بقلم كريم رفعت
دارت في جامعة جنيف مناظرة مفتوحة على مدار يومي 29 و30 الجاري حول موضوع "ما هو السلام العادل؟" "What is a Just Peace ? " وذلك في إطار الاحتفال بالذكرى المئوية لحصول هنري دونان (سويسري ومؤسس الصليب الأحمر) على جائزة نوبل للسلام. - شارك في المناظرة كل من يوسي بيلين (وزير العدل الإسرائيلي الأسبق)، وستانلي هوفمان ( مؤسس ورئيس مركز الدراسات الأوروبية بجامعة هارفارد)، ودافيد ليتل (محام أمريكي متخصص في مجال القانون الدولي الإنساني)، وإدوارد سعيد (أستاذ شرف بجامعة كولومبيا) .
- تركزت مداخلات يوسي بيلين حول مدى جدوى إضافة تعريف جديد للسلام الذي نجد بالفعل صعوبة كافية للتوصل إليه وذلك بتسميته سلام عادل. وأكد أنه يري في ذلك خطورة أكثر من فائدة لسببين: أولا أن العدالة يجب أن تكون بطبيعة الحال أحد العناصر الأساسية لأي اتفاقية سلام وإلا لن تكون هذه الاتفاقية مقبولة من الطرفين، وثانيا لأن إضافة صفة أو تعريف جديد للسلام (العدالة) يعطي لمن أطلق عليهم "أعداء السلام" فرصة أكبر للمناورة ومحاولة التنصل من اتفاق السلام بدعوى أنه غير عادل. وضرب بيلين مثالا بما أطلقه هؤلاء (أعداء النجاح) على اتفاق السلام مع مصر إذ قالوا أنه سلام "بارد" حيث أكد أنه يفضل إبرام اتفاق ينتج عنه سلام بارد عن الاستمرار في الحرب مؤكدا أن السلام مع مصر على أنه قد يكون باردا إلا أنه بلا شك أنقذ الملايين من الأرواح على الجانبين. كما أنهى كلمته بأن كل سلام سوف يكون فيه شئ من "غير العدالة" من وجهة نظر طرف من الطرفين إن لم يكن كليهما ولكن يجب ألا يمنعنا ذلك الاستمرار في السعي إلى السلام في صورته الموضوعية.
- تناول ستانلي هوفمان مفهومي "السلام" و"العدالة" في صورتها المجردة دون إقحام قضية بعينها في كلمته. وأكد أنه على الرغم من أن السلام والعدالة مرادفين – على الأقل من الناحية النظرية – إلا أنه من الملفت أنهما قلما يلتقيان واقعيا. وذكر أن أشهر الاتفاقيات السلمية تاريخيا كانت غير عادلة بصورة أو أخري بدءا بسلام وستفاليا ومرورا بمؤتمر باريس للسلام 1919 وصولا إلى اتفاقيات معاصرة مثل دايتون وأوسلو. وأرجع هوفمان ذلك إلى أن هناك أكثر من تعريف واحد للسلام وكذلك أكثر من تعريف للعدالة. وذكر في النهاية أن الحل هو تدعيم التعاون الدولي من أجل السلام وإعادة إحياء دور المنظمات الدولية مع استخدام معادلات جديدة مثل التدخل من أجل السلام على أن يقترن ذلك بعملية إصلاح الآليات الدولية القائمة على عملية اتخاذ قرار بالتدخل لتعبر بصورة أفضل عن الرأي العام العالمي.
- تأسست مداخلات دافيد ليتل على أهمية احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني لدى تناول مفهوم السلام بمختلف أجزائه. وقسم مفهوم السلام إلى الأربعة أركان التقليدية (إقرار السلام Peace Enforcement ، وصنع السلام Peace Making، وحفظ السلام Peace Keeping ، وبناء السلام Peace Building) مؤكدا على أن احترام حقوق الإنسان والمواثيق الدولية ذات الصلة مسألة واجبة في الأركان الأربعة وأن هذا الالتزام يحقق السلام العادل.
- تناول إدوارد سعيد مفهوم السلام العادل من الناحية الواقعية مع التركيز على القضية الفلسطينية كمرجعه الأساسي. وعلى الرغم من أنه اتفق مع يوسي بيلين حول نسبية العدالة إلا أنه أكد أن هناك أشياء غير عادلة لا يمكن أن نختلف حولها مثل الاحتلال، والاستيطان، والتعسف، والتعذيب وهي كلها أفعال قامت بها حكومات إسرائيل المختلفة بما فيها حكومة بيلين في نفس الوقت الذي كانت تتفاوض فيه حول السلام. كما اختلف سعيد مع دافيد ليتل حول تمسكه بمبادئ حقوق الإنسان ودفاعه عنها بل وعن ما أسماه بالحرب التي تخوضها أمريكا حاليا ضد الإرهاب وضد انتهاكات حقوق الإنسان حيث أشار إلى ازدواجية المعايير والانتقائية التي تتسم بها السياسة الأمريكية لدى تناول موضوعات حقوق الإنسان. وأضاف سعيد في نهاية كلمته أنه فيما يتصل بالقضية الفلسطينية، فيجب أن يرتكز السلام العادل على أربع عناصر أساسية:
دولة علمانية يتعايش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون ضرورة الاعتراف الإسرائيلي بجرائم الماضي دون اشتراط تحمل المسئولية أو الإصلاح والتعويض لأن ذلك من شأنه أن يعرقل السلام ولكن الاعتراف شئ ضروري. أهمية التركيز على الالتزام بالاتفاقيات التي تبرم بين الطرفين وتنفيذها بغض النظر عن كونها غير عادلة في نظر البعض أو "باردة" في نظر البعض الآخر حيث أشار إلى أن العائق الأساسي منذ انطلاق عملية السلام هو عدم التزام إسرائيل بالاتفاقات التي تبرهما. التعليم وذلك بهدف خلق أجيال تتفهم الطرف الآخر ولديها الرغبة في التعامل معه بسلام.