السعداوي طرحا جديا لمفهوم الدمج المجتمعي من خلال المساواة بين الرجل والمرأة واعتبر الكتاب من وجهة نظر الغرب إنتفاضة مصرية جديدة للمرأة تشبة مظاهرات النساء فى ثورة 1919.واعتقد أنيس منصور (أن المرأة فى هذة الموجة تكتب لتقول لا على القيود البالية،ولا لطغيان الرجل،ولا لاستبداد الرجولة وقبلها لا لضعفها هى ،ضعف المرأة) وعلى كل حال لم تكن حسن النية متوافرة فى النصوص النسوية العربية كما افترضت وتخيلت د.هدى وصفى،حيث ظهر بالسويد تحت تسمية «أدب الملائكة والسَّكاكين»نظرية فيها تحتدم ثورة النساء بالكتابة ضد الرجل اقصاءاً وإخصائاً فترفض الرجل زوجا أوعشيقا مستعيضه عنه بممارسة العادة السرية أوممارسة الجنس مع نفس النوع بما يعرف بالسحاق!! وهكذا عرف "فاكت" الأدب النسوي بأنه "الأدب الذي تكتبه المرأة مستسلمة فيه لجسدها".واضاف كلا من كارمن بستاني وجورج جوسدروف للكتابات النّسويّة العربيّة طور الكتابة الجنسية أو الجسدية او الاروتيكية “فليس للنساء والرجل،الماضي نفسه،ولاالثقافة نفسها،ولاالتجربة نفسها فكيف يكون والحالة هذه،التفكيرنفسه والأسلوب نفسه” وهذا ما يجعلنا نقول بأن المرأة تكتب عن ذاتها وعن علاقتها بالآخر كي تحطم حاجز الصمت الذي قبعت خلفه قرونًا عدة؛ إذ كان لزامًا عليها أن تستيقظ على الوعي بذاتها عبر الكتابة؛ لأن الكتابة هي الوجود “أكتب إذن أنا موجودة“ .." أكتب جسدى اذن أنا اعيش" .وفي السنوات الأخيرة موجة لافتة للنظر من الأدب الإيروتيكي النسوي العربى في مجال الرواية.مما يعنى أن النسوية الغربية آتت آكلها بالمنطقة العربية وهكذا ظهرت الكتابة الجنسية فى أدب المرأة بدأت بغادة السمان التى اعترفت بكبرياء وجبروت،وهى تنشر رسائل غسان كنفانى لها قالت:"لا أستطيع الادعاء بأنه رجلى أخون حقيقتي الداخلية مع آخرين سيأتي الاعتراف بهم بعد الموت"وكان اهم أسلحة نجاحها،ماطرحته عن نفسها كممثلة للثورة الجنسية أعوام الستينات،التي كان من الصعب ان تحلم بنوايا الالتحاق بها اية أديبة عربية,فقد أشبعت غادة السمان قصصها بنساء يتطلعن الى أن يصبح لهن حق المساواة في الفراش وليس فقط في الحياة العادية وهي بهذا حققت اختراقا لأكبر المحرمات في عالم الكتابة النسائية العربية,ولحقت بها غيرها فى خلع أحزمة العفة عن الاقلام لتلحق بها (سلوى النعيمى) بلديتها السورية فى روايتها "برهان العسل" استلهمت من التراث كتابات النفراوى فى روضه العاطر لتستفتح روايتها بما جاء فى كتابه ب" الحمد لله الذى جعل اللذة الكبرى فى فروج النساء" لتلحقها روايات أخرى تبحث فى ذاكرة الجسد وتأتى بلغة الجسد مثل: (نساء عند خط الاستواء) لـ(زينب حفني) و(على فراش فرويد) لـ(نهلة كرم)، و(أنا هي أنتِ) لـ(إلهام منصور)،و(خارج الجسد) لـ(عفاف البطاينة) و(مرافئ الوهم) لـ(ليلى الأطرش) و(أصل الهوى) ل(حزامة حبايب)، و(صمت الفراشات) لـ(ليلى العثمان) والمحبوبات لـ(عالية ممدوح) فالرواية النسوية الآن لاتعرف المثل العربى"تموت الحرة ولاتأكل بثدييها" لأن النسوية التى خرج منها الأدب النسائى جاءت لتعرى العورة!
وفى التسعينيات فجرت الممارسة الروائية المكبوت النسوى،عند الكاتبات الشابات المصريات (البنات) وظهرت لهن نصوص روائية تتناول مخاوف الأنوثة ولا تتوان عن طرح الأسئلة فى وجه الماضى القديم والحاضر الأليم،متشبثة برؤى وخيارات وقيم إنسانية مشتركة هى مطالب للرجل والمرأة معا.نجد ذلك بروايات:“دنيا زاد” لمى التلمسانى، و”قميص وردى فارغ” لنورا أمين، و”الخباء” لميرال الطحاوى،و”أوراق النرجس”لسمية رمضان،و”السيقان الرفيعة للكذب”لعفاف السيد و”تمارين الورد”لهناء عطية .واوجدت هذه الكتابة الطازجة،صفات مكررة للكتابه فهى كتابات ذاتية تتماهى فيها الكاتبة مع بطلاتها فظهر بوضوح مايعرف بأدب السيرة الذاتية،أو رواية السيرة الذاتية.كما تظهر فى هذه الكتابات بوضوح الكتابة عن الجسد بلغة واضحة وبمباشرة توحى بتعمد تقديم النص الإيروتيكي او تعمد “كتابة الجسد المؤنث” للمرأة باعتبارها هي الصورة التي اختمرت في الفكر العربي والغربي على حد سواء،حيث سيطرة النظام الأبوي الذي ينطلق من تراتبية قهرية يقوم فيها الرجل بدور الفاعل والمحرك لمنظومة القيم،في مقابل وضعية المرأة الأدنى والتي حُدِّدت مسبقًا بالنظرة الاستهلاكية لجسدها باعتباره محض أداه متعة وتقوم المرأة الكاتبة عبر سرودها بتقويض تلك الصورة،وذلك بتفريغ الجسد من دلائله الجنسية،وتشكيله معرفيًّا وفق تصورات الذات المؤنثة له ليتلازم مفهوم الجسد مع مفهوم الذات.فميرال الطحاوي فى ”الخباء” تظهر مدى قمع المرأة جسديًّا/نفسيًّا في مجتمع البدو القبلي الذي يمثل نموذجًا مميزًا لتصلب بنية الوعي ضد المرأة بتكريس سلطة الذكور،ولذا لم يكن غريبا أن يكون الأهداء فى الرواية أو النوفيلة بعبارة :
( إلى جسدى..وتد خيمة مصلوبة فى العراء.)
ومنذ البداية وفى الصحف والمجلات قام الرجل بتدشين حركة الكتابة النسوية فشجعها،مثلا فى مجلة "صباح الخير" احسان عبد القدوس وأحمد بهاء الدين وبالطبع قاما بالتنسيق ومراجعة اللغة واحيانا اعادة الصياغة وبخاصة انهما نشرا روايات النساء على حلقات.وفعل نفس الشىء أنسى الحاج وغسان كنعانى فى الشام ولذا لم تتحرج (حنان الشيخ) من الاعتراف لجريدة الشرق الأوسط بأنها كانت على علاقة حب بأحسان عبد القدوس،وبأن أنسى الحاج كان صخرة فى حياتها ونفس الشيىء كان مع غادة السمان نشرلها وشجعها أنسى الحاج وغسان كنعانى ولكن زادا على ذلك حبا وهياما حتى نشرت تجربة هذا الحب غادة كاشفة رسائل حبهما لها .ولكن تطور الأمر فبعد أكثر من عشرين عاما وفى مجلة الشرق الاوسط السعودية اعترف أنيس منصور بالواقعة واثارت مقالة اعترافه جدلا واسعا وتساؤلات عن اسم الكاتبة الكبيرة التي قال منصور انه مع يوسف السباعي واحسان عبد القدوس- اصدقاء المهنة الذين(دخلوا بيته وكان بينهم عيش وملح وعلاقة لا تنقطع يومية من 1950 وحتى 1970) - زوروا رواية باسمها كانت سببا في شهرتها وكتبت عنها الصحف العربية ثم عاد أنيس وكرر الأعتراف.كتب عن الموضوع فى كتابة :"معنى الكلام " تحت عنوان «الثلاثة يحبونها ويلغون أنفسهم!» فمن هذه التى احبوها ؟وماهى الرواية المزورة؟! والذي حدث أن الكتاب الثلاثة قاموا بزيارة إلى بيروت وكانوا يجلسون حول الحمام في الفندق،في فندق فينقيا..والدنيا صيف والبنات الجميلات يرحن ويجئن وبعضهن كن يلتفتن إلى إحسان عبد القدوس والى يوسف السباعي وجلست أكثر من واحدة.وكان كلام وكان إحياء لعلاقات قديمة ثم جاءت واحدة.ونظرت وابتسمت وجلست وطال جلوسها ولقاؤها يوما بعد يوم وصارت صديقة للثلاثة وكذلك زوجها السياسي الكبير وجاءت إلى القاهرة وظل الود القديم متجددا وامتلأت المسافات بين الثلاثة بجميلات من لبنان ودمشق ومصر ولكن بقيت هي وليكن اسمها «ع» هكذا ناداها أنيس منصور فيما كتب والمفارقة أن "ع " كانت تلح عليهم بكتابات لها وتفرض نفسها عليهم ككاتبة قصة وقفزت من حولهم فكرة وقالوا: ولم لا! أما الفكرة فهى كتابة رواية واهدائها ل "ع". يوسف السباعي يبدأ بكتابة ثلثها الأول وإحسان يكتب الثاني ويكملها أنيس منصور واقترح إحسان أن يجرى فيها أنيس قلمه ويلعب بالعبارات والمعاني.حتى تبدو محرره بمعرفة أنثى؟! وبالطبع لم يكتبوا عليها اسمائهم وإنما كتبوا اسم «ع» أهدوها لصديقتهم الجميلة. وقبلتها سعيدة شاكرة..وبسبب هذه الرواية اصبحت أديبة مرموقة. وهي الآن يمكن أن تجلس وأن تضع رجلا على رجل إلى جانب أي كاتبة أوروبية معاصرة!
ولأننىى من الذين صدمهم اعتراف انيس منصور وعجزوا عن حل اللغز فقد كان اعترافه مثل مافعله شمشون الجبار الذي أطلق القطط المحترقة في حقول القمح في غزة،فأحرقت الدنيا،احرقت الكتابة النسوية حين اتهمتها بأنها كتابة رجل (كما حدث حين شن البعض حملة هجوم على الكاتبة الأكبر شهرة في بلاد العرب" احلام مستغانمى" ونسبوا أعمالها الأولى إلى سعدي يوسف ومالك حداد ونزار قباني ) ..وطال إتهام انيس الكاتبات ( لتذكر أول رواية نُسِبت إلى التجديد الروائي النسوي وهى «أنا أحيا» (1958) للبنانية ليلى بعلبكي،لكن بوسعنا استبعادالرواية بسهولة لأنها تدور أحداثها في بيروت بكامل تفاصيلها (بالمثل مس الإتهام غادة السمان فى («بيروت 75»،و؛«كوابيس بيروت»1977 وقيل هى رواية كوليت خوري («أيام معه» واستبعد الاتهام حين اعترفت الكاتبة بأن («أيام معه» قصة حب عاشتها بالفعل مع نزار قباني؟! وأنه بينهما خطابات اطول واجمل مما مع غادة السمان 30 خطاب لنزار معها؟! غير أن الخيط المهم هو (الزواج من سياسي كبير) فماذا عن ليلى عسيران؟ تزوجت ليلى عسيران ، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق د. أمين الحافظ في عام 1958. وانخرطت في مهنة الصحافة في دار الصياد وراسلت دار «روز اليوسف»حيث تصادقت مع أحمد بهاء الدين وتعرفت إلى نخبة من الصحفيين والأدباء المصريين.كان فيهم الاصدقاء الثلاثة! ولكن ما يضعف هذا الاحتمال هو أن أعمال ليلى عسيران تدفقت ولم يكن عندها رواية واحدة.بوسعنا مد الخط على استقامته،حتى لا تغيب عنا أي احتمالات أخرى قبل أن نسير في نفق اليأس،فلنفكر فى الروائية السعودية سميرة خاشقجي التي اشتهرت بلقب «بنت الجزيرة العربية» ويُنظر إليها بوصفها رائدة الرواية النسوية بروايتها الأولى («ودعتُ آمالي» 1958)،والتي أتبعتها برواية:(«ذكريات دامعة»،1961و(«بريق عينيك» 1963) التي تحوَّلت إلى فيلم 1982من بطولة نور الشريف، وحسين فهمي، ومديحة كامل. وتعد «بريق عينيك» أفضل أعمالها، وإن كانت هنا رواية مرشحة لأن تضم لمسات الثلاثي إحسان ويوسف وأنيس ،فقد تكون هي الرواية المقصودة.والشروط متوافرة فسميرة خاشقجي لها علاقة وثيقة بمصر،فقد بعثها والدها مع أخيها إلى مصر،وتلقت دراستها الثانوية بالمدرسة الإنجليزية للبنات بالإسكندرية،ثم حصلت على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من كلية التجارة بجامعة الإسكندرية.والتقت برجل الأعمال المصري محمد الفايد على شاطئ الإسكندرية ليتزوجا ثم تزوجت سميرة مرة أخرى من دبلوماسي وسياسي سعودي من أصول سورية هو أنس ياسين فهل وصلنا للرواية المفقودة؟!.وهناك روائيات كثيرات كتبن رواية واحدة واشتهرن بها ؟!هن:صفية عبد الحميد «عفوًا يا آدم»،1968) ،وفاطمة العلي(«وجوه في الزحام»، 1971)، وهند باغفار «البراءة المفقودة»، 1972) فمن منهن ؟!.. وفجأة ظهرت أديبة وكاتبة فيها كل الصفات واهمها أنها صديقة للثلاث الكبار كتبت عنهم ودخلت بيوتهم وأمتدت صداقتهابهم أنها "لوتس عبد الكريم" فهى مصرية تحمل الجنسية الكويتية بحكم كونها زوجة لوزير ودبلوماسى كويتى كبير فهل تكون روايتها الأولى والأخيرة "الفردوس المفقود" هى الرواية الشبح،وبخاصة أنها ليس لها غيرها.وأن كان لها أكثر من 10 كتب فأنيس منصور الذي انْسَلَخَ عنا في 2011 رمانا بنيزك، وتركنا حائرين أمام اعترافاته وعاجزين عن دفع الفضول؟!..
وأنتقلت كتابات الجسد بسرعة من كاتبات سوريا ولبنان لكاتبات مصر،ولحقت بهن على عجل كاتبات المغرب العربى (تونس والمغرب والجزائر) وتبدل الأمر من جنس ناعم شاعرى بدأ فى الشام لجنس فج منفلت غليظ فى المغرب العربى تغير الخطاب من جنس فى أزمة لجنس شاذ!! وفى معضلة التطرف المزدوج ظهر كيف تعاملت الكاتبة مع الجسد/ النص في ظل النقيضين المتطرفين اللذين يبرزان الآن في العالم وهما حالات الاحتجاج بالعري المطلق كحركة "فيمين" وحالات التستر والإخفاء للمرأة على مذبح التيارات الأصولية؟ وفى الرواية الجزائرية بالذات فنجد رواية (لن نبيع العمر) لزهرة مبارك تفتتح بمشهد جنسي يقف فيه البطل على أبيه يضاجع أمه وينتهي بوفاة الأم لأنها لم تشبع غريزة الأب (لم تمكنه من لذته فأنهار وضربها حتى أرداها ميتة..ثم دخل السجن) ويقول البطل (وهناك أخبروني انه حول مساره الجنسي وأصبح رجلا لوطيا..مكث أبي بالسجن 12سنة ومات إثر مرض عضال لم أعرفه لحد الآن ولا أريد أن أعرفه!)
وفي رواية (شهقة الفرس) للجزائرية (سارة حيدر) على لسان بطلة الرواية :(إنه الظمأ الأبدي يا عزيزتي الجنس بالنسبة لك هو الطريق الوحيد للخلود ،في كل مرة تمارسين فيها هذه الأشياء يخيل إليك أنك ابتلعت كمية إضافية من رحيق الحياة تعتقدين أن كل رجل يأخذك بين ذراعيه سوف يمنعك من الموت) ليكون الحرمان سببا في اشتعال شهوة البطلة إذا كان زوجها غائبا،وعندما تركبها الرغبة الجامحة تتحلل من (جميع الشرائع ) لتحل مكانها ديانة الشهوة ملكة متربعة على الأجساد وتحول تلك الشهوة بينها وبين أن تفكر في العواقب وهي تتسلل لغرفة أخ زوجها (أخيرا صار جسدي كله متفتحا لاستقبال أمطار اللذة المحرمة) وتمكنت النساء العربيات الأديبات،ان ينقلن لنا شعورهن وشعور الرجل نحوهن وممارساته معهن يقلن لنا،ماكنهه هذا الرجل،خلف الجدران وما هي حقيقة ممارساته في الغرف المغلقة وما هي حقيقة رجولته،صورن الرجل وهو يترنح أمام اجسادهن العارية ونهودهن النافرات،من أعلاهن الى أخمص أقدامهن وهو يقبل الأرض تحتهن وأثبتن،بما لايدع مجالا للشك،بأنه نمر من ورق وليس أسدا مزمهرا لذا ترى الكاتبة المغربية سعيدة تاقي “الكتابة الإيروتيكية التي سادت في الرواية العربية منذ البدايات كان مرتكزها الجسد المؤنث الجميل والمثير أو موضوع الغزو المستمتَع به،والمعبر عنه بإعادة ترتيب للعلاقة بين الشرق والغرب فالبطـل العربي(الشخصية الروائية) يستقوي “ثقافياً” بالأعتداء واعتلائه على الجسد المؤنث (الغربي) الشخصية الروائية.ليقلده بعد ذلك النساء العربيات فى كتابتهن الايروتكية بأصرارهن على وضع "الفارسة فى الجنس مع الرجل"رغبة منهن فى قلب كل شيىء أو إعادة ترتيب العلاقة. والإيروتيك في الكتابة ليست عيباً ولا منقصة وخاصّة إذا كتبتها المرأة والعيب هو أن يصير الإيروتيك النافذة الّتي يتلصّص منها الرّجل على المرأة كما فستانها وما تحته ولعل الأسوأ تحول الكتابة الإيروتيكيّة إلى كتابة (بورنوغرافيّة )بحتة تنهَضُ فقط على الآليّات الانعكاسيّة التَّصويريّة السَّطحيّة،وتُبالِغُ في حشدِ المُفردات الإباحيّة والصُّوَر الجنسيّة،من دون حاملٍ فنِّيٍّ أصيلٍ لها.ولعلّ أخطر ما تعرّض له الجسد العربى تاريخيّا هو عمليّة استلابه واغترابه حيث فقد الجسد طبيعته الأولى وعفويته وتحرّره البدائيّ منذ أن ارتدى الإنسان اللّباس وستر ما يسمّى بالعورة.فأضحى الجسد البشريّ يدور في فلك المقدّس والمدنّس.ولقد نشأت السّلطة في أبعادها الأسطوريّة والدّينيّة والثّقافيّة والعائليّة والقبليّة والمجتمعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة والأخلاقيّة ليصبح الجسد عبر أدواتها خاضعا وتحت أنظار الرّقابة والكبت والقمع.لقد صاغ سيغموند فرويد مصطلحات الأنا والهو والأنا الأعلى ليعلن بأنّ الجسد تحت سلطة الأنا الأعلى ورقابته سواء في مستوى الوعي أو اللاّوعي علاوة على الخضوع الأنا لما أسماه بمبدأ الواقع.فالأنا أو لنقل الجسد حين يعجز عن تحقيق رغباته البيولوجيّة والعاطفيّة والفكريّة يكبتها ويخزّنها في اللاّوعي فتتجلّى في الأحلام وفي الإبداع وغيرهما.لذلك فإنّ الجسد بطبيعته مغترب عن ذاته ومستلب طالما ثمّة سلطة تجعله خاضعا لقوانينها.ومن حيث الإبداع فإنّ الجسد هو فضاء لذلك نتحدّث عن النصّ كجسد هو الآخر.كما أنّ الجسد هو الذي يكتب أي يكتب ويقول ذاته بأدواته الخاصّة العقل والقلب والحواسّ.إنّ الجسد العربيّ، بطبيعته،جسد مكبوت غير مشبع وفقير وفارغ روحيّا ووجدانيّا وماديّا.وهو من أكثر الأجساد البشريّة المقموعة ثقافيّا والأكثرها قبولا وتلقّيا للأوامر منذ الطفولة، أوامر الحلال والحرام طبقا لمرجعيّات الدّين والأخلاق بالأساس.فهل يمكن أن نتحدّث عن إنسان عربيّ أو بالأحرى عن مبدع متحرّر تماما على صعيد الجسد؟ قطعا لا، إذ ثمّة في مخزون اللاّوعي ذلك الكبت والرّقابة الذّاتيّة ورمزيّة السّلطة الأبويّة والدّينيّة والسّياسيّة التي تحضر بقوّة خفيّة أو معلنة لتحول دون أن يبوح الجسد بكلّ تعابيره وهواجسه.فما بالك إن كان هذا الجسد أنثويّا وأنثويّا عربيّا بالتّحديد!!