دافعي وراء مقال اليوم تحذير أو تنبيه وردني من صديق كاتب بألا أتعرض للتابو والتقاضي بحدِّ تعبيره عن القيم والتقاليد والموروثات و...فأعاد ذلك لذهني أسطورة كتاب وروائيّ أمريكا اللاتينية كيف حموا ظهور بعضهم بدلاً من تحذيرهم وتنبيههم!!! وهنا الفرق بين وكلاء الملائكة ووكلاء الشياطين...رمزيًا ومن غير مجاز...وكلاء الدكتاتورية ووكلاء الكتاب الأحرار.
تستهدف السياط الروائي عندما يتمرّد على تابو بحجم القيم والتقاليد والقيود والرقابات البالية، هذا لم يحدث فقط في العالم العربي، كان قبل ذلك بأمريكا اللاتينية، لكن جوائز نوبل التي حصدها أدباء بلاد جبال الأنديز حصنتهم من تلك السياط، وجعلت حكوماتهم تعرض عليهم منصب سفراء بالخارج لامتصاص نقمتهم لكن ذلك لم يفلح فقد ظلّ روائيو تلك الجبال الشاهقة يعاينون بمشارطهم واقع تلك الدول وما خلفته دكتاتوريات على شاكلة انستاسيو سوموزا غارسيا دكتاتور نيكاراغوا الذي اعتبر نيكاراغوا خلال فترة سيطرته مزرعته هو واسرته الخاصة ومنع حتى الفتات عن الشعب وكمّم المفكرين والمثقفين والكتاب...دون جدوى
أوغستو بينوشيه ليس بحاجة لتعريف لما ارتكبه بحق تشيلي، يندى له الجبين وقد عاد اليوم سلفادور الليندي في طيفٍ ثوريٍ آخر...غواتيمالا شهدت حكم مزارع خنازير يدعى رفائيل كاريرا أشنع وأبشع دكتاتور، إذ حكم غواتيمالا كما كان يدير مزرعة الخنازير...وفي كولومبيا كانت دكتاتورية سقطت مؤخرًا وكذلك في البرازيل وصل مؤخرًا رئيس يساري أولى قراراته أعادة الحقوق الإنسانية لسكان بلاده الأصليين...الرمز من ذلك أن أدباء هذه الدول وخاصة الروائيين منهم لم يتركوا أولئك الدكتاتوريين ينعمون بسياطهم وسلطتهم، سطروا روايات تفضح مصاصي الدماء، ومن أبرز هؤلاء الكتاب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز والتشيلي انطونيو سكارامتا ومن بيرو ماريو بارغاس يوسا والبرازيلي جوزيه ماورو ومن غواتيمالا بالطبع ميغيل انخيل استورياس ولا ننسى طبعًا التشيلية إيزابيل الليندي...كل هؤلاء تحدوا سياط قمعي قفزوا من أعلى قمة بالكوّن التعبيري وسقوا حرية التعبير...وفوق كل ذلك حموا ظهور بعضهم رغم تفاوت البلاد والأزمنة، فمنهم من عاصر الآخر ومنهم من رحل قبل أو بعد الآخر ولكنهم شكلوا اتحاد وأسرة لاذت الحرية من أوسع وأعمق جذورها...فجاءت رواياتهم إبداعًا أوسع من الخيال ونال أغلبهم جوائز نوبل...واليوم وقد تحرّرت غالبية دول لاتينية من الخوف...بفضل حروف وكلمات وسطور هؤلاء الذين شكلوا سهام وحراب في قلب الدكتاتوريات، رغم دموية أولئك مصاصي الدماء على شاكلة انستاسيو سوموزا غارسيا دكتاتور نيكاراغوا وبينوشيه المقبور في تشيلي...
لا أكف كما يلاحظ متابعيّ عن التلويح والإطراء والتذكير بهؤلاء الكتاب وبأولئك الدكتاتوريين وكيف كانت تدار معركة التعبير والكتابة وتحرير الذات من الخوف...؟ والجدير بالكاتب العربي ألا يكون فدائي أو جندي، على الأقل يعبر الحدود بالكلمة وهو أقل ما يمنحه للحرية...