أليست هى مفارقة زمنية نادرة الحدوث ... إنه ربما يتكون " الشرق الأوسط الجديد" ، الذى يتكلمون عنه ، وقد أرسى أعمدته الأولى فى المنطقة ، قبل أن يُنشر هذا المقال ؟ . ولم لا ؟ .
ألا تقول إسرائيل ، والولايات المتحدة الأمريكية ، إن المسألة مجرد وقت ، ويتم حسم الخريطة الجديدة لـــ " شرق أوسط جديد " ، كاملة ، والى الأبد ؟؟.
ولأن الخريطة معدة منذ سنوات طويلة ، والسيناريو جاهز ، والآلة العسكرية المسلحة من جانب إسرائيل لن تتوقف عن دورانها ، إلا بعد تحقيق " الشرق الأوسط الجديد " ، ولأن العرب ، أو سكان الشرق الجديد ، هم أنفسهم العرب ، لا يتغيرون ، ولا يتعظون ، ولا يملكون إلا ميراثاُ طويلاً من التعثرات الحضارية الأساسية ، فإن الشرق الأوسط الجديد ، سوف يشرق فى سماء المنطقة " بالإرادة " الإسرائيلية ، و " المشيئة " الأمريكية ، و" النوم العربى " المجيد.
وما هو الجديد ، فى الشرق الأوسط الجديد ؟ .
لقد تعودنا على أن يتم تصنيفنا ، وتنزل علينا الألقاب الجغرافية ، والحدود التاريخية ، والتقسيمات ، والفتن ، والحروب ، " عالم ثالث "، " عالم نام ، " شرق أوسط كبير " ، " شرق أوسط جديد ". ونحن ، لا نفعل إلا الشجب ، والاستنكار ، والعويل ، والصراخ ، والمطالبة بحق ندوات ومظاهرات ، ووقفات احتجاج فى الميادين والشوارع على ضوء الشموع ، والأغنيات الوطنية ، والوقوف حداداً على الموتى والضحايا ، ومسائلة منظمات حقوق الإنسان الدولية ، التى تتركنا وحدنا دون دعم ، وتقديم نداءات استغاثة ، وتضامن من الكيانات الدولية ، والبكاء على الأطفال الذين ينقصهم الغذاء والدواء ، والنساء اللائى يقتلن وهن حوامل.
أتابع صور " التظاهر" ، ، والزعيق الهستيرى ، وإطلاق تهديدات وإملاء شروط للمجتمع الدولى ، من جمعيات محلية أهلية وجمعيات حقوق إنسانية ، وأحزاب مؤسسة ، وأحزاب تحت التأسيس وفوق التأسيس ، وتعليق لافتات تعطى الأوامر الإرهابية لإسرائيل بالتوقف الفورى لإطلاق النار ، واعادة تعمير كل ما خربته ، وما تزال تخربه فى لبنان .
قالت امرأة مثلاً : " نريد توصيل لبن الأطفال " ... قالت أخرى : " نطالب إسرائيل بالتوقف فوراً ".
وقالت أخرى محجبة : " كل واحد يتضامن بأى شىء ، حتى ولو بقراءة القرآن والدعاء والصلاة لردع إسرائيل وإنقاذ الأطفال ".
إننى لست ضد موقف التضامن ، مع أى فئات ، وقع عليها الظلم والاضطهاد والحرب ، والحصار ، فى أى مكان. ولكن حتى يكون تضامنى فعالاً ، ومؤثراً ، وقوياً ، وواعياً ، لابد أولاً ، أن أكون أنا فعالاً ، ومؤثراً ، وقوياً ، وواعياً ، فى مكانى وبيتى ، ووطنى الأصغر.
الضعفاء فى أوطانهم ، لا يصلحون لتقديم العون والتضامن ، للضعفاء فى أوطان أخرى ، والذين يكذبون فى أوطانهم ، يكذبون حين يعلنون التضامن مع أوطان أخرى ، والذين يسكتون عن عدم العدالة ، وعدم الديمقراطية وعدم الحرية ، فى أوطانهم ، ثم فجأة يصرخون ويبكون ، ويشجبون الظلم والقمع ، والقهر فى أوطان أخرى ، لا يقدمون التضامن الحقيقى لمَنْ يحتاجه .
لكنهم مع الأسف ، يريدون زعامة وطنية زائفة ، ويحتاجون تسليط الأضواء الإعلامية عليهم " كطليعة وطنية تقدمية " ، ولكن على جثة الشعب المراد التضامن معه.
ما الجديد ، فى الشرق الأوسط الجديد ؟ . أتساءل مرة أخرى.
والإجابة أجدها فى قراءة الواقع العربى المتردى ، والهيمنة المطلقة لإسرائيل وأمريكا.
هو منطقة " شرط أوسط " ... الشرط هنا ، سيكون المصالح الاقتصادية والأمنية لإسرائيل ، ولا أحد يتنفس أو ينطق . فهى أولويات محمية ، تدافع عنها الأسلحة الإسرائيلية . وهذا شرط من الثوابت ، غير القابلة للنقاش ، أو حتى المساومة .
وهو منطقة " شرع أوسط " ... الشرع هنا ، سيكون التحصيل الحاصل للعولمة الأمريكية ... والشرعية الأمريكية ... والأوامر الأمريكية التى لن يُسمح لأحد ، بردها ، أو صدها ، أو نقدها. هذا الشرع الأمريكى المقدس ، له سيناريو معد سلفاً ، منذ زمن طويل ، ويزداد حلفاؤه مع مرور الوقت ، ويشتد عوده ، مع واحدية القطب الأمريكى فى السيطرة على العالم ، وفقاً للمخطط الأمريكى .
وهو " شرخ أوسط " ... الشرخ هنا ، سيكون أن العرب ، أو مجتمعات " الشرق القديم" ، ونحن معهم ، سوف نصحو يوماً من النوم ، لنجد الخريطة قد وضعت ، والسناريو تم ببراعة إخراجه ، والهدف قد تحقق ، ونحن مازلنا نتفرج ونتثائب على مهل ، ونسأل : " هو فيه ايه .. وليه ؟ ".
من كتاب " أمركة العالم .. أسلمة العالم منْ الضحية " عام 2007