هي تلك النسيج الذي حِيك بإبداعٍ متناقض وغُزِلَت خيوطه بقصد الإبهار، إنها مَغْزول تناقضي ترى فيه الأشياء الظاهرة على غير ما هي عليه، فالصورة لوهلة يَكْمن فيها العالم ولكنها سرعان ما تذوب لصور أخرى جزئية تُعري المسكوت عنه بإزالة القشرة عنه فتتحول الأشياء إلى خلاف ما نعتقد بل وما تظهر عليه، مثال ذلك ما أراه في فصل الخريف الذي هو رمز للموت والذبول والأفول، إذ تذوي في نظر المرئي الكسول الأشياء وتفل وهي نظرة قاصرة مستمدة من تساقط أوراق الشجر ويباس الأرض مع ذوي الأزهار.
أرى الخريف بعيونٍ مختلفة بعكس غيري، فهو ينبوع للنمو وليس رمز للاحتراق والاصفرار الذي يبديه الخريف هو لون جميل و أخاذ، انظر إليه وهو يشكل بساطاً أصفر حيث أفضله على اللون الأخضر! الخريف زهرة العام فيه بدايات الشتاء حيث يتسلل الخريف ومن معطفه تزهر الحياة ثانيةً بلون الثلج الأبيض. لا تحدق للأشجار وهي بلا أوراق ولا ترمق الأوراق بلا لون، تأمل هذه الأوراق اليابسة إيذاناً لبوادر أوراق جديدة وأشجار خضراء وبرد جميل! كل ذلك ينمو من ساق الخريف، بعكس الربيع الذي يحزنني! لأنهُ يذكرني أن هذه الأزهار اليانعة وهذه الأوراق والألوان الزاهية وقوس قزح الشتاء الذي يلمع من شعاع بقايا رذاذ المطر هو زوال لهذه اللوحة التي أحرقتها شمس الصيف السمجة.
هذه الرؤية للرواية الذكية هي حياكة تتلاعب بالمُتَخيل والمُتناقض، تستخرج الحياة من الموت وليس العكس، والمشكلة في عيون القارئ السطحي المتكاسل أنه يبحث عن الحياة ولكنه يختبئ تحت قشرة الموت! تذكير: أن الموت إنما هو الحياة إذ تتدفق الأرواح الملونة بالزهر حية تنبض بالتناسل وكأنها تنسخ الأشياء من داخلها!
الرواية الذكية بجوهرِها وأساسيات إتقانها أنها تُعيدك للتآلف والتصادم مع شخصيات تخلقها بالكلمات ولكنها بغزلٍ مُتْقَن وخلقٍ حذق تجرك لتكوين أرواح حية شبيهة بالأرواح السابحة من حولنا في الحياة. أغلبنا يظن وهو يقرأ الرواية ويتفاعل بشدة مع الشخصيات والوقائع إنما مجرد مضيعة للوقت وتسلية أو تشويق، ولكن حين تقرأ بعيون مختلفة عن عيون القراءة الكسولة المتراخية، الآلية، سترى أرواح بشرية حية، بشر يتحركون حولك، يتألمون ويفرحون ويتقاذفون الشتائم، تُخْلَق الشخصيات في الروايات بلا كلمات جاهزة معدة! بل تنمو من رحم الكتابة وتنسلخ عن الكلمات والحروف لتنمو أرواحاً منتشية بالحياة واليقظة. هذه الرواية تستند للخيال الواقعي المستنبط من جوهر الأشياء، فعندما تقرأ "الأنفس الميتة" أو "المعطف" لغوغول و"المبارزة" لتشيخوف أو"العجوز والبحر" لهمنغواي و"مائة عام من العزلة" لغارسيا ماركيز و"عناقيد الغضب" لجون شتاينبيك، ترى أرواح حية لا تنفك تلاحقك طوال الوقت حتى لو بعد سنوات...
الرواية الذكية مصنوعة من تكنولوجي الخيال وتقنية الواقع.
من هنا سنبدأ بترجمة الرواية من منطلق تحويل اللغة العربية بمفرداتها والآلية ستكون كالتالي:
رواية لن تتدخل فيها المؤلف ويفرض سطوته التقريرية...الرواية تَكْتبُ نفسها بعيدة عن الكاتب الذي بدأ الحروف الأولى ثم انتزعته الشخوص وفرض عليه الزمان والمكان خروج الرواية بقميص غير الذي خاطه الكاتب ببداية الأمر...عندما يحين وقت كتابة الرواية من منظور العولمة...وعصر النزعة الانفجارية ضد معوقات المحظورات والمحرمات حينها سنترك الشاطئ الهادئ ونبحر إلى عالم البحار الهائج... هي الحياة الروائية خارج المجرة العربية ولو فتحنا الباب والنافذة المغلقان، ونظرنا من وراءهما، لما وراء عالمنا الأدبي سنُصدَم بالتغيير الزلزالي الحاصل في عالم الرواية...كم نحن نائمون