"لما دعوتني للعشاء بمطعم " كالي بولس

أنت يا "ميرشي" لا تعلمين طبيعة المتاعب التي عصفت بعلاقتي مع "باولينا" ابنة موظف كهرباء بشركة قطارات "رينفي"، لما دعوتني للعشاء بمطعم "كالي بولس" الممتد على طول شارع "صوفيا" لبلدة "ستيجس".
كنت أتوقع مثل هاته المفاجآت غير السارة، لكن مع ذلك وجدتني أستجيب لدعوتك النبيلة أمام بياض مشاعرك.
هل لازلت تتذكرين ذلك المطعم؟
لا أظن أنك نسيته!
أعلم جيدا، أننا ارتدنا مطاعم كثيرة كلما شعرنا أننا في الحاجة إلى لقاء بعضنا البعض بعيدا عن شغب "باولينا"، إلا أنك قلت لي ذلك اليوم من أيام "عيد الفصح"، ونحن في الطريق، أن مجرد اختيارنا لهذا المطعم عن غيره من باقي المطاعم الأخرى ومن دون سابق فكرة، سيجعل من جلستنا رائعة، وأن هاته الجلسة ستظل عالقة بشعورنا إلى ما لا نهاية، وهو ما حصل بالفعل يا "ميرشي".
لكن.. دعيني يا عزيزتي أذكرك، أنك مولعة بالحكايات واستعادة الأمكنة الجميلة التي تعيد إليك الشعور بالوجود والحياة مرة اخرى.
لقد قلت لي أن هذا الشعور تولد لديك نتيجة الغرائبية التي كانت تنتهي إليها حكايات جدتك "خوسيفا" وهي تسرد عليك قصص المجاعة التي ضربت الريف الإسباني، وأحيانا قصصا عن بطولات القوميين "الكاطالان" أيام الحرب الأهلية التي أشعل فتيلها الديكتاتور "فرانكو"، وقصص جدك "ألفونسو" مع الذئبة الشرسة التي أتت تقريبا على كل ما يملك من رؤوس ماعز، فأخذ الثأر منها بعد فوات الأوان بمساعدة من "سانشو" الراعي المساعد الذي أوقعها في شراك بالقرب من النهر الذي يمر بمحاذاة "سان فورتوسو"، فاقام جدك وليمة بالمناسبة لجميع سكان القرية الفلاحية، اعلانا عن انتهاء مأساة ظلت فصولها تشغل باله كثيرا.
المهم يا عزيزتي، أنا أقصد ذلك المطعم الأنيق الذي مررنا بجانبه ذات مرة من عطلة نهاية الأسبوع، ونحن في طريقنا إلى المتحف البحري ل" برشلونة" ، للاستمتاع بالتحف البحرية، ومعروضات أخرى بعد أن قرأنا عنها ـ أنا وأنت ـ في الملحق الثقافي لجريدة "لافان غوارديا"، التي تصدر كل أربعاء.
من منا ينسى تلك الظهيرة، ونحن نفترش الأعشاب الخضراء التي تلف "المونيستيريو"، "الكاتادرائية" القديمة لبلدة "فلوريستا" !
اسمعي يا " ميرشي ".. أنا لن أعود إلى بيت "باولينا"، حتى وإن كلفني ذلك المبيت في قسم شرطة "الحرس المدني" أو الترحيل إلى بلدي، وسآخذ الإشعار الذي وجهته إلي مع "خافير" بن عمها صاحب مقهى "لونا"، ذلك الفضاء الذي كنا نمر عليه في بعض الأحيان للاستراحة من طول الفسحة وتحية النادلة التي تقطن بالحي حيث تقيم الصغيرة اختك.
تدركين يا "ميرشي" أني في مواقف من هذا القبيل، أمسك بأعصابي وألقي بها في النهر، وحتى إن أصابني مكروه ما، فأنا لن أعتبر نفسي سيء الحظ وأذهب عند العرافة "إلفيرا"، كي تقرأ كفي، وتكشف لي عن طالعي، مثلما يفعل "أوخينيو" و "ليونيتو"، اللذان كلما شعرا بنحس ما يحدق بهما، توجها على الفور إلى "إلفيرا"، يلتمسان منها بعض التعاويذ أو التمائم، لكي تظل علاقتهما حسنة مع "أوخينيا" و"أندريانا"، وفوق كل هذا، فأنا سأعيش كما لو أنني سعيد للغاية، وحتى غربتي عن وطني سأخفيها في صمتي.