- 1 -
البحث عن ذاكرة
جئت أبحث عن نصف عمري, الذي غادر الأجندات بعد لعنة قصف غادرة، أخذت وليفة أيامي بالجلطة، قتلت في عين الدماغ وعاء الذاكرة.
ووليفتي أخذتها رجفة,خرجت في صرخة..سقطت في الغيبوبة..سكنت الموت بعض وقت, ثم نهضت على فزع عارية بين أغراب يتقنعون بالابتسام:
- من أخذني إلى النوم.. من جرّدني !؟
عبرت إلى صدري، صارت دمعة..امرأة من شمع ما زالت ذاهلة في المدى..هتف الطبيب مهنئاً..وشوشني بطرف عين:
- الحمد لله صباحاً ومساءً, لم يأخذ القصف غير الذاكرة..
نصل سيف شطرني، فتناثرت مع الشظايا، صار بعضي مع غبار تحمله شياطين البارود، وبعضي غاص تحت ركام الردم، وبعضي يصرخ:
- هل يعود عمري الذي كان يسكنها؟
- ربما ولكن بعد حين..
هل يعود الغدر عمَّا فعل، ولو بعد حين.
فوليفتي عاشقة من نوع فريد، تبدع في العشق, تجعل اللحظة عمراً يتجدد..يتمدد كالبهاء، تجعل الوجد مقاما..تجعل التيه حياة في الجنون.
جئت أطلب مصر ملاذاً, أحملها في عين خاصرتي، أعرض مظلمتي على أطباء العقول، أطلب الرحمة، تفزعني امرأة يسكنها الذهول تحمل في عينيها إشارات الذبول, تعلق رعدة القصف على وجهها ابتسامة, سرعان ما تأخذها الدهشة إلى بدايات البكاء..يختلط لديها الضحك وإرهاص العويل..يرتسم على وجهها برعم حلم, قبل أن يومض تذهب إلى النوم..وأنا بين الدهشة والحضور أفتش عن أجندات سقطت في جب الغياب، بانتظار القطار الذاهب ولا وصول..
هل تعود من بطن الغياب؟
هل تعود إلى عاداتها..تنبض فيها الشهوات بأشواق صبية..
****
كنت في الغفوة أبحث عن غزالة, حضرت عروساً تتبختر..نامت على صدري، وشوشتني مثل طفل نام على وسادة القلب قالت:
- تأتيك امرأة تبحث عن وليف ضيعته في الطرقات..
- هي أنتِ؟
- هلا سمعت يوماً عن روح القرين.
-وأنتِ؟!
- ربما كانت أنا، ربما صرتُ هي..
وأتت على خط الهواء، امرأة غزالة أطلت عليّ من نافذة صدري تبحث عن طفل الحكاية, تسأل:
- ماذا تفعل يا رجل.
- أبحث عن حكايتي في جب العدم.
- متعب أنت يا نورس عسقلان..هل خذلتك العافية..
امرأة صوتها يفتح أبواب الدفاتر..
- هل تأخذيني إلى ما أريد؟
- أنا امرأة تقطع الغربة مع عبق الأجندات القديمة، أهرب من حالي إلى زوايا الحكايات الساكنة في بيت هناك..ربما قصفوه مع ما قصفوا, ولكن ذاكرتي مازالت في المكان.
نهضت صاحبتي من النوم وقد فارقها السُهوم.. ضوء عينيها توهج. .ضحكت حتى السعال.. قالت:
- مع من تتحدث؟
- ...
عادت إلى النوم ترقد الدهشة بين شفتيها، ورأيت في الدهشة امرأة تمسح وجه النائمة.. تبحر في بحر من ألم..
هما امرأتان في حال امرأة.
والحكاية,امرأة تتوسد ذراع البحر البعيد، تنشد أغنيات قلبها المزروع في رحم زنبقة تسكن هامة سافية رمل من ذهب على شاطئ غزة, تنتظر عودة النورس الذي يسكن منارة عسقلان..
هي في الحكاية تنتظرني وتراقصني على حبل الهواء عند رصيف منتصف الليل من كل خميس، وتبادلني على مسرح الأسبوع الحكايات على وجه الحاسوب في رجفة ضوء..
- 2 - أجمل حالات الهروب
هل رأيتِ الليلة كيف مارسنا الهروب؟أهرب منيّ إليكِ، وتهربين منكِ إليَّ, ننشد بعض راحة..
كيف يرتاح المتعبين من مشاوير المحطات وعذاب الأرصفة.
أسأل عن حالكِ، تقطعين عليّ الطريق إلى وجعكِ:
- لا تخف عليّ أنا بخير..كيف أنتَ.
صوتكِ يحمله الوجع إلى مدار الشوق..أتجمل,أصعد فوق عذابي أتجمل:
- رجفة برد أصابتني وأنا أدرب صوتي للقاء.
تضحك على أطراف دمعة، تمسك بي تحضنني, صوتها يغلفه ابتسامة..
صمت الهواء على انتظار الآتي من المواعيد, والمواعيد مع امرأة من صوت عند محطة راحة، هي ما نحياه حياة في الحياة، ندخل طقس غير ما تعارف الناس عليه، يصبح طقسنا بيتا يختزل التواريخ..نهرب من المواعيد نلتقي، نتعذب, صوتكِ يأتي من بعيد:
- إنه أجمل ألوان العذاب
امرأة في صوت، تسبح في الهواء..كلما حاولت أن ألمسها, أحضنها تنفلت مني بعيداً..عبثُ أحاول..كيف أقبض على امرأة من صوت تموت على الأرض وتحيا في الهواء؟!.
نام الهواء, أخذ النوم من عيني..ليس لي غير فضاء صوتكِ أستعيد منه نبض الكلمات..يومض النبض شرر، أقبض عليه في كفي, أفتح كفي..لا شئ غير خطوط في جلد الكف تنام..من يقرأ الخط في كفي..من يقرأ حظي..من يعثر عليكِ تسكنين الحلم، تخلدين إلى النوم في هجعة انتظار المواعيد القادمة؟ هي أسئلة تأخذني الليلة إلى السؤال:
أين أنتِ منّي، وأنا أين منكِ والمدى بيننا حبل هواء يحيا ويموت، بين نبض الشوق وشهقة الموت تفاصيل تدهشنا كل لقاء؟..
بعد أن يمضى اللقاء ندخل في الحيرة من جديد.
ما الذي بيننا؟ لقاء هو أم هروب؟ أم لقاء في حال الهروب ؟
ما الذي نهرب منه والماضي خسارة، والحاضر موت وجليد؟
هل ما بيننا وهم/عبث؟
فجأة حضرتِ امرأة من لحم ودم، لا يؤرقها الندم، عصفورة تشدو بصوت من حرير:
- هل نسيتَ يا نورسي الأصيل؟
"إننا نحيا حياة في الحياة، نقترف أجمل حالات الهروب الذي يأخذنا من التيه إلى شرفتنا هناك"
إنني الليلة قد عشقتُ الذهاب إلى طقس الهروب.
هل دخلتِ الطقس مثلي أم هربتِ.."
- 3 -التسلل إلى ممرات سرية
راحت تفتش عن خال يسكن صدرها.
خالكُ قنديلي عندما تكونين معي, ترقصين على سن قلمي، نلعب سوياً على بياض الورق. ليس سوانا يمارس الرياضة في البياض بعد أن يشوينا لظى الهواتف.. تهتف فينا عصافير الحياة.. نذهب للتجوال بين سطور الكلمات، تتبدى الكلمات كائنات أجمل من كائنات الحياة..نصبح امرأة ورجل في الأثير، لا تحاكمنا قوانين الأرض، ولا نخجل من عرينا فعيون الآخرين عنا مطفأة، والمرايا لا ترصد الصور..فقط أنت مرآتي أرى فيك ما فيَّ من ولع ودلع وشقاوة فتى وُلد من رحم مغاير، لا رغبة تشبعه غيركِ، فأنتِ مرآة تنبض فيها شهوات الروح..هل تخيلت أنكِ مرآة يسكنها رجل ساهم على مدار الوقت يحدق فيكِ وهو الساكن فيكِ يختلط عليه الأمر، إذا ما كان ينظر إليكِ، أم يرى نفسه فيكِ..صدقيني أن ذلك ما أعيشه على خط الهواء..فهل تأخذكِ الحالة التي تأخذني؟..هل تدخلين الطقس مثلي؟ أم هو وهم الكتابة/الغواية..لا بأس فالأمر جميل ومثير، أجمل ما فيه أنكِ امرأتين وروح واحدة وأنا رجلين وروح واحدة,والامتحان عسير.عند اللقاء أخرج من جسدي، كما تخرجين أنت من حصار لحمكِ، نمارس معاً ما لا يمارسه البشر على الأرض, نحن من نسكن أجسادنا ضيوفاً نختزل الأسبوع إلى ساعة لقاء، نمارس الجوع لا نعرف الشبع.. كيف يشبع جائع الأسبوع من مائدة ساعة تمضي مثل رفة عين أو أقل.. إن الأرواح إذا غرقت في تخمة الشهوات تموت.. تتجلى/ تتألق خارج الجسد فكرة ترقص تنثر أفكاراً جديدة، عندما نقبض على واحدة منها ترقص فكرة مشاغبة تفر بعيداً، فيأخذنا الجوع إلى ساعة أخرى من ليل الخميس القادم..نبقى على الجوع.. فاللقاء دائماً ينتهي قبل أن نبدأ بالكلام, في كل مرة يأخذنا الشوق ويبقى ما نريد في حقيبة التأجيل.. هي حالتنا العجيبة.. لكن أجمل ما في الأمر أنك مرفأي الذي عندما اقترب منه تفصلني مسافات جديدة، فأعد العدة، وأجهز حقائبي بالحكايات إلى سفر جديد..يصبح السفر إليكَِ فصلاً من حياة. فهل تجمعين الحكايات مثلي زاداً إلى يوم اللقاء على الأثير, هل أدركت سر الخال، وكيف يحيا في الأثير؟ وكيف يموت كما تموت الشهوات عند الهبوط إلى الأرض ويعود بقعة داكنة على الجلد لا يثير الانتباه.
إني أريد الخال على صدرك كما أريد.
وأراه كما أرى الرغبات التي أشتهي, وأنا أشتهيه برعم وردة يتفتح أسفل ثديكِ الأيسر، يتوهج فوق قلبكِ ينبض وجداً، يصبح قنديلاً يرضع من الفتيل، وأنا أسكن لهب القنديل..لا تخافين عليّ، لا تجزعي فأنا مع نار قنديلك لا أحترق.
أنتِِ من قال لي يوما:
- احفظ رمادك في المنفضة..حاذر أن تحترق.
لا يحترق يا سيدتي من يسكن حبة القلب، من زاده لبن البراءة.. هذا هو الخال الذي أريد وأراه في دنيا الأثير، هو ما يشعرني بالفقد على الأرض فيلهبني اشتياقاً.. فعلى الأرض تقيدنا وتقتلنا قوانين البشر, وعلى الأرض أنتِ لست لي، وأنا لست لكِ. فأهل الأرض يرون قنديل الخال طفل سفاح, ليس لنا غير الهروب إلى حلم الأثير، حيث الخال شرعياً لا يقترف الخطايا والخطأ.. إني أرى ذلك في مرآة امرأة هي أنتِ, امرأة تحيرني أن تكوني المستحيلة أو تكوني الراغبة، ترقص على سن القلم عندما أعزف البوح على بياض الورق, فيا امرأة مارسي الرقص بأقصى ما يكون الشوق إلى الوصول إلى الأزمنة البيضاء، التي لا تراها العيون المطفأة، لا يراها غيرنا حتى وإن كانت سراب..إنني أرضي من الوهم بالحلم بامرأة ترهف السمع لأنغام الحقيقة.
هكذا أنت معي عندما تحضرين, وهكذا أنا عندما أخرج من سجن جسدي إليكِ في الأثير..هل أنتِ مثلي..لا تخذليني..لا تخذلي روحك كي لا يزحف الرمادي إلى بياض الأزمنة.