كلمات لقاسم امين
قديمه قال د. محمد عفيفى عن كتاب (كلمات) أنه: "يثير قضايا خطيرة فى عبارات قصيرة، وأفكار جريئة" وهو يضيف: "يثير قاسم أمين فى هذا الوقت المبكر العديد من القضايا المهمة والخلافية فى تطور الفكر العربى بشكل عام.. هكذا نرى مدى أهمية كلمات قاسم أمين، هذا الكتاب الذى لم يحظ بالشهرة الكافية. وفى رأينا أن ذلك لا يعود فقط إلى صغر حجم الكتاب ولكن إلى الضجة التى آثارها كتابا قاسم أمين تحرير المرأة والمرأة الجديدة، إذ تم تنميط قاسم أمين فى صورة محرر المرأة مع تحفظنا على هذه الصورة ومدلولاتها المختلفة.. هكذا تم تهميش كلمات قاسم أمين الإصلاحية التى أعتقد أنها لا تقل أهمية عن كتاباته السابقة، إن لم تكن تزيد فى الأهمية والتنوع، ولكنها آفة فى تاريخ الفكر المصرى الحديث، وهى تنميط المفكر فى شخصية معينة، وتهميش كتاباته وأدواره الأخرى، لذلك من المهم إعادة نشر هذا الكتاب ونحن نحتفل بمئوية قاسم أمين".
وفى دراسته المعنونة (قاسم أمين وكلمات التنوير) تناول الباحث رامى عطا صديق نشأة قاسم أمين ووفاته وتأبين الصحف التى كانت تصدر آنذاك له. كما إنه ألقى الضوء على الإنتاج الفكرى لقاسم أمين من الكتب والتى بلغت خمسة مؤلفات هى: Les Egyptiens أى (المصريون)- (تحرير المرأة)- (المرأة الجديدة)- (أسباب ونتائج... أخلاق ومواعظ)- (كلمات).. يذكر الباحث قصة هذا الكتاب فيقول أنه بعد أن توفى قاسم أمين فى يوم 21 أبريل 1908م، اهتمت إدارة (الجريدة)- وعلى رأسها أحمد لطفى السيد مديرها ورئيس تحريرها فى ذلك الوقت- بأن تجمع مجموعة من حكمه وأقواله المأثورة وكذا بعضاً من مذكراته الشخصية..، فكان كتاب (كلمات.... لقاسم بك أمين)، والذى جاء فى 60 صفحة من القطع الصغير وتضمن عدداً من آراء وأقوال مفكرنا تناول فيها الكثير من القضايا والموضوعات الاجتماعية منها والأدبية. وقد خرج الكتاب فى الشهر التالى مباشرة لرحيل قاسم أمين. جاء كتاب كلمات لقاسم بك أمين فى صورة مجموعة من الكلمات الحكمية والآراء الفلسفية الجليلة. حيث كان الكتاب عبارة عن آراء قصيرة وبعض من المذكرات الشخصية والكتابات التى خطها قلم قاسم أمين وقد بلغ عددها أكثر من مائه رأى وموقف. وكما يفهم من قراءتها فهى آراء ومواقف يتناول فيها صاحبها العديد من القضايا المجتمعية (وعلى وجه الخصوص تلك القضايا الاجتماعية) بغرض التنوير وإصلاح حال المجتمع المصرى والقضاء على آفاته التى انتشرت فى ذلك الوقت بين المصريين. فى كلماته تناول قاسم أمين عدد من القضايا الحيوية منها: حرية التعامل مع الآخرين المختلفين معك، العلاقة بين العلم والدين، والعلاقة بين الكاتب قرائه، التربية الأدبية السليمة، الصداقة، اللغة العربية ووجوب إصلاحها وتطويرها، الفضيلة والكمال، التعليم النافع، سر تأخر المصريين، قيمة العمل، العمل الأهلى الخيرى.. ذلك بالإضافة إلى موضوعات أخرى عديدة منها: حُب الخير، الذوق السليم، الأمانة، التفكير السليم، النفس القوية وفهم الإنسان لنفسه، القضاء، تربية النفس، الصحافة، الانتقاد.. كما وضع الرجل يده على عدد من سلبيات المجتمع المصرى أيضاً منها: حُب الظهور، النفاق والتقلب فى الآراء، الجنازات.. ولم يفت قاسم أن يتناول بعض قضايا المرأة، إذ لعلها القضية الأثيرة إلى قلبه، ومن ذلك أنه تناول: العلاقة بين الرجل والمرأة، المرأة الصالحة، الزواج وبعض عاداته، الحب، الطلاق.. وقد استخدم قاسم أمين طريقتين أساسيتين فى تقديم آرائه وعرض أفكاره.. الطريقة الأولى منهما هى إبداء الرأى فى موضوع معين أو قضية ما بشكل صريح ومباشر، أما الطريقة الثانية التى استخدمها قاسم أمين فهى طريقة الحكى أو السرد القصصى، أى أنه كان يعرض بعض المواقف والخبرات التى مر بها بنفسه فى حياته أو مر بها أحد أصدقائه وحكاها له، ليقدمها قاسم فى صورة قصة يطرح من خلالها رأياً معيناً أو فكرة ما. يقول الباحث فى ختام دراسته أن هناك اتفاقاً بين المثقفين والمفكرين فى أن التغيير فى الجوانب الاجتماعية والفكرية يستغرق سنوات طويلة ربما عقود من الزمن وربما قرون، وليس خافياً أن نكتشف أن بعضاً من أفكار المفكر المصرى قاسم أمين مازالت فى لُجاج إلى اليوم بين مثقفى مصر ومفكريها. وهو الأمر الذى يتجلى لنا بوضوح على صفحات الجرائد والمجلات وإنتاج المطابع ودور النشر من الكتب، حيث العديد والعديد من المعارك الفكرية والثقافية حول قضايا اجتماعية ظن البعض أنه قد تم حسمها منذ عشرات السنين، إلا أن هناك قضايا وأفكار وأطروحات مازالت محل خلاف وجدال واسع النقاش إلى اليوم. ويقول الباحث أيضاً أنه عندما نتأمل كلمات قاسم أمين، فإننا نجد أنها آراء قد يتفق القارئ مع صاحبها وقد يختلف، ولكنها فى الواقع تظل كلمات مهمة وجريئة تستحق أن تُقرأ منا بمزيد من الفهم والتحليل والتعمق، لاسيما وأنها بمثابة خبرة شخصية وتجارب عميقة لصاحبها، هى كلمات جديرة بالتوقف أمامها كثيراً.. لعلنا نقرأ ولعلنا نستفيد.