بعد بضعة أيام ، رأت أختى الشابة تربيعتها المشغولة بالخرز الغالى والترتر ، فوق رأس إحدى بنات العزبة ، فقهرها الحزن ، ولم تستطع البكاء ، وقالت : "جمعت من أجرتى فى الحقول لأحضر بها فى الأفراح والمناسبات ، وها هى........" .
تتوشح ظلمتى الخلاء ، كشبح شيطان الظلام يملؤ الكون ، أحسست لابد أكون شديد القسوة ، حتى يصدقوننى ، أضربهم بالخيزرانه بعزم قوتى ، ألسعهم ، كأن لطع حروقها لا تعرف الأمكنة .
ساعدنى إختفاء ظلمة القمر ، تحجز ضوءه خلف السحب ، شيطان الظلام مايزال يمتطى براح الفراغ ، أطيح بالخيزرانه يمينا ويسارا على رقع جلودهم ، جوانب وجوههم ، يجرون عن شمالى ويهربون أمامى ، أتحرك خلفهم ، أدفعهم على أتربة الطريق ، يثيرونها كالشوارد ، تلون وجودهم بلون الغبار ، تخرج من نفسى البقعة السوداء ، التى تحيل بينى وبين الحزن على آلآمهم التى تكويهم بنار الجمرات الحارقة ، هل أتحول إلى رحمة الإنسان وشفقته فأضيع ، أردها قلبى لتنفث العتمة أرجاءه من جديد.
غشيتنى رغبة الهياج ، تشتيتهم بضراوة وسرعة المردة ، كلما إلتفتوا وراءهم ، أزداد عنفا ، فاجأنى أحدهم وتسلل خلفى ، أرتكب معه الحماقات الوقحة ، لأبدو قاطع طريق شرس ، مثل الوارد الذين ينفضون الشر الخامد تحت التراب ويلعقون دماء القتلى فوقه .
حاول أحدهم إخراج المحمول ، هويت على ذراعه الممدودة داخل سيالته ، قال أحدهم له :
- ليس فى العزبة شبكة ، إنها قبور الليل .
يجرى معهم تجاه الدور المدفونة فى أحضان الأرض ، خلف الضباب ، منضما لكتلتهم ، لا يستنجد بأحد من العزبة ، سوى يقول :
- عزبتنا ملآنة بالوارد ، قتل أناس كثيرين .
ثم يتذكر :
- تحت الجسر ، غطس العِرض عشرات البنات .
يستصرخ الآخرين أحدهما :
- لا يبدو على عزبتكم طلوع العفاريت منها .
فأزيد الضرب عليه ، أطاردهم عاليا على أطراف قدماى الحافيتين ، وأنخفض على ركبتاى بين الحين والحين ...
كلما إقتربت ثلاثتهم ، أضرب بلا هواده الهواء ، ترنه آهات الوجع كالثور الصريع ، أجاهد تحسين تقنيات العنف والقسوة على الإثنين الأخرين ، أتقن حقيقة البطش والطغيان قدر إستطاعتى ، فاجأنا خلف أكوام السباخ العالية ، الجرن المطل على بيوتات العزبة و بضعة شوارع ، لحقوا بها فارين إلى جهة دارنا ، شققت الحقول والترع ، كقفزات ثعلب برى مطارد ، وصلت شارع بالقرب من خلف دارنا ، يفقس الظلام شاب فيجرى وارئى ، يخطف فوق رأسى غطائى ، يصرخ :-
- رجل على رأسه تربيعة النساء .
ظللت أجرى بأقصى سرعة ، خفت أضربه ، عسى يلتقف الخيزرانه ، أصير تحت مرماه ، أو يستنهض العزبة المرخى رقادها هذه الساعة الشتائية .
وصلت زقاق يفضى إلى الحقول ، سأصعد بيتا ، أقفز على عرق خشبى ممدود إلى سطح زريبتنا ، أنفض الشيطان عنى ، عندما أسمع جلبتهم أنزل فاركا عينى ، أعب كوب الزير الراقد فوقه أول درجات السلم ، نظرت إليهم بعين واحدة ، ألملم شتات نفس النائم ، أكثر التثاؤب .
- ماذا أعادكم ؟؟ ..... لما عدتم ؟.... من ردكم ؟؟ هل طلع عليكم أحد ...
ونفضت نفسى ، وإنتفخت ... فى المنطقة بأكملها يحسب لنا ألف حساب .
حبسوا صمت الخوف وإرتعاشاته فى قدور صدورهم المنهكة .
كم يرعبنى ويهدم جدران شجاعتى الإنتظار ، مؤكد رأت أخت الشاب التربيعة على رأس أختى ، أترقب دقات باب الدار ، أضحك داخلى ، أنظر لإبن أختى الكبيرة ، لو إخترت أماكن على أجسادهم لسقوط بطشى أو تلطفت فى أذيتهم ، لكشفنى أحدهم ، بطرفى أمنعه النظر ناحيتى تارة وأخرى أتابع الباب ، أتذكره يقول وهم عائدون كالطرائد :-
- أجرى يا ولد ، إنه خرج من تحت الجسر .
- ظللنا ننظر خلفنا يا خالتى ، الغريب أن العفريت لم يستطع دخول العزبة .
- قلت لكم يا ولدى الوقت متأخر ، والنهار له عينين .
يربتون حروق الضربات وسخونتها ، وأعينهما منكسة .
حين خضنا غمار النوم على سرير واحد ، أستمع إلى آهات إصابات الكوى من أعماقهم ، ثم يقول أحدهم :-
- رغم أننى أدركت أن المارد بدأ ينهج ... ظللت أجرى .
- لا أدرى لماذا لم يهدأ عبد العزيز إبن أختك عن الجرى لحظة .
- كلما حاولت تشتد ضرباته .
- لو أمتنعنا يا عبد العزيز عن الجرى لأخفناه ، ولرجع تحت الأرض ... وواصلنا طريقنا .
وفى الصباح قرر أحدهما تقديم شكوى إلى المركز ، غشيتنا الدهشة وقلنا :
- لا أحد يشتكى العفريت!
وارد الجسر
فعاليات
مناقشة رواية النباتية لهان كانج الحاصلة على جائزة نوبل للأدب
نوفمبر 08, 2024
تمت منااقشة رواية النباتية يوم الجمعة 8 نوفمبر 202...
Art Auction: Support Palestinian Families in Gaza
أكتوبر 18 - 20, 2024
Join us on October 18th for Art for Aid, an online...
مناقشة نصف شمس صفراء لشيماماندا نجوزي أديتشي
سبتمبر 28, 2024
تمت مناقشة رواية نصف شمس صفراء للكاتبة النيجيرية ش...
إدوارد سعيد: الثقافة والإمبريالية
يوليو 27, 2024
تمت مناقشة كتاب الثقافة والإمبريالية لادوارد سعيد...