الحضارة الإدفوية تاريخ لا ينضب بمصر

(0)
Publisher: N/A
Year: 1993

تاريـــــخ

المقدمة

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، والصلاة والسلام على رسولك الأمين وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين... وبعد: لقد كتبت موضوعى هذا عن " الحضارة الإدفوية تاريخ لا ينضب بمصر" بمدينة إدفـــو بمحافظة أسوان من جنوب صعيد مصر؛ والذى تدور تسجيلاته عن الأحوال العلمية والمعمارية ،والثقافية والدينية ، والإجتماعية والفنيه ، في ربوع ذلك الإقليم الآنف ذكره منذ العصور السحيقة وحتى العصر الإسلامى ، موضحا تفاعل الإدفويون مع بيئتهم، وأهم الشخصيات التى أثرَت المنطقة في شتى مناحى الحياة ؛ فهى عاصمة المقاطعة الثانية في مصر العُليا بعد مدينة الأقصر حيث المقاطعة الأولى في أقاصى الصعيد واقعة على الضفة الغربية للنيل تتوسط المسافة بين أسوان وقـنا وكانت في العصور القديمة آخر نقطة حراسة مصرية على الحدود النوبية وتسمى بـ " وتسى حور" بمعنى عرش حورس نسبة إلى معبود المنطقة حورس. فـهذه المدينة إحتوت على الآثار الفرعونية من الدولة الحديثة في قرية المحاميد وأسمها قديما " الكاب"، ثم الآثار البطلمية في المدينة نفسها، يليها الآثار القبطية بحاجر إدفــو المتمثلة في دير "الأنبا باخوميوس" المُجتهد في إدخال المسيحية لمصر، وله تعاليمه القيَّمة ومدفنه القائم بها من قبل ظهور الإسلام. وقد أستخدم بـن بطوطة الرحالة والمؤرخ المعروف الطريق البرى عندما عقد نيته على تأدية فريضة الحج، إذ سافر من مصر حتى وصل إلى إدفـو شمالى أسوان ومنها إلى ميناء عـيذاب شرقا على البحر الأحمر المواجه لميناء جــدة بجزيرة العرب والقريب من مكة المكرمة)( وسنرى في ثنايا الموضوع اللاحقة تفاصيل ملامح المدينة العريقة وآثارها وعلمائها ؛فسفر طيب وقراءة ماتعة ومعلومات مثمرة بإذن الله تُفجِر ينابيع الحضارة ، وتُسطِر صُحُف التاريخ ؛فتمجيدا للآباء ،وحفزا للأبناء والأحفاد، من تراث الماضى المجيد الذى نستمد منه الحاضر العريق، ونستنير به للمستقبل التليد، ولمصر حبنا الأكيد، نطلع عليه كلما نضب الرفيق وطلبنا المزيد،وندعوه تبارك وتعالى التوفيق والله المستعان،،،           

               د. محمـد فتحى محمد فوزى محمود

               إدفـــو- أسوان مصــــــر.


       

تمهيد

تكمن في إدفـوعظمتها لكونها العاصمة الاولي لمصر وانها مدينة الملك العظيم مينا حيث مسقط رأسه بالكوم الأحمر ( نجع الجمعـاوية) بمدينة البصيلية )( الذى ذكرته كُتُب التاريخ بانه صاحب فضل توحيد مصر بعد ان كانت مبعثرة في هيئة مشيخات ومُدُن موزعة علي ضفاف النيل, وهي التي اخرجت ابطال حاربوا ببسالة في معركة طرد الهكسوس, لا يعرف قيمة مدينة ادفو ونواحيها الا اهلها والاثريون, فهي التي حوت الحاكم المصري الذي وحَّد مصر وحمل اسم مينا, وهي المدينة التي شهدت الصراع الذي حدث بين الاهها حورس مع عمه ست ( إسطورة الصراع بين الخير والشر), وهي المدينة التي تأتي اليها الالهة العظيمة حتحور في رحلتها السنوية من دندرة الي ادفـو كي تزور حبيبها حورس.

وبهاالكاب الواقعة علي الضفة الشرقية للنيل شمال مدينة ادفـو, واسماها المصريون القدامي نخب, وكانت نخب عاصمة المقاطعة الثانية بمصر العليا, وغدت الالهة الرئيسية التي تُعـبـد فيها هي الالهة نخبت والتي مثلت دائما علي شكل طائر العقاب, أو امرأة متوجة بتاج الوجه القبلي, ولم تكن نخبت الهة محلية في ادفو فقط, وانما كانت الهة لكل المصريين, وكان علي ملوك مصر أن يتقربوا اليها باعتبارها رمزا لصعـيد مصر, وفي عصر أوائل الأسرات كانت الكاب عاصمة مصر, وخرج من هذه البلدة ملوك حملوا علي عاتقهم وحدة مصر, ومن هؤلاء الملوك خرج الملك العظيم مينا.

وعلي الطريق البري وقبل الوصول لمدينة ادفو من الناحية الشمالية يري الزائر بناء ضخما جدا من الطوب اللبن وهو يمثل بقايا مدينة الكاب القديمة, وهي تبدو في شكل سور ضخم من الطوب الآجر, بناه ملك من اواخر العصور الفرعونية اسمه نختــانبو الثاني, ويبلغ سُمك سور المدينة القديمة اكثر من احد عشر مترا, ويوجد بداخله معبد الالهة نخبت وبيت ولادة وبحيرة مقدسة, وهناك بقايا معابد للإلهين سوبك وتحوت.)(

واذا واصل الزائر سيره لمسافة خمسمائة متر شمال أطلال مدينة الكاب القديمة سيجد جبانة الكاب, وهي جبانة تؤرخ بعصر الدولة الحديثة, وتضم الجبانة احدي وثلاثين مقبرة ترجع اغلبها إلي الاسرة الثامنة عشرة, ويوجد بها مناظر جميلة وملونة عن الحياة اليومية للمصري القديم, ومن أهم المقابر التي توجد بجبانة الكاب مقبرة بارحري عمدة مدينة الكاب في عصر الملك تحتمس الثالث, ومقابر ابطال حرب مصر ضد الهكسوس أحمس بن ابانا المستشار العسكرى للبطل أحمس الأول المنتصر على الهكسوس 1700 ق.م( فضلا عن مولد أحمس بن إبانا بمدينة الكاب في القرن 16 ق.م وتوفى فى1501ق.م ورتبته العسكرية أميرال وهو كاتب جند سير ذاتية ــ وإبانا هو اسم والدته، وقد رأى والده يحارب الهكسوس فقرر ان يلتحق بالجيش المصري بقيادة سقنن رع الثاني لمحاربة الهكسوس، وبعد مقتل سقنن رع تاعا الثاني وابنه كامس استمر أحمس بن إبانا في الجيش والقتال تحت إمرة أحمس الأول، وكان له دور بارز في معركة أواريس، وكان احمس معجبا ببراعته في القتال ومساعدته للجنود غير القادرين على التدرب بسهولة، كما شارك في حصار شاروهين تلك البلدة في صحراء النقب أو قرب غزة الحالية التي تقهقر إليها الهكسوس.)   ناهيك من رني, وأحمس بن نخبت, وايضا مقبرة سيتاو الكاهن الأكبر للالهة نخبت الذي عاش في عصر الملك رمسيس التاسع.

وفي مواجهة مدينة الكاب القديمة, وعلي الناحية الغربية من النيل تقع قرية الكوم الاحمر, وأقيمت هذه القرية علي البقايا القديمة لمدينة نخن, والتي سماها الإغريق هيراكونبوليس أي مدينة الصقر حيث اعتبرت مقر عبادة الإله الصقر حورس, وعثر فيها علي قطع أثرية هامة ترجع لعصر الاسرة السادسة مثل التماثيل النحاسية للملكين ببي الأول و مرن- رع, والرأس الذهبية للصقر حورس, كما عثر بها علي لوحة نعرمر الشهيرة, وتعرض جميع هذه الآثار بالمتحف المصري بالقاهرة.

اما درة ما تمتلكه مدينة ادفو هو معبدها او كما يعرف باسم معبد الاله حورس, ويعد هذا المعبد هو أجمل وأكمل المعابد المصرية علي الاطلاق, وكشف عن هذا المعبد الاثري الفرنسي اوجست مارييت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر, واستغرق تشييده مائة وثمانين سنة, وبدأ بنائه في عصر الملك بطلميوس الثالث عام237 ق م, وانتهت زخرفته في عام57 ق م عصر بطليموس الزمار وأفتتح بحفل عظيم عام 42 ق.م في عصر كليوباترا السابعة ومن ثم ندخل إلى تفاصيل الموضوع.